منذ أن صدر قرار ھیئة كبار العلماء عام 1384ھـ، بجواز السماح بالبناء على سفوح جبال مشعر منى، لم تقم الجھة المختصة بتنفیذ القرار الذي لم یعارضه في حینه من الھیئة إلا عضو واحد، لم تقم الجھة المختصة بتنفیذ القرار إلا بعد مضي نحو ثلاثة عقود، ولكن حتى التنفیذ اقتصر على بناء ستة أو سبعة أبراج على أحد سفوح منى بتمویل من صندوقي التأمینات الاجتماعیة والتقاعد المدني وقد أوكلت عملیة تنفیذ تلك الأبراج إلى مقاول محلي الله علیم بحاله فجاءت الأبراج دون المستوى المنشود وكلفت مبالغ ھائلة مما جعل الجھتین الاستثماریتین تطالبان بإیجارات مرتفعة مقابل استخدام غرف تلك الأبراج خلال أیام منى التي تسمى بأیام التشریق، ومع ذلك فإن ذلك العدد المحدود من الأبراج التي لم یبن سواھا منذ عقدین أصبحت مثل بیضة الدیك، لأنھا كانت لمرة واحدة، فلم تنفذ على طول سفوح منى وعرضھا التي تبلغ عدة كیلات طویلة سوى تلك الأبراج الیتیمة ولا شيء غیر ذلك.
ولست أدري عما إذا كانت وراء توقف تنفیذ القرار المشار إلیھ ظھور اجتھادات فقھیة جدیدة تعارضه، أم أن تجربة الاستثمار في الأبراج المنفذة لم تشجع جھات استثماریة أخرى على خوض التجربة، أم أن عملیة البناء على سفوح جبال منى التي عززت بقرار لمجلس الوزراء صدر في عام 1415ھـ قد أجلت ریثما تتم إعادة تطویر القدرة الاستیعابیة للمشعر الذي ینتظر حسب رؤیة 2030 أن یستوعب نحو ستة ملایین حاج دفعة واحدة، وھو ھدف جید ولكن یجب ملاحظة أنه في الوقت الحالي لا یكاد یستوعب سوى ملیوني حاج «وبالمزاحمة»، وھذا یعني أن رفع طاقته الاستیعابیة ثلاثة أضعاف یحتاج إلى بناء سطح منى بأكمله ونقل الحركة والخدمات تحت الأرض، ولاشك أن لدى الھیئة الملكیة لتطویر مكة المكرمة والمشاعر المقدسة تصورات وخططا عملیة.
ومن المنتظر أن تعلن الھیئة عن تلك التصورات والخطط قریبا ومن المؤمل أن تنجح في تحقیق ما وعدت بھ الرؤیة لنرى ثلاثین ملیون معتمر وحاج یفدون إلى الدیار المقدسة سنویاً، وذلك یتطلب البدء في استكمال التصورات والخطط وعدم التأخیر في التنفیذ، ولا بأس أن تتاح للقطاع الخاص فرصة المساھمة في تنفیذ أجزاء من تطویر العاصمة المقدسة مثل إعادة تأھیل المناطق العشوائیة القریبة من المسجد الحرام، وكذلك المساھمة في بناء مساكن للحجاج في منى على أن تنفذ الدولة الخدمات العامة بما في ذلك الماء والكھرباء والنقل الأرضي وغیرھا من الخدمات التي تختص بھا الدولة والله ولي التوفیق.