تشير بوصلة التملك خلال السنوات المقبلة في السعودية إلى ازدهار تملك الشقق بنسب كبيرة نتيجة انخفاض سعرها مقارنة بالفيلات التي تعتبر المناسب الأكبر، حيث ستتفوق على غيرها من القطاعات السكنية الأخرى خصوصا في ظل صعوبة الحصول على قرض عقاري بعد إقرار «ساما» ضرورة توفير الدفعة الأولى، الأمر الذي سيلقي بظلاله بقوة على مستقبل العقار الذي أصبح من الصعوبة التملك فيه، نتيجة ارتفاع أسعاره وعراقيل الحصول على قرض عقاري من الجهات التمويلية التجارية.
وتوقع عقاريون أن يتصدر الاستثمار في شقق التمليك قائمة الأفرع العقارية الأكثر نشاطا، حيث تشير الإحصائيات الميدانية إلى ازدهار ملحوظ في حركة هذا النوع العقاري عن سائر العقارات الأخرى، بعد أن شهد الاستثمار في الأراضي البيضاء عام 2013 الموجة الكبرى من العمليات التسويقية، إلا أن الاستثمار السائد خلال العام الحالي يصب في مصلحة بيع الشقق بكافة أحجامها التي بدأت بشكل فعلي في قيادة قطاع المبيعات العقارية.
قال عبد الرحمن العييد الذي يدير مكتب استشارات عقارية، بأن النظام الجديد للتمويل العقاري سيفرض نفسه بقوة على اختيار العميل للمكان الذي يريد أن يستقر فيه، خصوصا في ظل صعوبة جمع الدفعة الأولى للراغبين في الشراء بالآجل، الأمر الذي يفتح خيارات جديدة بالنسبة لقطاع الشقق الذي يلاحظ زيادة الإقبال عليه بشكل كبير، نتيجة تلاشي فكرة تملك الفيلات والمنازل الصغيرة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل عام، في الوقت الذي تحتاج فيه السعودية إلى زيادة مهولة في بناء الوحدات السكنية لتلبية طلبات المواطنين، الذين تقع مشكلة الإسكان لديهم على رأس المطالب التي يطالبون بتوفيرها، في ظل سكن معظمهم في منازل مستأجرة.
وأضاف: «الإقبال على الشقق يوحي بتغيير في عقلية المواطن السعودي الذي لم يكن وحتى وقت قريب يفضل السكن في الشقق، إلا أن الواقع يجبره على ذلك خصوصا أن فكرة سكن الشباب في شقق التمليك أصبحت دارجة وبشكل كبير، خصوصا لمن لا يمتلك عائلة كبيرة في ظل توقعات توحي بأن يشهد السوق العقاري موجة جديدة من الارتفاعات بعد إقرار التمويل العقاري للبنوك الذي سيساهم وبشكل كبير في توفير السيولة لتلبية الطلب المتزايد، مما يعني زيادة وشيكة في الأسعار». وفي نفس الاتجاه أكد علي العجمي المتخصص في الاستثمار العقاري، أن هناك حركة ملحوظة تشير بوصلتها إلى زيادة واقعية في رغبه المستثمرين الاستفادة من إقبال المشترين على الشقق السكنية للتمليك، خصوصا فئة الشباب الذين لا يتجاوز معدل أعمارهم 35 عاما، وهم الشريحة الأكثر طلبا للعقار الذين صادفتهم مشكلة غلاء الأسعار عند رغبتهم في تملك المنازل الخاصة بهم، مما جعل تملك الشقق خيارا جيدا بالنسبة إليهم لضمان منزل العمر، في ظل تضاؤل الأمل في الحصول على فيلات بأسعار معقولة مع حلول موجة الارتفاعات الكبيرة في السوق العقارية السعودية.
وأضاف: «إن التصميم الجديد للشقق يوحي بتفنن وتغير كبير في اختيار المواطنين لهذا النوع من القطاعات العقارية، كما أن أسعارها تعتبر منخفضة نوعا ما إذا ما قورنت بالفيلات التي يبلغ أقل سعر لها قرابة الضعف».
، ، ل ، .
