بعد شروع الكثير من الدول – بما فيها المملكة – في العودة بشكل تدريجي وحذر، نحو ممارسة الحياة الطبيعية في مدنها، التي عانت من تداعيات جائحة كورونا، وجد سكان تلك المدن، الذين هجروا أماكنها العامة بضعة أشهر، تحدياً جديداً يقف أمامهم في رحلة العودة، ألا وهو صعوبة تطبيق استراتيجية التباعد البدني، كأحد الإجراءات الاحترازية، فأرصفة الشوارع التجارية، التي تتزاحم فيها أكتاف المشاة، يصعب بسبب ضيقها أن تحقق هذا التباعد، خلاف أن أرصفة تلك الشوارع، لا يخلو معظمها من عناصر تعيق الحركة. بل الأهم من ذلك كله، هو أن الرغبة في تطبيق إجراءات التباعد في الأماكن العامة، كشفت للجميع عن مقدار المساحة الضئيلة المتاحة للمشاة، مقابل المساحة الهائلة التي منحت بسخاء للسيارة.
إدراك هذا الواقع، جعل بعض مدن العالم، تبادر أثناء فترة منع التجول، وبقاء الناس في بيوتهم، إلى تحويل بعض الشوارع لتكون محاور حركة للمشاة، وتهيئتها مؤقتاً لهذا الغرض، وذلك في ظل الظروف الصحية الحالية لتلك المدن، لتضاف تلك الشوارع مرحلياً إلى حيز الأماكن العامة في المدينة، تتيح للناس الانتقال عبرها بأمان نحو وجهاتهم الأساسية، عوضاً عن اضطرارهم لاستخدام وسائل النقل العام، وتوظيف تلك الشوارع مسارات لممارسة رياضة المشي، وفراغات للاستمتاع بالهواء النقي.
رأينا ذلك في مدن دنفر ومينابوليس وسان فرانسيسكو وبوسطن في الولايات المتحدة الأميركية، التي قيدت حركة السيارات على شوارع مختارة بها، وأعطت الأولية فيها لمستخدمي الدراجات الهوائية وممارسي رياضة الجري والمشاة بوجه عام، وكذلك مدينة أوكلاند التي قامت بمبادرة أطلقت عليها الشوارع منخفضة الحركة (slow streets) شملت ما نسبته (10%) من شوارع المدينة، وجهت لذات الغرض.
كما ضمت أيضاً مدينة نيويورك التي طبقت برنامج أطلقت عليه الشوارع المفتوحة (open streets) لتحويل ما نسبته (2%) من شوارع المدينة وإلحاقها بالأماكن العامة في المدينة. وكذلك مدينة باريس في فرنسا التي قامت بتقليل مواقف السيارات الجانبية على بعض الشوارع من أجل زيادة عرض أرصفتها.
ومدينة ميلان في إيطاليا التي جعلت وسط المدينة مقصوراً على المشاة وراكبي الدراجات، ومدينة فيلينيوس في ليتوانيا التي أقفلت بعض الشوارع وخصصت أجزاء منها أماكن جلوس لزبائن ومرتادي المطاعم والمقاهي على جانبي تلك الشوارع، والقائمة ربما تطول.
مثل هذه المبادرات المعبرة عن العناية بالصحة العامة في ظرفنا الوبائي الحالي لا نرى لها صدى في مدننا..!
المصدر