على رغم البون الشاسع بين نمط الحياة في قرية صغيرة، في إحدى مناطق المملكة العربية السعودية، ومدينة صاخبة مترامية الأطراف تسهر حتى الصباح مثل الرياض، تجمع ظروف متشابهة شباباً عازبين وتتفاوت بين استكمال دراسة المرحلة الجامعية، أو وظيفة تفرض عليهم العيش في الرياض بعيداً من الأهل والأصدقاء الذين اعتادوا لقاءهم يومياً. وأجبرهم نمط الحياة الجديد على البحث عن متنفس لهم، وتكوين صداقات يلجأون إليها لقضاء أوقات الفراغ، والمساعدة متى دعت الحاجة.
العازبون الوافدون إلى المدن الكبيرة، يعيشون بين حنين للأهل والأصدقاء، وبين تيه وحيرة في مدينة تكاد تكون غامضة وموحشة بالنسبة إليهم في البداية، ما يجعل الخيار الوحيد للتعايش مع هذا الواقع تشارك السكن مثلاً والبحث عن صداقات جديدة ومتينة تعوضهم غياب العائلة، وقد تصبح لاحقاً سبباً في تغيير مسار حياتهم فيجدون أنفسهم عاشقين لهذا النمط الجديد من الحياة، ولا يستطيعون العودة إلى بساطة المناطق الريفية.
يقول عبدالله آل سعد الذي انتقل إلى الرياض لمتابعة دراسته في إحدى جامعاتها أنه أضطر للإقامة في سكن الجامعة، لأنه لا يعرف أحداً في المدينة، فمرت عليه الأيام الأولى وحيداً، حتى بدأ تكوين صداقات جديدة مع زملاء الدراسة.
ويشير إلى أن أبرز المشاكل التي واجهها هي الاختلاف في العادات بينه وبين عدد من زملائه، لا سيما القادمين من المدن, إضافة إلى شوقه لرفاق الطفولة في القرية الصغيرة، وحنينه إلى أسرته على رغم انه بدأ يتعايش تدريجياً مع واقع حياته الجديد. فهو بدأ يجد بعض التسلية مع أصدقاء جدد خلال التسامر في سكن الجامعة، أو يقضي الوقت في لعبته المفضلة كرة القدم، أو الألعاب الإلكترونية.
ومع الوقت بدأ يفضل البقاء في الرياض خلال العطل الأسبوعية والفصلية وإقامة نشاطات مع أصدقائه الجدد عوضاً عن السفر إلى القرية، مؤكداً أن نمط حياته تغير واهتماماته بدأت تختلف جذرياً عما كانته سابقاً.
تكوين الصداقات الجديدة في المدن ليس بالأمر الصعب خصوصاً إن كان هناك قاسم مشترك بين أفراد المجموعة. تلك هي قصة ثامر وماهر وعلي وزملائهم الذين جمعتهم قبل سنوات عدة لعبة إلكترونية تسمى «الواو». فعلى رغم سكنهم مع أسرهم في الرياض، إلا أن هذه اللعبة استحوذت على جل أوقات فراغهم، إذ يستغرقهم اللعب فيها أكثر من الـ 10 ساعات أحياناً إلى أن انتهى بهم المطاف أصدقاء يجتمعون بشكل شبه يومي، في إحدى الاستراحات أو الشقق في الرياض.
ويذكر محمد إبراهيم الذي قَدِم من مصر إلى الرياض للعمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، أنه بعد تغييرات عدة في مقر سكنه، استقر في شقة تضم معه ثمانية أشخاص من 3 جنسيات مختلفة، ومواطناً سعودياً. وعلى رغم اختلاف اهتماماتهم ومجالات أعمالهم، إلا أنهم منذ ما يقارب الثمانية أشهر، يجتمعون حول طاولة واحدة لتناول الوجبات الرئيسية متى سمحت الظروف وأوقات العمل. ويتوزع الشباب مهمات المنزل بكل تفاهم على رغم الاختلافات على أشياء تتعلق بما حمله كل منهم من موروث عائلي واجتماعي وثقافي. ولئن كانت تلك الاختلافات لا تصل إلى مستوى الخلاف والقطيعة، فهي تتمحور غالباً حول مسائل التنظيف، أو تشغيل جهاز التكييف وإطفائه، أو متابعة مباراة لكرة القدم أو فيلم سينمائي، وإن حدثت أزمة عابرة بين اثنين منهم بادر البقية لاحتوائها.
ويضيف إبراهيم أن أحد زملائه في العمل أرشده إلى هذه المجموعة التي تتفاوت مدة سكن أفرادها في الشقة بين من مكث أكثر من ست سنوات، ووافد جديد لم يتجاوز الأشهر القليلة. وأشار الشاب إلى أن تعدد اهتمام شركاء السكن يساعدهم في التكيف فهناك من يعمل في مجال الترجمة وآخر في التسويق، وثالث مهووس بالموسيقى وهناك المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي، أو خبير التقنية، ما يجعلهم مكملين لبعضهم بعضاً.