اعدت صحيفة الرياض تحيلاً اقتصادياً موسعاً عن أداء وزارة الإسكان وتحديات القضية الإسكانية بالمملكة جاء فيه:
اتسم التوجه الإستراتيجي للإسكان خلال السنوات الماضية بالاعتماد بشكل كامل على الدعم الحكومي للإسكان المتمثل في تخصيص مبلغ 250 مليار ريال فقط في تحقيق رؤية وزارة الإسكان المتمثلة في «تمكين جميع المواطنين من الحصول على مسكن مناسب» ومحاولة القيام بكافة الأدوار مباشرة من تخطيط وبناء وتمويل وإشراف وتشريع على حساب كافة القوى المؤثرة في سوق الإسكان من تمويل وتطوير وتخطيط وخلافه. وقد أدى ذلك الى عدم نجاح الإستراتيجية المتبعة وعدم تحقيق الرؤية وقد تسبب ذلك في «خلط» لدور وزارة الإسكان في تحقيق رؤيتها واستخدامات الدعم الحكومي الموجه للإسكان وأصبحنا لا نفرق بينهما ونضع كافة الحلول بناء على هذا «الخلط».
تنفيذ 175 ألف عقد تمويل عقاري في السوق «متغيرة» يترتب عليها زيادة القسط على المواطنين خلال الفترة المقبلة
أن أهم التحديات التي تواجه القضية الإسكانية حاليا، والتي لها ثلاث محاور رئيسية هو عدم وجود تناغم وتوافق لكل محور منها حيث يعمل كل منها بمعزل عن الآخر بل وقد يعمل في الإتجاه المعاكس في بعض الأحيان وحتى نتمكن من فهم القضية الإسكانية بشكل أفضل لابد لنا من شرح كيفية عمل كل محور وكيفية تحقيق التناغم والتوافق بين هذه المحاور للوصول للنتيجة المرجوة المتمثلة حاليا في الاستخدام الأمثل للموارد المالية المتاحة في زيادة نسبة تملك المواطنين لمساكنهم وتحقيق رؤية «تمكين جميع المواطنين من الحصول على مسكن مناسب».
وهذه المحاور المهمة هي: وزارة الإسكان والدعم الحكومي والتمويل العقاري والمعروض السكني.
التمويل العقاري
يتردد في الآونة الأخيرة بشكل مكثف أن التمويل العقاري هو المعضلة الرئيسية في قضية الإسكان وقد يكون السبب في ذلك تطبيق أنظمة التمويل العقاري والتي من ضمنها إقرار مبلغ الدفعة المقدمة منذ نوفمبر من العام 2014م مما حد من قدرة العديد من الأفراد في شراء عقارات باستخدام التمويل العقاري بشكل كبير خلال العشرة أشهر الماضية وقد بلغت نسبة انخفاض نمو التمويل العقاري خلال الستة أشهر الأولى من العام 2015م حوالي 70% مقارنة بنفس الفترة من العام 2014م وهذا ما توضحه بيانات مؤسسة النقد المنشورة.
* ولكن هل هذا هو السبب في عدم حلحلة قضية الإسكان خلال السنوات الماضية؟
– الإجابة من واقع خبرتنا في سوق التمويل العقاري والتي تصل لحوالي ثمان سنوات هي «لا» بدليل أن التمويل العقاري لم يساهم بشكل كبير في حل مشكلة الإسكان خلال الخمس سنوات التي سبقت تطبيق الأنظمة وإنما ساهم في زيادة القدرة الشرائية لمتوسطي الدخل والتي نتج عنها ارتفاع في أسعار العقارات خلال الفترة الممتدة من العام 2009-2014م وهي الفترة الذهبية للتمويل العقاري بالسوق السعودي والتي بلغ عدد عقود التمويل العقاري فيها لكافة جهات التمويل (بنوك وشركات تمويل) بنهاية العام 2014م حوالي 174 الف عقد تمويل عقاري مقارنة ب16 الف عقد تمويل عقاري بنهاية العام 2009م.
