اتخذت الجهات السعودية المختصة إجراءات رقابية وقانونية مشددة على معاملات كتاب العدل ومراجعة صكوك الأراضي خاصة المساحات الكبيرة، بعد أن تم الكشف عن اعتداءات على آلاف قطع الأراضي المملوكة للدولة، بتواطؤ موظفين حكوميين زوّروا ملكيتها.
وبحسب الإحصائيات الرسمية فقد تم كشف سرقة أكثر من 73 مليون متر مربع من أراضي الدولة، حيث أكدالمحلل الاقتصادي محمد العنقري، أت هذه المساحة تكفي بعد تطويرها واقتطاع الشوارع والخدمات، بناء 73 ألف منزل للمواطنين، وبلغ إجمالي المساحات التي أبطلت وزارة العدل صكوكها، أو أزالت وزارة الشؤون البلدية والقروية التعديات عنها خلال خمس سنوات أكثر من 1.5 مليار متر مربع موزعة على 12 منطقة، وبقيمة إجمالية 2.3 تريليون ريال (613 مليار دولار)، وفقاً لمتوسط أسعار العقار في مختلف أطراف كل مدينة، وحسب إحصائيات رسمية، غير أن اقتصاديين قدروا حجم الأراضي المسروقة بأكثر من ملياري متر مربع، وأوضح أنه في أغلب قضايا نهب الأراضي يتورط كتاب عدل (مسؤولون عن توثيق الملكيات) في التزوير، مقابل رشاوى بالملايين.
فيما أعلنت هيئة مكافحة الفساد”نزاهة”، الأسبوع الماضي، عن صدور حكم بالسجن لمدة سنتين على كاتب عدل أدين بتزوير صك ملكية أرض، بالإضافة إلى فصله من العمل. وثبت خلال التحقيقات أن الكاتب قام بإتمام إجراءات بيع الأرض عدة مرات دون حضور مالكها الأصلي، ما يمثل تزويراً في أوراق رسمية.
ويؤكد الخبير العقاري عبدالعزيز اللعبون، أن ما يحدث كان نتيجة سنوات طويلة من عدم المراقبة، ما أغرى كتاب عدل بالتواطؤ مع رجال أعمال للاستيلاء على الأراضي الحكومية ووضع اليد عليها، عبر إصدار صكوك غير رسمية.
موضحاً إن الأمر ليس مجرد إصدار صك، بل هي عمليه معقدة، ويشترك فيها أكثر من كاتب عدل في عدة مناطق، يتم خلالها تمرير الصك على أكثر من مالك وهمي وبتواريخ قديمة، حتى تصل للمالك الأساسي، ويتم استخدام رقم صك حقيقي لتمرير الجريمة، وذلك وفقاً لما أوردته صحيفة العربي الجديد.
وقال اللعبون: كانت الأعين لا تلاحظ كتاب العدل الذين يتقاضون في المتوسط ما يقارب سبعة آلاف دولار شهرياً كيف تحولوا لمليونيرات، ولكن اكتشاف أكبر عملية تحايل بقيمة 600 مليون ريال (160 مليون دولار) مؤخراً، جعلت السلطات تعيد التدقيق في الصكوك القديمة.
ويشدّد الخبير العقاري، على أن التدقيق المبالغ فيه بعض الأحيان، بدأ يعطلمصالح ملاك الأراضي، خاصة وأن بعض كتاب العدل يتعمدون مخالفة الأنظمة تحت ذريعة التحقق من الصكوك، وإن كانت مستوفية لأركان التوثيق العدلي، ويضيف: “تسبب ذلك في زيادة بيروقراطية العمل، وتدني أداء كتابات العدل، وتعطيل مصالح المواطنين، وانتفاء العدالة”.
وأضاف: منذ قرابة عامين والمحاكم السعودية تستقبل باستمرار قضايا تزوير واعتداء على الأراضي العامة، وفي الشهر الماضي فحصت المحكمة العليا صكاً مشبوهاً بطوق مساحات فضاء شاسعة على طريق عسفان شمال مدينة جدة، وثبت بعد التحقيقات أن الصك مزور، ومخالف للأنظمة.
ولا يقع اللوم على كتاب العدل فقط، حيث تمتد الشبهات إلى كثير من كبار موظفي البلديات الذين يسهلون سرقة الأراضي الحكومية، فهم الأكثر معرفة بها بحكم إشرافهم على المخططات، وكشفت عملية تلاعب كبيرة تمت في مدينة جدة مدى تفشي سرقة الأراضي الحكومية، حيث استولى عدد من موظفي البلدية على أكثر من 500 حديقة كانت موزعة في الأحياء الجديدة من المدينة، وحولوها لأراضٍ سكنية لصالحهم، وقاموا ببيعها.
وتتصدر جدة (غرب) جميع مدن السعودية في حجم الأراضي المسروقة بأكثر من 822 مليون متر مربع، تلتها الرياض بنحو 502 مليون، ثم مكة المكرمة بـ100 مليون، وصولاً إلى 30 ألف متر مربع في المدينة المنورة، حسب الإحصائيات الرسمية.
ويؤكد المحلل الاقتصادي ربيع سندي، على أن الأمر مقلق جداً، لأن هذه السرقات كانت السبب الرئيسي وراء أزمة السكن الطاحنة التي يعاني منها أكثر من 70% من السعوديين.
ويقول: المجتمع يعاني من لصوص الأراضي منذ أكثر من 30 عاماً”، وهناك فراغ تشريعي فيما يتعلق بحماية الأراضي، وتتسبب سرقات الأراضي في تعطيل العديد من المشاريع الحكومية، وبحسب التقرير الرسمية فأن هذه الممارسات عطّلت خمسة مشاريع حيوية في جدة شملت جامعة جدة ومشروع الأرض المخصصة لوزارة الإسكان ضمن أراضي المليساء بمساحة نحو 1.5 مليون متر مربع، وأرضاً مخصصة لمشروع الطاقة الذرية والمتجددة، وأخرى لجمعية أصدقاء المجتمع، وكذلك مشروع طريق مكة جدة الجديد.