نشرت صحيفة مال تقرير الربع الثالث – 2018 لمؤشر أسعار العقار وفقاُ لتقرير الهيئة العامة للإحصاء حيث تبين في المجمل انخفاض عام في مؤشر أسعار العقار بنسبة 17.7% خلال الربع الثالث مقارنة ببداية لعام 2014 وهي سنة الأساس.
وحتى تتضح الصورة فإن مؤشر أسعار العقار يضم قسمين هما العقارات التجارية والعقارات السكنية بمختلف منتجاتها ؛ ومن خلال التقرير نلحظ اختلاف معدلات التغيير حسب المناطق الإدارية لأن لكل منطقة مناخها الاقتصادي والسكاني؛ إلا أن المثير في الأمر هو إنحسار أو تباطؤ الانخفاض في أسعار العقار في العام 2018 أي أن معدل التغيير للانخفاض سواء على مستوى المقارنة الربعية أو السنوية لغالبية المناطق الإدارية قد قل (انخفض) وبالتالي يستدل بعض كُتاب الاقتصاد بأن هذه علامات لرجوع وانتعاش أسعار العقار من جديد.
ولكن لا يمكن الحكم بهذه السهولة فعند صدور تقرير اقتصادي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عدد من المؤشرات ذات التأثير المباشر على المجتمع بشكل خاص والاقتصاد الوطني بشكل عام وبالتالي حتى يصدر حكم ارتداد الاسعار أو الاستمرار في الانخفاض لابد أن تدرج ضمن التحليل مؤشر عرض النقود والرقم القياسي لتكلفة المعيشة بالاضافة الى القرارات ذات الطابع الإصلاحي في الاقتصاد.
لنبدأ بمؤشر عرض النقود والذي يصدر بشكل شهري عن مؤسسة النقد العربي السعودي حيث يوضح معدل التغير لشهر اغسطس -2018 انخفاض معدل عرض النقود بمعدل -0.02% مقارنة عما كان عليه في شهر يوليو لنفس العام؛ حيث بدأ انخفاض معدل عرض النقود منذ شهر يونيو بمعدل -0.8% مقارنة بشهر مايو.
وعملياً فإن انخفاض عرض النقود يؤدي إلى زيادة الضغط على خفض الأسعار وحتى يكون التحليل منطقي فإن السوق السعودي منذ الفترة 2007- 2014 كانت معدلات عرض النقود فيه عالية ولكن بعد ذلك تغير الوضع نتيجة لعوامل داخلية وخارجية أهمها التغير في أسعار النفط.
أما بالنسبة لمعدل التغيير لمؤشر الرقم القياسي لتكلفة المعيشة لشهر سبتمبر -2018 انخفض إلى -0.2% مقارنة بشهر أغسطس لنفس العام وهو ما يدل على انخفاض في أسعار السلع والخدمات وهذه لها عدة عوامل أهمها ثبات الدخول للافراد والتغيير في سلوكياتهم الاستهلاكية وبالتالي انخفاض الطلب خلال فترات زمنية قريبة.
العامل الآخر وهو المؤثر على جميع المؤشرات وهي القرارات الاقتصادية ذات الطابع الإصلاحي فهي ذات تأثير مباشر على أرتفاع أو انخفاض تلك المؤشرات ولعل أبرز تلك القرارات هي تنظيم قروض الأفراد ودخول البنوك المحلية في دائرة المسؤولية المدنية مما سينتج عنه خلال الفترات القادمة انخفاض في قيمة القروض الشخصية ويقابل ذلك عدم وجود منتجات ائتمانية عقارية تتناسب مع دخول الأفراد في الوقت الحالي؛ كذلك القرارات الناتجة عن برنامج التوازن المالي والتغيير في أسعار الطاقة؛ بالإضافة إلى تطبيق رسوم الأراضي البيضاء وتفعيل قرارات قديمة حول تأسيس وتوفير البنية التحتية لجميع المخططات الحكومية (المنح) والتي من شأنها ارتفاع المعروض؛ وبالتالي مع ثبات النقد أو نموه بشكل ضئيل يؤدي إلى زيادة في انخفاض الأسعار لبعض القطاعات الاقتصادية وأهمها القطاع العقاري.
إذاً من وجهة نظر شخصية وبناء على تحليل عدد من المؤشرات الاقتصادية فإن أسعار العقار بمختلف تقسيماتها ومنتجاتها لا زالت مرتفعة مقارنة بدخول الأفراد وما انتجته المرحلة الراهنة من الإصلاح الاقتصادي. كما أن ما تم عرضه في تقرير أسعار العقار لا يتوافق مع تقارير المؤشرات الاقتصادية الأخرى وبالتالي التوقع هو أن يستمر انخفاض في أسعار قطاع العقار وما يتبعه من أيدي عاملة ومواد انتاجية.
واخيراً لا يمكن إصدار قرار بعودة أو خفض الأسعار إلا بتحليل شامل لجميع المؤشرات الاقتصادية التي تمس الأفراد والاقتصاد الوطني.