في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596، أبدع في رسم شخصية «شايلوك»؛ التاجر اليهودي المرابي الانتهازي الذي يحب المال والربح أكثر من أي شيء آخر.
نوعيات التاجر شايلوك من البشر لا تزال تسير بيننا وتعددت كثيراً في هذا العصر وبأساليب مختلفة، وبعضهم يتبوأ مناصب، وممارساتهم شملت قطاعات عديدة كتجارة الأغذية وتجارة العقار والمحاماة والأدوية والمستلزمات الطبية وغيرها الكثير من المهن التجارية، وتلاشت معهم القيم الإنسانية والمبادئ والنزاهة والأخلاق الإيجابية، وبعضهم قد أفسدوا وعلوا في الأرض بسبب ممارساتهم غير الإنسانية، وأحياناً غير المشروعة أيضاً كتجارة البشر (الإقامات).. وغيرها.
والغريب أنك تجد كل «شايلوك» منهم يسعى دائماً إلى أن يشعرك بالأمان والأمل في المستقبل ولكنه لا يتوانى أبداً عن التفكير في مصلحته أولاً ولا يبالي أبداً بالمجتمع والمواطنين، بل وينقض على أي شخص ينقص من كسبه شيئاً، حتى لو كان غير مستحق أو يضر الدولة، ودائماً ما تجد هذه النوعيات تقف ضد أي إصلاحات قد تعيد الاقتصاد إلى أسس متينة ويرون استمرار ارتفاع الأسعار لأي منتج حتى لو كان مفتعلاً ولا أساس له، كيف لا وهو شايلوك الذي لا يهمه شيء ولا يحب شيئاً أكثر من المال والربح! أيضاً لم أجد تجسيداً أبلغ غير شخصية الانتهازي «شايلوك» في المسرحية الشيكسبيرية وسلوكه الاقتصادي السيئ لإسقاطه على محتكري الأراضي السكنية واستغلال كل ما يساهم في رفع أسعارها بغض النظر عما إذا كان مشروعاً أو لا. إن ما يحدث في قطاع العقار السكني اليوم من بعض العقاريين نتيجة الجشع هو أمر مستغرب وكأنهم مسرورون من معاناة المواطنين حتى في المناطق البعيدة، ويتمنون عدم تمكن الحكومة من إيجاد الحلول المناسبة لأزمة الإسكان وتعطيل مشاريع الإسكان.
لقد أصبحت تكلفة شراء أرض للمسكن تشكل العبء الأكبر بين المواطنين بسبب إضعاف قوتهم الشرائية من خلال احتكار الأراضي السكنية والمضاربات وفرض نظام الاستثمار المخالف فيها في سوق انعدمت فيه حتى المنافسة الحقيقية بالأسعار بسبب التحكم بعرض أقل عدد وبتحايل وتنسيق لكي تبقى مستمرة ومحافظة على ارتفاعاتها وأسعارها الفلكية رغماً عن القانون الذي يمنعها، وليجد المحتكر نفسه مطمئناً ضد أي محاسبة على الرغم من كثرة التصريحات بتطبيق القانون وتقاعس البلدية والرقابة، ما أدى إلى فوضى كبيرة في قطاع السكن الخاص حتى أصبحت المناطق السكنية ممتلئة بالعمارات السكنية الاستثمارية، وتشوهت بنظام الأدوار والشقق المخالفة بسبب سوء الرقابة وانتشار الرشاوى، وعدم تركيز وزارة الإسكان على أهم مسؤولياتها بإنجاز المشاريع الإسكانية من دون تأخير، بينما من المواطنين وما أكثرهم ليس لهم إلا أن يشبعوا من الهم وضياع أموالهم لسنوات طويلة على دفع الإيجارات، فلا أظن أن هنالك جشعاً أكبر من ذلك الذي يحاول الكسب اعتماداً على حرمان الناس من حقهم في المسكن والتآمر عليه.
إن ما يمارسه بعض متنفذي الاحتكار والعقار وأدواتهم وأساليبهم في التأثير على تسعير الأراضي السكنية يعد جريمة في جميع دول العالم، وفي الكويت نجد حتى تضارب المصالح لا يؤخذ بعين الاعتبار، علماً بأنه مكشوف لبعض المسؤولين الحكوميين لخدمة وحماية المحتكرين.
لقد تجسدت شخصية «شايلوك» في الوجدان العالمي أيضاً في كل من يستغل ضعف الناس للوصول إلى الكسب، خصوصاً إذا كان غير مشروع ونهى عنه ديننا الكريم وجرمه القانون. وتفكروا في قوله تعالى في سورة التكاثر: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ».