
العشوائيات تمثل أحياء شعبية داخل المدن تم بناؤها منذ عقود طويلة قبل أن يطالها التخطيط العمراني الحديث، وتفتقر معظم مساكنها للكثير من الخدمات الرئيسة -والأهم- لوسائل السلامة الضرورية، وقد يكون البعض من هذه المساكن آيلا للسقوط لافتقارها للمنهج العلمي للبناء، بسبب قيام مالكيها بتشييدها على عجل بعيدا عن أعين الجهات البلدية المختصة، أزمة العشوائيات هي بمثابة حلقة تالية ومتممة لمقال الأسبوع السابق الذي تناولت فيه مشكلة الإسكان في المملكة، فالعشوائيات تنتشر وتتأزم معالجتها بسبب عدم وجود المساكن البديلة لذوي الدخل المحدود، فهي نتاج لأزمة الإسكان وليس العكس، ومن المؤكد أن هذه العشوائيات تؤرق المسؤولين بالدولة لأسباب كثيرة تأتي في مقدمتها الأسباب الأمنية، ففي مثل هذه الأحياء يتوارى الخارجون على القانون ويصعب تتبعهم بسبب الكثافة السكانية وبسبب مراعاة الدولة لحرمة القاطنين وعدم الرغبة في اقتحام هذه المنازل بشكل عشوائي للبحث عن المطلوبين أمنيا، ومن هنا أصبح هذا النوع من المساكن مرشحا لأن يكون بؤرا للإرهاب أو الفساد التي تتزايد مع مرور الزمن.
ومن ناحية أخرى يفتقر القاطنون في تلك العشوائيات إلى الأمان بسبب عدم وجود حلول جذرية، فالكثير من الملاك لا يملكون صكوكا نظامية بل ما يسمى بالوثيقة، أضف إلى ذلك افتقارها لوسائل السلامة ووعورة وضيق طرقها التي قد تمنع مركبات الدفاع المدني أو الشرطة من الوصول إلى هدفها في حال حدوث حرائق أو جرائم لا قدر الله، وأذكر ذات مرة أنني كنت أقود سيارتي داخل إحدى هذه المناطق العشوائية رغبة مني في اختصار الطريق وهربا من ازدحام الشوارع الرئيسة، وتزامن ذلك صدفة مع وجود الكثير من عربات الإطفاء التي كانت تدوي صفارتها في المنطقة، حيث كان هناك حريق مروع امتد من منزل لآخر، وبسبب ضيق الشوارع وتلاصق مبانيها استشرت النيران داخلها سريعا، كانت عربات الإطفاء والحماية المدنية عاجزة عن اختراق الطرق الضيقة للوصول لمصدر الحريق لإطفائه، وتم الاستعانة وقتها بقوات الإطفاء الجوية وطائرات الهليكوبتر لإنقاذ أرواح المواطنين الأبرياء.
ملف العشوائيات لا يحتمل التأخير ولا حتى التفكير، فمن المهم جدا أن نخرج ملف العشوائيات من الأدراج ونضعه على طاولة الحلول، من جهة أخرى تعتبر العشوائيات أحد الملفات الحساسة التي يجب التعامل معها بغاية الحذر؛ لأنه يمس البنية المجتمعية لفئة كبيرة من فئات المجتمع، ولعل الحل يبدأ من تشخيص المشكلة أولا وتصنيف أصحاب هذه العشوائيات، ولو تمعنا في الأمر فسنجد أن ملاك هذه العشوائيات يصنفون لثلاثة أقسام: القسم الأول -والذي يمثل غالبيتهم- هم الملاك غير المقيمين، ممن يقومون بتأجير عقاراتهم للغير وخاصة لغير السعوديين، والقسم الثاني هم من يستثمرون في هذه العقارات، ممن يملك غالبيتهم وثائق وليس صكوكا ملكية، حيث يقومون بشرائها وعندما يرتفع ثمنها يقومون ببيعها، أما النوع الثالث وعددهم محدود فهم المواطنون المقيمون في هذه المساكن، وعددهم أقل من القسمين السابقين.
من الممكن أن تبدأ الدولة في التعامل مع الملاك طبقا للتصنيف السابق، بحيث تعطى الأولوية للمواطنين الساكنين في هذه العشوائيات -وهؤلاء عددهم محدود- ويمكن للدولة منحهم قطع أراضٍ سكنية مع منحهم الأولوية في قروض صندوق التنمية العقارية، أما الملاك الذين يقومون بالتأجير أو المسثمرون يمكن للدولة تعويضهم تعويضا عادلا غير مبالغ فيه، لأن مثل هؤلاء هدفهم استثماري في المقام الأول، ولكون هذا الملف شائك للغاية يجب أن نضع نصب أعيننا عدة ملاحظات، أهمها أن التخلص من العشوائيات في مرحلة واحدة أمر في غاية الصعوبة، ولهذا فعلينا أن نتعامل معه من منطلق ما لا يدرك كله لا يترك جله، فمن المؤكد أن بعض سكان العشوائيات سيرفض إخلاءها، وفي المقابل سنجد أن هناك البعض الآخر ممن سيتجاوب ويخرج منها، لذلك فالعبرة ليست بالنجاح المطلق وخروج جميع سكان العشوائيات دفعة واحدة، ولكن العبرة بالمدى الذي سوف ننجح من خلاله في إخلائها وتفكيكها، وأخيرا وليس آخرا، يجب التعامل مع هذا الملف دون روتين ولا بيروقراطية، يجب أن يكون هناك اختلاف نوعي في طريقة التعامل مع القضايا التي قد تهدد الأمن القومي بمعناه الواسع للمجتمع بأكمله، فلا وقت للتهاون ولا للتغافل ولا لالتماس الأعذار، وعلينا أن نواجه الخطر من منبعه ونستأصل الشر من جذوره.