الحلول التي يحتاجها قطاع التمويل العقاري في المرحلة الحالية
1- تخفيض تكلفة التمويل: المقصود بتكلفة التمويل هو التكلفة الإضافية التي يتحملها الأفراد نتيجة حصولهم على تمويل لشراء مسكن وتقسيطه لفترة زمنية معينة.
2 – برنامج دعم الدفعة المقدمة
تستطيع وزارة الإسكان ولفترة مؤقتة (عامين مثلا) تقديم ضمان لجزء من الدفعة المقدمة بالتنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي في حدود معينة (مثلا بحد أقصى شراء عقار بمبلغ مليون ريال) للراغبين في شراء مساكن عن طريق التمويل العقاري من البنوك وشركات التمويل.
3 – تكلفة التمويل المتغيرة والثابتة
معظم العقود التي تم تنفيذها خلال الفترة الماضية والتي بلغت أكثر من 175 الف عقد تمويل عقاري في السوق السعودي هي عقود متغيرة تكاليف التمويل حيث سيتم زيادة القسط على المواطنين خلال الفترة المقبلة نتيجة رفع الفدرالي الأمريكي المتوقع لتكاليف التمويل وبالتالي زيادة تكاليف التمويل بالمملكة نتيجة لإرتباط الريال بالدولار وإنعكاس ذلك على أقساط العملاء الحاليين أو الراغبين في شراء مساكن في المستقبل القريب مما يحد من القدرة الشرائية لهم وقد يساهم في زيادة فاتورة الدعم الحكومي من خلال التطبيقات الواردة في هذه الدراسة.
أهم العناصر المؤثرة في أسعار تكلفة التمويل في السوق
أ- توفير مصادر التمويل طويلة الأجل
ب- مخاطر سرعة استعادة العقار في حالات التعثر
ج- مخاطر سلامة الإنشاءات في العقارات الممولة
د- تكاليف الزكاة وطريقة احتساب الزكاة على محفظة التمويل العقاري
وزارة الإسكان: الدعم الحكومي
أهم نقطة لم يتم تداولها وإتخاذ قرار نهائي بشأنها خلال السنوات الماضية هي تحديد مستحقي الدعم السكني الأشد إحتياجا والتركيز عليهم، فقد تركزت الجهود خلال الفترة الماضية لوضع آلية لأولوية الاستحقاق بشكل تفصيلي بينما تم وضع معايير متساهلة لإستحقاق الدعم حسب مرئياتنا (وقد يكون ذلك نتيجة الرغبة في تحقيق الرؤية في مساعدة جميع المواطنين في تملك مساكنهم)، ولابد من التركيز على أن الدعم الحكومي للإسكان يعتبر حقا أساسيا لغير المقتدرين ماليا ولا يمكن الاستمرار في استنزاف الموارد المالية المحدودة لدعم الإسكان لفئات قد تكون ترغب في تحقيق أقصى استفادة ممكنة ويكون ذلك على حساب الفئات الأشد احتياجا بدليل أننا بعد حوالي ثمان سنوات لم نحقق كثيرا في مجال الإسكان نتيجة الرغبة في دعم كافة الشرائح وتحديد معايير لم تؤدي الى تركيز الدعم فقط في الفئات الأشد احتياجا ومحاولة إيجاد حل سحري يناسب الجميع وإرضاء كافة الفئات.
