نتناول في هذا المقال أثر تطبيق الضريبة على قطاع العقار والإنشاءات، الذي لا يقل تأثراً عن قطاع التجزئة، نظراً لحجم المعاملات الكبير الذي يتم من خلاله، وتعدد اللاعبين الرئيسيين فيه، وكذلك المساهمة الكبيرة نسبياً لهذا القطاع في الاقتصاد المحلي، لا سيما اقتصادات مجلس التعاون الخليجي التي تولي اهتماماً بالغاً بهذا القطاع.
ستطبق ضريبة القيمة المضافة بالنسبة القياسية %5 على أغلبية المعاملات التي تتم في هذا القطاع، مع وجود بعض الاستثناءات التي سنذكرها لاحقاً في هذا المقال.
وعند الحديث عن قطاع العقار والإنشاءات، فإن ذلك يشمل بيع وتأجير وتطوير العقارات والأراضي وعمليات التأجير التمويلي وعمليات الوساطة العقارية، وغيرها مما يتعلّق بأنشطة قطاع العقار والإنشاءات.
ونتناول في ما يلي أهم سمات تطبيق ضريبة القيمة المضافة على الجوانب المختلفة لقطاع العقار والإنشاءات، وذلك من وحي الاتفاقية الموحّدة لدول مجلس التعاون الخليجي بشأن ضريبة القيمة المضافة، وكذلك القوانين التي صدرت في بعض دول المجلس التي بدأت بتطبيق الضريبة مع بداية العام الحالي 2018، وهما السعودية والإمارات. ونعتقد بأن الدول التي لم تصدر تشريعات وقوانين خاصة بضريبة القيمة المضافة بعد ستحذو حذو السعودية والإمارات في إقرار تشريعات مشابهة تحكم معاملة الضريبة في ما يتعلّق بالأنشطة العقارية.
أولاً: بيع العقارات
كقاعدة عامة، يعد بيع العقارات في أي دولة بمنزلة توريد للسلع، ويكون خاضعاً للضريبة بالنسبة القياسية، سواء كان البائع والمشتري (المورد والعميل) مقيمين في الدولة التي تمت فيها عملية البيع، أم لم يكونا مقيمين فيها.
ويشمل ذلك المنازل والشقق والعقارات السكنية الأخرى، وبيع العقارات التجارية، وبيع الأراضي الفضاء، وبيع العقارات التي لم يتم استكمال بنائها. كما يعتبر عقد التأجير التمويلي للعقار، الذي يسمح للمستأجر بحيازة العقار لفترة محددة مع منحه خيار انتقال ملكية العقار إليه عند استكمال سداد قيمة العقد، توريداً للعقار، ويكون خاضعاً للضريبة بالنسبة القياسية. في حين أن الجزء من قيمة العقد الذي يتعلّق بالتمويل يعامل كخدمة مالية معفاة من الضريبة، واستثناء من القاعدة العامة، لا يعد بيع العقار السكني، أي العقار المستخدم كمسكن دائم للشخص أو أحد أفراد عائلته، توريداً خاضعاً للضريبة، حيث إن البيع لا يمثل نشاطاً اقتصادياً. وبالتالي، فهو خارج نطاق الضريبة.
أما العقارات المقدّمة للبنوك والمؤسسات المالية كضمان مقابل تسهيلات ائتمانية والتي تستلزم نقل ملكية العقار إلى الجهة الممولة، فلا يعد توريداً خاضعة للضريبة، حيث ستتم إعادة نقل ملكية العقار إلى المتمول بعد سداد قيمة التمويل.
ثانياً: تأجير العقارات
كقاعدة عامة، يعفى عقد الإيجار السكني من ضريبة القيمة المضافة، بشرط أن يكون العقار مقر إقامة دائماً، يصلح لأن يشغله البشر، وأن يكون المراد من العقار استخدامه كمسكن رئيسي.
