تشهد سوق العقار ظاهرة غير صحية تهدد الثقة بالسوق، فقد وقفت شخصيا وسمعت من آخرين عددا واسعا من الحالات، التي يكون فيها المواطن أمام تحديات كبيرة وخيارات غير قابلة للمقارنة، فإذا صدرت موافقة وزارة الإسكان على الدعم السكني، فإن أمامه خيارات واسعة بين فلل وشقق من خلال شركات التطوير العقارية التي أهلتها وزارة الإسكان، ويجد المواطن نفسه أمام وعود وعقود “البيع على الخارطة”، وهنا -ومن خلال تجربة شخصية- يجد الخيارات محدودة جدا، والمواقع لم تزل تحت الإنشاء، رغم أن الأسعار رائعة مقارنة بالسوق العقارية في وسط المدن.
ويتيح نظام الدعم السكني إمكانية شراء وحدة جاهزة من السوق مباشرة من غير شركات التطوير، بمعنى أن المواطن يذهب للبحث عن عقار في وسط المدينة، أو في أي مكان يختاره، سواء كان جديدا أو مستعملا، لتبدأ معاناته مع المكاتب العقارية.
هنا وفي هذا الخيار بالذات تغيب هيئة العقار تماما، فالسوق غير منظمة تقريبا، ولا توجد منصة موثوقة لهذه العقارات الفردية “توجد منصة في وزارة الإسكان لشركات التطوير فقط وهي منصة عرض فقط”، وهناك مواقع إلكترونية تفتقد كثيرا من المصداقية، لا في السعر ولا في الموقع ولا في وكيل البيع، وعلى المواطن أن يذهب شرقا وغربا خلف هذه الإعلانات بلا جدوى، وتذهب الأيام وتتغير أسعار الفائدة، ولا توجد مصداقية في أي عرض، لا في السعر ولا في المحتوى، فالعقار الواحد معروض في أكثر من مكتب عقاري، وكل له سعر.
لذا، أكرر مناشدتي لهيئة العقار بتطوير منصة لهذه العقارات تشبه منصة “مساند” تماما، تكون ذات مصداقية عالية تربط العقار بمؤسسة عقارية واحدة “فقط”، وأن تقدم وصفا شاملا للعقار مع صور كافية ومسؤولية عالية.
هذه المطالبة ليست فقط لأن هناك مشكلات في العرض والمصداقية، بل لأن المشكلات في السوق العقارية “الأفراد”، أكثر تعقيدا مع انعدام الثقة تقريبا، فما أن يجد المواطن ذلك العقار الذي يناسبه حتى تبدأ لعبة طويلة ومزعجة، بين عبارة “ضع عربونك”، ثم نتصل بالمالك ونسأله، ثم يعود لك المكتب ليخبرك أن “السوم تعداك”..
هكذا هي لغتهم ببساطة في متوالية مجهولة ليست حتى هندسية، ثم بعد أن يستقر المضمار وتنتهي اللعبة، فإن المواطن يكون بحاجة إلى صورة الصك ومتطلبات البنك الذي سيقوم بالشراء نيابة عنه، وهنا تظهر منعطفات لا حصر لها، لكنها تصب في هدف واحد هو تضييق مساحة الوقت أمامه، ثم حجج واهية من نوع “لا بد أن يضمن المالك والمكتب حقيهما”، ولهذا عليك توقيع عقود بيع لا معنى لها في الحقيقة سوى تشريع عملية في غاية الظلم، وهو عربون قد يصل إلى 100 ألف ريال بشروط ووقت قصير يعرفون مسبقا أن البنك قد يتأخر عنها “معظم الشباب، ونظرا إلى نقص الخبرة يقعون في هذا الفخ”، فإذا لم تتمكن من إنهاء عملية الشراء خلال الوقت المحدد يتم مصادرة العربون. هكذا ببساطة تتم مصادرة 100 ألف ريال “وهكذا هي الحال من شاب إلى آخر يتربحون من العربون أكثر من ربح بيع العقار”، والتأخر في تنفيذ البيع ليس بيد المواطن عادة، بل إن البنك قد يكتشف أنه لم يكمل النماذج، أو التعريفات المنشودة، وهكذا كل يوم لهم شأن.
المهم أن الشاب المغلوب على أمره يرى وقت العربون ينفد يوما بعد يوم، حتى يجد نفسه ولم ينه البنك المعاملة، بينما قام البائع بسحب العربون. هكذا يذهب المنزل، ويضيع الحلم، ويخسر 100 ألف. لهذا، أكرر مطالبتي بمنصة مستقلة تشرف عليها هيئة العقار، هي التي تتولى وضع شروط محددة، وتحدد قيمة العربون، وتضمن السعي لصاحب المكتب العقاري المرخص له. منصة تشبه منصة “اعتماد”، لا أحد يحصل على المبالغ إلا بعد إنهاء البيع.
ومن صور الاحتيال التي يقع فيها المواطنون، أن يقوم البائع بعرض البيع في أكثر من مكتب أو منصة إلكترونية، وبأسعار مختلفة، ثم إذا تم دفع العربون هنا وتم توقيع العقد، ذهب مسرعا على المكتب الآخر الذي لديه مواطن آخر يرغب في العقار ليطلعه على العربون والعقد ويطالبه بدفع مبلغ أكبر، وهكذا يستغل جميع الأطراف من أجل تعظيم الأسعار ومزايدات غير معلنة ولا مقننة ولا شريفة، حتى يستقر له الأمر على من يريد ثم يقصي الآخرين بمجرد قوله “لن أبيع”، أو “بعت على غيركم”، أو “تعدتكم السومة”، أو غيرها من الألفاظ المشهورة عندهم، وأرجو ألا يعلق أحدهم بمثل مقولة، “لماذا لا يذهب المواطن إلى المحكمة”، فقد وقفت شخصيا على حالات يذهب المواطن إلى المحكمة، ويعود بحكم جواز بيع العربون، أنه لا حق له. فإذا قيل لا يوقع على عقد ولا يدفع عربونا حتى يتأكد من المصداقية، فإنني أقول “أفلح إن صدقوا”، لن ينظر إليه أحد منهم، ولن يجد ورقا ليذهب به إلى البنك حتى يوقع على الشيكات ويدفع العربون.
لكن السؤال الصحيح في هذا المقام هو، أين هيئة العقار مما يحصل من جريمة بيع العربون، وعبث مكاتب العقار بالناس وحلالهم؟، فكم من شاب وشابة ذهبوا ضحية هذا التلاعب بهم وبأعصابهم وآمالهم في منزل. كيف استطاع هؤلاء السماسرة استغلال دعم الدولة للسكن، والخيارات الكبيرة التي وفرتها في استغلال الناس وسرقتهم باسم جواز بيع العربون؟. كلي أمل أن يجد هذا المقال طريقة إلى هيئة العقار، وأن تعالج ما أفسده العقاريون في السوق، وفي أخلاقه وقواعده وأعرافه، بأن توفر منصة متكاملة تجمع الأطراف كافة، بدءا من العقار نفسه والبائع، وأن عقاره مسجل للبيع في وزارة الإسكان، ثم موافقة الوزارة على الدعم، ثم البنك المستشار، ثم المسوق العقارية، أو يتم دفع جميع المستحقات للمنصة، التي تضمن لكل ذي حق حقه تماما بلا عربون ولا استغلال.