تتأهب السوق العقارية المحلية لخوض مرحلة جديدة بعد موسم الحج القريب، تستقبل خلاله تطبيق المبادئ الجديدة للتمويل، التي نصّت فقراتها “15، 16، 17″، وأصبحت سارية المفعول من تاريخ نشرها، على تقييد جهات التمويل بنسب تحمّل على المقترضين، حسب إجمالي دخلهم الشهري، ألا تتجاوز نسبة الالتزامات الائتمانية الشهرية المترتبة على التمويل ما نسبته 55 في المائة من إجمالي الدخل الشهري لمن دخله 15 ألف ريال فأقل، وما لا تتجاوز نسبة الالتزامات الائتمانية 65 في المائة من إجمالي الدخل الشهري لمن يتجاوز دخله 15 ألف ريال وأقل من 25 ألف ريال، ويخضع من يبلغ دخلهم الشهري 25 ألف ريال فأكثر لسياسات الممول الائتمانية، على أن يراعي الممول إخضاع جميع عملائه لتقييم إمكانية تحمّل الالتزامات الائتمانية الشهرية.
وتضمنّت عبارة الالتزامات الائتمانية الشهرية المشار إليها أعلاه، حسبما نصّت عليه المبادئ، وفقا للفقرة “ب/13” جميع الالتزامات الائتمانية تجاه الممولين ومؤسسات الإقراض الحكومية المتخصصة، وأي التزامات أخرى مثل القروض من جهة العمل أو الأصدقاء والأقارب أو غيرها من التمويلات الأخرى!
وهي الالتزامات الائتمانية على المقترض التي كانت سابقا مستبعدة تماما من دراسة وتقييم وضع المتقدم بطلب الاقتراض.
كل هذا سيؤدي العمل بها بدءا من المرحلة الراهنة إلى تقليص حجم القروض بكل أنواعها “استهلاكية، عقارية” المحتمل الحصول عليها، ما سيترك آثارا عكسية لا يمكن تجاهلها على الإطلاق على أسعار العقار بالنسبة للقروض العقارية، التي أصبحت تواجه تقلّصا واضحا في القوة الإقراضية للأفراد الساعين إلى تملك مساكنهم، فعلى سبيل المثال هنا؛ قد تجد من يتجاوز دخله الشهري سقف 25 ألف ريال، يتم التعامل معه وفق قيود من يعد دخله تحت 15 ألف ريال فأقل، بعد العمل بفقرات المبادئ المشار إليها أعلاه.
ولا يقف الأمر عند ما تقدّم ذكره أعلاه، بل يسبقه وفقا لما نصّت عليه الفقرة “11” من الفصل الثالث من المبادئ الخاصة بكيفية التمويل المسؤول، وضرورة أن يعمل الممول على استخدام نماذج وأدوات مالية لقياس إمكانية تحمل الالتزامات الائتمانية الشهرية وما إذا كانت تلائم احتياجات وظروف العميل، وتقتضي دراسة وتقييم صافي الدخل الشهري المتاح للعميل، تأخذ في الاعتبار المصاريف الأساسية المعتادة لفئات العملاء؛ كمصاريف الأغذية والسكن “الإيجار” والخدمات، وأجور العمالة المنزلية، ومصاريف كل من التعليم والرعاية الطبية والنقل والاتصالات والتأمين للفرد، وأية تكاليف أو مصاريف مستقبلية متوقعة، التي بكل تأكيد سيؤدي اعتبارها إضافة إلى ما تقدّم ذكره أعلاه في تقييم القدرة الائتمانية للعميل، إلى خفض جزء كبير من القرض المحتمل الحصول عليه، ومنها بالتأكيد القروض العقارية، ما سينتقل أثره المباشر والكبير جدًا لإحداث مزيد من الضغوط على الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات، قياسًا على الانكماش الحقيقي والفعلي للمضخة الائتمانية اللازمة لتمويل شراء مختلف الأصول العقارية.
يعني باختصار شديد ما تقدّم ذكره، أنّ حجم القرض المحتمل أن يحصل عليه المقترض، سيتقلص على مرحلتين؛ الأولى: عند احتساب الدخل الذي بناء عليه يتم احتساب إجمالي القرض الممكن الحصول عليه، فقد يكون الدخل الشهري للمقترض على سبيل المثال 15 ألف ريال شهريًا، لكن بعد خصم الالتزامات والمصاريف الأساسية المعتادة وصل إلى صافي الدخل الشهري المتاح للمقترض، قد يستقر صافي الدخل المتاح للمقترض عند عشرة آلاف ريال! أي بانخفاض لا يقل عن 33.3 في المائة في حجم القرض المحتمل حصول المستفيد عليه. المرحلة الثانية: المتمثلة في ألا يتجاوز استقطاع أقساط السداد على المقترض ما نسبته 55 في المائة من إجمالي الدخل الشهري لمن دخله 15 ألف ريال فأقل، وهو المستوى من الدخل الشهري الذي يشكّل أغلبية المقترضين بأعلى من 90 في المائة منهم، وهي النسبة من الاستقطاع التي تقل عن نسبة الاستقطاع السابقة 65 في المائة، ما يعني انخفاض قيمة القسط المحتمل استقطاعه شهريًا من المقترض بنسبة 15.4 في المائة، حسب المثال أعلاه.
