هل لأنظمة الرهن العقاري تأثير على المواطن ممن يتطلع لامتلاك مسكن؟ نعم. هل التأثير إيجابي؟ نعم. لماذا؟ إن توفر المزيد من قنوات التمويل للاستثمار العقاري سيعني تشييد المزيد من الوحدات السكنية، مما يؤدي إلى زيادة المعروض، وبالتالي يحقق -مع مرور الوقت- توازناً بين العرض والطلب وكفاءة في سوق العقار، وبالتالي خفضاً للتكلفة. صدرت موافقة مجلس الوزراء الموقر على أنظمة التنفيذ والتمويل والرهن العقاري وتنظم قضايا قبل نحو ثلاث سنوات، وسمعنا التأثير الكبير الذي أحدثه تنفيذ الأحكام، فلم يعدّ أحدٌ يجرؤ أن يدبج شيكاً دون أن يجد أن العواقب وخيمة، أما فيما يتعلق بالرهن العقاري فالخطوات التي أنجزت لم تستطع أن تحدث فرقاً على مدى السنوات الثلاث، ومن يقل عكس ذلك فليأت بحجته، هي ما برحت لقمة للبنوك التجارية تبتلعها، إذ حتى بعد نفاذ الأنظمة استمر العمل كما كان على مدى سنوات طويلة، والسبب أن هيكلية الرهن، ليست مجرد اصدار تراخيص، بل إنشاء صناعة لها مرتكزات ومؤسسات، وهو أمر لم يتحقق حتى كتابة هذه الأسطر.
كان مؤملاً أن تؤثر هذه المنظومة على: تكلفة التمويل بأن تخفضها، وتؤثر كذلك في تحديد الحقوق والواجبات لأطراف العلاقة في الامتلاك والرهن وفي اتاحة السوق المالية السعودية لتمويل الرهونات العقارية وتسنيدها. ولكن ما حدث هو ما يلاحظه كل منكم! لم يحدث ما كان مؤملاً، ولم نجد أن سوقنا المالية انشغلت بتسنيد رهون، بل كان الحديث الأحمى وطيساً هو حول 30 بالمائة دفعة أولى لشراء المسكن كشرط لتحريك مسار الرهن! والسؤال: ما الأسس التي أوصلت إلى النسبة السحرية «30 بالمائة»؟! لعله إيثار التحوط والتحفظ، ولا أجد سبباً سواهما. ولعل من الملائم الإشارة إلى أن نظام الرهن تناول سوقاً أولية وسوقاً ثانوية للرهونات، ضمن أمور كثيرة تشير إلى نهج جديد كان يؤمل له أن ينطلق.
وكثر الحديث على مدى سنوات طويلة، ولكن دون طائل -فيما يبدو- عن ضرورة تغيير ما هو قائم من أن البنوك السعودية بنوك تجارية في الأساس لديها ودائع، وتقدم قروضاً مقابل تلك الودائع وفقاً لضوابط يحددها البنك المركزي (مؤسسة النقد العربي السعودي)، ويقنن نشاطها نظام مراقبة البنوك، وأن ذلك يعني أن بنوكنا ليس بوسعها تقديم تمويل طويل المدى، والتمويل العقاري طويل المدى بطبيعته يصل إلى عدة عقود. ثم أن البنوك التجارية -بطبيعتها كذلك- تستميت للحفاظ على أعلى حد ممكن من السيولة مما يعني أهمية ألا تنكشف على التزامات عقارية طويلة المدى، فضلاً عن أن ما لدى البنوك من ودائع محدود مقارنة باحتياجات التمويل العقاري الترليونية. وما يهم المواطن أن منظومة الأنظمة التي صدرت تعني له في المحصلة: مزيداً من المعروض من مساكن مما سيؤدي لخفض السعر بالتدريج، كما ستنخفض تكلفة التمويل؛ فهي حالياً مرهقة تضاهي قيمة الأصل وذلك لاعتبارين أساسيين: أن تحديد تكلفة تمويل الرهن سيكون شفافا وسيكون للجهة الحكومية المنظمة تأثير في تحديده بل وحتى خفضه على ما هو عليه الآن، كما أن كمية الأموال المتاحة لتمويل الرهونات تزيد أضعافاً مضاعفة عما هو متاح حالياً من خلال القروض العقارية بسبب أن سقف تلك الأموال ليس الودائع في البنوك ولكن عمق الاقتصاد السعودي ممثلاً في سوقه المالية؛ فالرهونات العقارية تُجمع وتُسند وتُطرح في السوق المالية.. وهكذا فالعبرة في شركات التمويل والرهن العقاري ليس برؤوس أموالها ولكن بقدرتها الحصول على تمويل من السوق المالية. ويبدو أن البنية التحتية النظامية والتنظيمية سبقت وتقدمت على القدرة على تطبيقها، وخير شاهد ابتعاد السوق المالية من جهة وعدم ولادة مؤسسة إعادة الرهن حتى بعد مضي أشهر طويلة من نفاذ أنظمة الرهن والتمويل العقاري!
المصدر :http://www.alyaum.com/article/4053638