توقع عدد من المختصين العاملين في مجال عقارات بريطانيا أن تكون الأسعار أكثر اعتدالا خلال الفترة المقبلة، وأن تسجل انخفاضا عن مستوياتها الراهنة، إلا أنهم لا يتوقعون أن يتم ذلك في الأجل القصير خلال بضعة أشهر.
ويربط الكثيرون بين الفورة العقارية الراهنة في بريطانيا وانخفاض معدلات الفائدة في الوقت الحالي، حيث يتوقع أن تشهد نهاية العام أو بداية العام المقبل زيادة في سعر الإقراض المصرفي في المملكة المتحدة.
يأتي ذلك في الوقت الذي قفزت فيه أسعار الوحدات السكانية في بريطانيا بنسبة 10.2 في المائة منذ بداية العام الجاري، حتى شهر حزيران (يونيو) الماضي، لتسجل بذلك أعلى معدل زيادة منذ أيلول (سبتمبر) عام 2007، وبذلك بلغ متوسط سعر الوحدة السكنية في المملكة المتحدة حاليا ما يزيد قليلا على 186 ألف جنيه استرليني.
ويعتقد البعض أن ذلك الارتفاع يعود لمجموعة من العوامل المشتركة، فمستوى المعروض من الوحدات السكانية منخفض، في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب من جراء الانتعاش الاقتصادي الراهن، وارتفاع مستوى التوظيف، وتزايد الثقة لدى المستهلك، ومعدلات الفائدة المنخفضة.
ويعتقد توم كيفين رئيس قسم القروض العقارية في بنك “نت وست”، أن الانتعاش الراهن في سوق العقارات سيتواصل لكنه لن يستمر بمعدلاته الراهنة، ويقول لـ “الاقتصادية”، إن العديد من التصريحات الصادرة من الحكومة وبنك إنجلترا تظهر عدم الارتياح للوضع الراهن في سوق العقارات، وتخوف صريح من انفجار الوضع، وهو ما قد يجر الاقتصاد بأكمله إلى دائرة الركود، ولهذا فمن المنطقي للغاية أن تتخذ كل التدابير الاحترازية من قبل الحكومة للسيطرة على الوضع سريعا وقبل فوات الأوان، سواء تم ذلك عن طريق إجراءات تؤدي إلى خفض الطلب أو عوامل محفزة لزيادة العرض.
وتراهن لجنة السياسيات المالية في بنك إنجلترا، وكذلك جورج أوزبورن وزير المالية في أن تسهم خطوة زيادة أسعار الفائدة في خفض الطلب الراهن على الوحدات السكانية، إلا أن بعض الاقتصاديين يعربون عن خشيتهم من أن تكون وسائل التعديل المالي بمفردها غير قادرة على كبح جماح الزيادة الراهنة في أسعار الوحدات السكانية.
بل يذهب بعضهم إلى القول إن هناك مشكلة جذرية في سوق العقارات البريطانية تجعل أسعار العقارات في ارتفاع دائم مهما تبنت الحكومة من إجراءات للسيطرة عليها. وأشارت لـ “الاقتصادية” الدكتورة كيث جودلي رئيسة قسم التخطيط المعماري في معهد الدراسات الهندسية في جامعة كامبريدج، إلى أن إحدى القواعد الأساسية والمنطقية في مجال التسعير العقاري إذا جاز التعبير، أن العلاقة بين قيمة العقار السكني وموقعه علاقة طردية، بمعنى أن الوحدات السكنية القريبة من وسط المدينة تكون أغلى سعرا من الوحدات المماثلة على أطراف المدينة.
وأضافت أن لندن التي تعد إحدى أهم المدن في العالم ووضع المدينة بكل المعايير( تجارية- ثقافية- سياحية- سياسية) يجعلها بأكملها مركزا ليس فقط على المستوى الوطني داخل بريطانيا، أو أوروبا وإنما على المستوى العالمي، وهذه الدينامية إضافة إلى أن المعروض لا يلبي الطلب، يجعل الأسعار في لندن ترتفع بمعدلات فائقة للغاية، حتى إن لم ترتفع أسعار العقارات في باقي أنحاء المملكة المتحدة، فإن ارتفاعها في العاصمة البريطانية كفيل برفع المتوسط السعري ومعدلات النمو السعرية في بريطانيا كافة.
وتبدو تلك النظرة شديدة التشاؤم بشأن إمكانية قيام الحكومة بأي عمل جذري لخفض أسعار الوحدات السكانية، ومع ذلك يطرح هاريس مورتين المدير العام لشركة أندروا ريف للعقارات ما يعتبره وسيلة للسيطرة على نمو الأسعار وليس تغيير الاتجاه التصاعدي الراهن لها.
وأوضح مورتين لـ “الاقتصادية”، أنه لابد من وضع حد أقصى لقروض الرهن العقاري بناء على قيمة العقار، وهذا سيخفض إلى حد كبير من الطلب، كما يجب أن يكون لمحافظ المدينة سيطرة أكبر على أذونات التخطيط لبناء مساكن جديدة، مضيفا أن هذا التوجه سيخفض نسبيا من الطلب وسيزيد من العرض مما سيسمح بتراجع الأسعار.
وتشير دراسة مشتركة لمجموعة “شالتر” و”ك بي إم جي” إلى أن متوسط العجز السنوي بين الطلب وما يتم تشييده من وحدات سكانية يبلغ نحو 100 ألف وحدة عقارية، وتوقعت الدراسة أنه إذا ما تواصل الوضع الراهن لقطاع الإسكان في بريطانيا فإن نصف البالغين الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة سيكون عليهم مواصلة العيش مع أسرهم.
وكشفت الدراسة أن 80 في المائة من المنازل في إنجلترا تتجاوز أثمانها قدرات الأسر العاملة المتوسطة والراغبة في شراء منزل لأول مرة.