وبجمع أثر الانخفاض وفقا للمرحلتين أعلاه، سيصل الانخفاض في إجمالي القرض المحتمل للمقترض إلى مستويات تراوح بين 40 في المائة إلى 50 في المائة، أي ما يمثل نحو نصف القروض المحتمل نشؤها على المقترضين!
في الوقت الذي سيشكل كل ما تقدّم ذكره مزيدًا من إجراءات التحوّط لحماية القطاع التمويلي، ومزيدًا من إجراءات حماية أفراد المجتمع عموما من تحمّل أعباء قروض “استهلاكية، عقارية” عالية التكلفة على كاهلهم، وحمايتهم من تعقيد حياتهم المعيشية. المؤكد أن كل ذلك سيأتي بنتائج عكسية على أسعار السلع المعمرة، كالسيارات وأسعار الأراضي والعقارات، التي ستتأثر بالانخفاض نتيجة الانخفاض الكبير في الضخ الائتماني!
وهو الأمر الإيجابي بكل تأكيد، الذي سيدفع بمزيد من الضغوط اللازمة لكبح جماح التضخم الكبير في أسعار تلك السلع المعمرة والأراضي والعقارات.
بإضافة هذا العامل الضاغط الجديد والإيجابي جدا على أسعار الأراضي والعقارات، إلى بقية العوامل الأخرى الضاغطة منذ أكثر من عامين مضيًا “ارتفاع عروض بيع الأراضي والعقارات، ارتفاع أعداد الأراضي الخاضعة للتطوير والاستخدام نتيجة لتطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، استمرار ارتفاع معدلات الفائدة، استمرار إخلاء الوافدين وأسرهم للمساكن المستأجرة، استمرار انخفاض تكلفة الإيجارات، التطبيق الفعلي لشهادة الاستدامة على المساكن.. إلخ”، ستأتي انعكاسات تلك العوامل مجتمعة إيجابية جدا بمزيد من الضغوط السعرية على الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات، ما سيسهم بدوره في الأجلين القصير والمتوسط في الإسراع بحلول أزمة تملك المساكن، الذي يعد أحد أهم أهداف “رؤية المملكة 2030″، عدا نتائجه الإيجابية الأخرى التي من أهمها المساهمة في مزيد من خفض تكاليف المعيشة والإنتاج على أفراد المجتمع ومنشآت القطاع الخاص، من خلال مزيد من الانخفاض المرتقب على تكلفة الإيجارات عموما “سكني، وتجاري”.
نتذكّر جميعا الأثر الذي خلّفه إيقاف صرف البدلات لموظفي القطاع العام “أكتوبر 2016 – يونيو 2017″، الذي على الرغم من استمراره لأقل من ثمانية أشهر، إلا أنّه أدّى آنذاك إلى تسارع وتيرة انخفاض أسعار الأراضي والعقارات عموما بشكل ملموس! نتج عنه تصاعد نسبة الانخفاض في متوسط أسعار الأراضي السكنية خلال تلك الفترة إلى 12.4 في المائة خلال ثمانية أشهر فقط، عادت إلى التباطؤ بعد عودة صرف البدلات إلى نحو 7.5 في المائة خلال الأربعة أشهر التالية حتى تاريخه، وكذلك الحال بالنسبة للفلل السكنية، التي سجلت انخفاضا خلال فترة توقف صرف البدلات وصل إلى 14.1 في المائة، سرعان ما عاد إلى التباطؤ إلى 8.7 في المائة بعد عودة صرف البدلات حتى تاريخه.
ختاما؛ ستكون السوق العقارية المحلية على موعد مفصلي بالغ الأهمية بعد موسم الحج، بمشيئة الله تعالى، ستواجه من تاريخه وما سيليه مزيدا من الضغوط السعرية القوية، التي ستسهم – بإذن الله تعالى – في تحقيق مزيد من انخفاض الأسعار المتضخمة، الذي سينعكس إيجابا على الإسراع بحلول أزمة تملك المساكن لدى المواطنين، وهو الهدف المنشود من الجميع باستثناء قلة قليلة من المنتفعين حصرا من استدامة تضخم الأسعار، والاعتبار هنا بكل تأكيد يذهب بالكامل تجاه المصلحة العامّة للاقتصاد الوطني والمجتمع، دون النظر إلى أية اعتبارات أخرى لا وزن لها أمام مصلحة البلاد والعباد. والله ولي التوفيق.