من جهته، أكد حمد الدوسري الاستشاري العقاري، أن من بين 100 وحدة سكنية يتم إنشاؤها حاليا يبلغ معدل الوحدات المحددة لطرحها كشقق تمليك 70 حدا أدنى، مما يوحي بأن تغيرا وشيكا في الخارطة العقارية السعودية، التي تشهد منعطفات تاريخية في تملك العقار بعد رزمة الإصلاحات الحكومية في القطاع السكني وإنشاء وزارة الإسكان، التي لم تحرك ساكنا منذ إنشائها مما أفقد المواطنين الأمل في الحصول ولو على فيلا صغيرة، وجعلهم يعتمدون على أنفسهم على الرغم من دخولهم الضعيفة ومتطلبات الحياة المتزايدة لتأمين منزل العمر بأنفسهم. واستطرد الدوسري القول بأنه لاحظ سيطرة الحديث في المجالس التجارية العقارية على توجه المستثمرين وتكتلهم لإنشاء المشاريع العقارية ذات الطابع الشققي، مما يشير إلى تغيير حاصل على توجه السعوديين نحو تملك الشقق التي أصبحت خيارا قويا من خيارات التملك، لافتا بأنه يجب على المسؤولين الحكوميين مراقبة الأسعار خلال السنوات القليلة المقبلة من أجل ضبط الأسعار، وعدم انزلاقها إلى مستويات مرتفعة يعجز على أثرها المواطن البسيط من تملك حتى الشقة التي أصبحت الحلم الوحيد الممكن تحقيقه. هذا ويعيش قطاع البناء والتشييد السعودي هذه الأيام فترة ذهبية نتيجة الانخفاض العام في أسعار مواد البناء خلال الأسابيع الأخيرة، حيث سجلت أدنى مستوياتها منذ بداية العام، حيث تراجعت أسعار الحديد بنحو 100 ريال للطن الواحد، في حين سجلت أسعار الإسمنت تأرجحا بين النزول والاستقرار، وانعكس الأمر ذاته على بقية مواد البناء الأخرى، الأمر الذي قد يدفع بزيادة عدد المنشآت وانخفاض مراقب في الأسعار وعلى رأسها شقق التمليك التي تشهد ارتفاعا ملحوظا في الطلب.
وفي صلب الموضوع أكد ياسر المريشد الذي يمتلك شركة إنشاء عقارية، بعد موجة ازدهار نسبي لمبيعات الأراضي الخام خلال عام 2013، فإن النمو المتوقع للعام الجديد يصب في صالح شقق التمليك التي ستقود السوق لا محالة في ظل التوجه الحالي للمشترين، موضحا أن الفترة المقبلة ستوضح مدى الإقبال الكبير على الشقق التي ستصبح الخيار الأول في الفترة القريبة المقبلة.
وحول الأسعار الحالية للشقق كشف المريشد أن المناطق الشمالية لمدينة الرياض تظل الأعلى طلبا ويصل سعر الشقة المتوسطة بمساحة 230 مترا إلى ما يقارب نصف المليون ريال. وتنخفض الأسعار قليلا في شرق العاصمة ووسطها الشمالي حيث تبلغ قرابة الـ600 ألف، وتليها المناطق الجنوبية والغربية من العاصمة التي تصل إلى 320 ألف ريال، على الرغم من أنها نفس المساحة والحديث هنا عن الشقق الجديدة، وأنه كلما تقدم عمر العقار كلما نقصت قيمته، إلا أنها لا تقل بأي حال من الأحوال عن 200 ألف ريال، وأن الأسعار متقاربة إلى حد كبير، تختلف بحسب تشطيبها وديكوراتها وقربها من الخدمات العامة والطرق الرئيسية، لكن يبقى عمر العقار وموقعه علامتين فارقتين في تحديد القيمة العامة للشقة.
وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي قد أصدرت في وقت سابق اللائحة الجديدة للتمويل العقاري التي تنص على وجوب توفير 30 في المائة من قيمة العقار عند الرغبة في الشراء من جهات التمويل، واستكمال الـ70 في المائة المتبقية عن طريق شركات وبنوك التمويل، ورغم الجدل الكبير الذي حدث حول جدوى القرار، فإن الأيام المقبلة كفيلة بأن توضح مدى جدوى تطبيقه من عدمها، وهو ما تراهن عليه «ساما» بأنه سيكون ذا انعكاس إيجابي على الأسعار وعلى السجل الائتماني للمواطنين، وحماية المؤسسات المالية والاقتصاد من تعثرات محتملة نتيجة التوسع في إعطاء القروض.