لا أعتقد أن هناك قطاعًا تنمويًا مرّ بفترة مخاض وتحديات ومعوقات مثل ما مرت به السياحة السعودية التي خاضت تجربة تأسيس في غاية الصعوبة كونها ولدت في بيئة لم تكن السياحة فيها ذات أولوية وربما وصل الأمر لعدم الاعتراف بها أو قبولها كثقافة تنموية جديدة، إلا أنها استطاعت بعد هذه الرحلة المضنية أن تؤسس أرضًا صلبة لقطاع اقتصادي في غاية الأهمية يمكن الانطلاق منها إلى مستقبل واعد وأكثر إشراقًا.
تأكيد الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على تحويل المملكة إلى وجهة سياحية إقليمية وعالمية مهمة من منطلق الدور الذي ستقوم به الهيئة في تنظيم وتطوير صناعة السياحة بوصفها رافدًا رئيسًا للاقتصاد الوطني وأحد البدائل الأساسية عن النفط، وأبرز القطاعات الموفرة لفرص العمل» هو أمر يمكن الرهان عليه عطفًا على ما تمتلكه المملكة من ميز نسبية وتنافسية كبيرة.
كمتخصص في التخطيط العمراني أعتقد أن المشكلة الرئيسة تكمن في مستوى جاهزية المدن السعودية، لذلك فإن الخطوة الأهم لمستقبل صناعة السياحة في المملكة تتمثل في قناعتنا بأن السياحة ليست مسؤولية جهاز بعينه، بل هي مسؤولية مشتركة بين جميع القطاعات التنموية على مستوى المدن السعودية سواء الحكومية أو الخاصة بلا استثناء كونها تُعنى ببناء منظومة عمرانية متكاملة تشمل تطوير وتأهيل كافة الخدمات والمرافق وإدارتها وتشغيلها ومراقبتها بهدف الارتقاء بها وجعلها قادرة على استيعاب متطلبات السياحة وما يرتبط بها من تطبيقات.
التوجه العالمي في منظومة التنمية الحضرية يتجه إلى تقليص الدعم الحكومي المباشر للمدن وتحميلها مسؤولية إيجاد مصادر تمويل محلية تمكنها من الصرف على مشاريعها، وهذا بكل تأكيد سيدفع بها إلى الاعتماد بشكل رئيس على استثماراتها المحلية لتغطية تكاليف العقود الباهظة لأعمال الصيانة والتشغيل على الأقل، وسيحفزها على تجاوز الأسلوب النمطي في الاستثمار الذي كان منحصرًا في تأجير الأراضي والمرافق البلدية، إلى أبعاد استثمارية أخرى تُعنى بفلسفة اقتصادية تستثمر في مقومات هذه المدن، التي تأتي السياحة والتراث الحضاري في مقدمتها متى ما تم التعامل معها كصناعات منتجة وكبديل تنموي واقتصادي رئيس، وانعكس ذلك عمليًا داخل أروقة الإدارة العمرانية.
المدن السعودية بكافة إداراتها المحلية مطالبة اليوم بالعمل وفق عقلية تطوير أكثر احترافية لمسايرة التوجه الذي تقوده الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على مستوى المشاريع السياحية من خلال التركيز على تهيئة المناخ العام وتأهيله كحاضن مكاني لتجربة السائح المحلي والأجنبي، لقد آن الأوان للتخلي عن الأساليب التقليدية في نمط وأسلوب الإدارة العمرانية، والعمل على تبني نماذج جديدة لاقتصاديات المدن تكون أكثر قدرة على الذهاب بنا إلى المستقبل.