تكاليف برنامج الدعم السكني المتوقعة
تم نشر إحصائيات لوزارة الإسكان خلال العام 2015م توضح توزيع الدخل لمستحقي الدعم ويمكن إحتساب التكلفة المتوقعة لبرنامج الدعم المقترح وبحساب مقدار الدعم لمتوسط الدخل لكل شريحة وبإفتراض دعم كامل فوري للشريحة أقل من 3000 ريال بمتوسط دعم 375 الف ريال وبافتراض استمرار الدعم بمتوسط عشر سنوات حيث أن الدخل لكافة الشرائح من المتوقع زيادته في الظروف الطبيعية وبالتالي انخفاض الدعم حتى يتلاشي كليا عند الوصول لنسبة معينة من الدخل في حدود 15 الف ريال بالشهر نجد أن إجمالي تكاليف الدعم المتوقع يكون في حدود 130 مليار ريال على مدى عشر سنوات وهي الفترة المتوقعة للدعم مع ملاحظة أن الدعم قد يكون أكبر في السنوات الأولى نتيجة توفير دعم كامل لشريحة الدخل أقل من 3000 ريال بمتوسط حوالي 25 مليار ريال بينما بقية الدعم لباقي الشرائح سيكون بمتوسط 11 مليار ريال سنويا. أما في حالة استمرار الدعم لمدة 15 عاما فإن التكلفة ستستمر أيضا بمتوسط 11 مليار سنويا ولكن لمدة 15 عاما، وكذلك في حال استمرار الدعم 20 عاما فإن التكلفة ستستمر أيضا بمتوسط 11 مليار سنويا ولكن لمدة 20 عاما.
النتائج المأمولة من هذه البرامج
– تركيز الدعم الحكومي نحو الفئات الأشد احتياجا وأصحاب الدخل الأقل والمتوسط.
– القضاء على مخاطر عدم السداد التي يواجهها حاليا صندوق التنمية العقاري والتي من المتوقع أن تواجهها وزارة الإسكان في المستقبل ناهيك عن تكاليف إدارة مثل هذه البرامج الضخمة، حيث أن التمويل من قبل البنوك وشركات التمويل يتم حسب شروطهم في المنح.
– دفع نسب الإعانة للقروض التي يقوم أصحابها بالسداد على دفعات شهرية منتظمة.
– الاستفادة القصوى من الموارد المالية بأحد عشر مليار ريال كمتوسط تكاليف الدعم السنوية بدلاً من إستهلاك المخصص في تمويل فوري لكافة الشرائح دون تحقيق الإستفادة القصوى.
تحوّل السوق المتوقعة
* عوضًا عن أن تقوم خيارات التمويل المتاحة حاليا بتقديم تسهيلات تتناسب مع أسعار المنازل المتوفرة، فإن طريقة الدعم الحكومي الجديد سيساهم بتحويل توجه الأفراد والمطورين العقاريين ليقوموا بتوفير حلول سكنيّة مبتكرة بأسعار مقبولة.
* ستدفع زيادة فرص الحصول على التمويل بالنسبة لفئات الدخل الأقل من المتوسط وزيادة قدرتهم الشرائية نتيجة الدعم الحكومي، وتوفير تمويل للتطوير العقاري للسكن الإقتصادي، المطورين العقاريين على العمل بجديّة لتلبية طلب السوق وتوفيرالإسكان المناسب.
* تركيز موارد وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقاري على شريحة أقل من المتقدمين غير المؤهلين من قبل جهات التمويل في الحصول على قرض بموجب هذا البرنامج الجديد حسب اشتراطاتهم ووضع خطة مع وزارة الشؤون الإجتماعية والجهات المعنية لمنح مساكن دون مقابل أو المساعدة في دفعات الإيجار لبعض الفئات الأشد إحتياجا وفقا لمعايير معينة.
* زيادة المعروض السكني في فترة زمنية أقل وتحقيق توازن بين العرض والطلب وبالتالي إستقرار أسعار الوحدات السكنية وتوفير الحوافز والدعم للمطورين والأفراد للحصول على وحدات سكنية مناسبة لمستوى الدخل والإمكانات الحالية.
* التوسع في حلول الإسكان وعدم التقيد بنموذج واحد فقط خصوصا عندما يكون هذا النموذج مقيد للحرية والإبداع لدى المطورين العقاريين علي سبيل المثال.