24 أبريل 2015
لا يبدو أن مشكلة الإسكان في طريقها لحل سريع، ولا يبدو أن الحلول التي تضعها وزارة الإسكان ستكون فعالة في ظل التكتل والاحتكار الرأسمالي الذي تواجهه مشاريعها طالما اختارت الوزارة أن تدخل شريكا مع هؤلاء الاحتكاريين. كان المؤمل أن تدخل الوزارة السوق ليس كمنافس وحسب، بل كمسيطر، وربما محتكر أقوى يكسر الاحتكارات القائمة، وكل السبل كانت مهيأة لها للقيام بذلك، ولكنها اختارت الطريق الأصعب، طريق التعاون مع التكتلات القائمة الرافضة لأي شريك في مكاسب تراها مستحقة لها وحدها.
ليست القضية غلاء الأراضي ولا كثرة العشوائيات ولا حتى كثرة الأراضي البيضاء، هذه كلها نتائج لوجود الاحتكار وعجز وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية عن التصرف باستقلالية عن آلية السوق التي فرضها الاحتكار، يوضح هذا مشكلة إسكان حي الرصيفة بمكة المكرمة وكيف استعصى حله على مدار عشرين عاما، برغم رغبة وزارة المالية ووزارة الإسكان والصندوق العقاري بحلها، والسبب ــ كما يعرف الجميع ــ تكتل رجال الأعمال الذي سعى لشراء فلل المشروع في المزاد العلني الذي دعا له الصندوق والوزارة ومن ثم بيعها بأسعار باهظة، مما حرم المواطنين من الاستفادة منه، وقس على ذلك من مشاريع مماثلة. وكان الأولى عرضه في مزاد علني، ولكنها البيروقراطية التي منعت تمليكه للمواطنين المنتظرين سنين طوالا على قائمة الصندوق ومن ثم خصمه من قيمة القرض واستيفاء ما تبقي من المواطنين بضمانات بنكية يمكن تدبيرها.
مثال آخر رسوم الأراضي البيضاء، وهو ما تظن وزارة الإسكان أنه حل سحري، بكل بساطة سيعمد المحتكرون إلى تقسيم، ولا أقول تفتيت، القطع الكبيرة، وقد يقبلون بدفع رسوم قليلة مقارنة بمكاسبهم الكبيرة وستستمر المعاناة، بينما علم الاقتصاد يقدم لنا حلولا جذرية ووقتية لمعالجة الاحتكار، بل كيفية القضاء عليه، وقدم لنا الفاروق عمر حلا عمليا قبل 14 قرنا عندما صادر أرضا وهبها سيد الخلق ــ صلى الله عليه وسلم ــ لرجل لم يستفد منها حتى عهد عمر ــ رضي الله عنه.
لو دخلت وزارة الإسكان سوق العقار بكل ما أتاحته لها الدولة من قدرات وإمكانات لتمكنت من كسر هذا الاحتكار الظالم، بكل بساطة كان يمكنها بناء مدن سكنية جديدة على أطراف المدن القائمة أو حتى بعيدا عنها، وترك الأراضي البيضاء لأصحابها الذين سيسارعون وقتها للتخلص منها وعرضها على الوزارة بأبخس الأسعار. الوزارة ما زالت ــ للأسف ــ تفكر من داخل الصندوق، وإذا لم تسارع بالخروج من ربقته ستنتشر «صنادق» الإسكان حولنا.