ويطبق الإعفاء الضريبي على تأجير العقارات السكنية المستخدمة كمسكن للأفراد أو العائلات كمسكن رئيسي، ويشمل المأوى السكني للطلاب وتلاميذ المدارس والموظفين.
وكون هذه الخدمات معفاة من الضريبة، يعني أن مالك العقار الخاضع والمسجل لأغراض ضريبة القيمة المضافة لن يكون له الحق بالمطالبة بأي ضريبة مدخلات تتعلّق بأي من التوريدات والمصروفات المتعلّقة بالعقار. في حين تخضع للضريبة جميع التوريدات العقارية الأخرى التي تعد جزءاً من نشاط اقتصادي، وتشمل عقود الإيجار للمكاتب والمحال التجارية، وإيجار أراضي الفضاء والترخيص الممنوح لاستخدام مصنع أو منشأة صناعية.
كما يخضع توفير الإقامة في الفنادق والاستراحات أو منازل الضيوف أو الوحدات الفندقية لضريبة القيمة المضافة. ويكون لمالك العقار الحق في استرداد ضريبة المدخلات التي يدفعها مقابل أي توريدات أو مصاريف تتعلّق بالعقار.
أما بالنسبة للعقارات ذات الاستخدام المزدوج التي يؤجر جزء منها لأغراض سكنية والجزء الآخر لأغراض تجارية، فيخضع الجزء المخصص للاستخدام التجاري للضريبة، في حين يعفى الجزء الآخر من الضريبة كل بحسب نسبته من العقار.
جدير بالذكر أن الخدمات الإضافية التي يقدّمها المؤجر إلى المستأجر، سواء السكني أو التجاري، كرسوم الصيانة ورسوم استخدام المرافق ومواقف السيارات وغيرها من الخدمات الإضافية، تعد توريداً منفصلاً، وتكون في جميع الأحوال خاضعة للضريبة بالنسبة القياسية.
ثالثاً: الأعمال الإنشائية وعقود المقاولات
كقاعدة عامة، تعد جميع أعمال المقاولات بما فيها تلك التي يقصد منها تشييد مبنى سكني أو تجاري وكذلك أنشطة مقاولي الباطن بمنزلة خدمات خاضعة لضريبة القيمة المضافة بالنسبة القياسية.
ونظراً لطبيعة أعمال المقاولات، فإن تلك الخدمات تعتبر توريداً مستمراً للخدمات، وتستحق ضريبة القيمة المضافة، في حال حدد العقد تواريخ محددة للدفعات، على كل مستخلص في تاريخ استحقاق كل دفعة أو السداد الفعلي لأي دفعة أيهما أسبق.
أما في الحالات الأخرى التي لا يحدد العقد تواريخ محددة للدفعات، فإن استحقاق الضريبة يكون عند إصدار الفاتورة أو تاريخ السداد الفعلي. ولا تؤثر المبالغ التي يتم خصمها أو احتجازها من قبل المطور أو العميل ضماناً لأداء المقاول «محجوزات الضمان» على احتساب ضريبة القيمة المضافة، حيث تحتسب على أساس المبلغ الكلي الذي صدرت به الفاتورة.
هذا ويجوز للمقاول، المسجل لضريبة القيمة المضافة، خصم ضريبة المدخلات التي قام بتسديدها للموردين أو مقاولي الباطن لأعمال وتوريدات تمت وتتعلّق بنفس عقد المقاولة. ومن ناحية أخرى، تتسم أعمال المقاولات بشكل عام بحتمية وجود قضايا في المحاكم تتعلّق بعلاقاتها التعاقدية مع الغير، إذ قلما تجد شركة من الشركات العاملة في مجال المقاولات من دون دعاوى قضائية مرفوعة منها أو عليها، وفي الغالب تنتج عن هذه الدعاوى تعديلات في قيم العقود بالزيادة أو النقصان أو تعويضات وغيرها من التغييرات التي تحتاج بالتأكيد إلى معالجة خاصة، وتعديلات لضريبة القيمة المضافة المتعلّقة بها.