المحتكر العقاري كائن بشري يعيش بين ظهرانينا، له يدان وعينان، يأكل ويشرب، ينام ويصحو، يكره لكنه لا يحب أبداً أبداً، يمتاز بروح جامحة في الجشع، ورغبة كاسحة في التملك والاستحواذ، مثال صارخ للانتهازية والوصولية، يتاجر بالمال والأخلاق وحتى الإنسان، يتواجد في أحيائنا وبيوتنا وحقائب أطفالنا، يتغلغل في علاقاتنا الأسرية والاجتماعية والإنسانية، ليفسدها ويطفئ دفئها، الكثير من حالات الطلاق والتمزق الأسري على إثر حالات شجار حادة بين زوجين كان خلفها محتكر جشع، ففي ليلة مشؤومة، يشتد النقاش بين أبو صالح وأم صالح، يعلو صوتهما حتى يكاد أن يضربها من شدة الانفعال، لولا أن هرع صالح وحال بينه وبين أمه: «يا يبه لا تضرب أمي» تستغرب أم صالح: «تبي تضربني يبو صالح بعد ها العمر الطويل!» يتراجع أبو صالح، يجلس على الكنبة بما يشبه الارتطام، يطلق زفرة عميقة: «قاتل الله الظروف، ومن تسبب بهذه الظروف»، تلك لقطة مباشرة وحيَّة لما يجري في كواليسنا، وداخل بيوتنا الغامضة والمغلقة، وعادة ما ينشب هذا الشجار الأسري حول أمور الحياة ومقتنياتها الضرورية، كالملبس والمأكل والمشرب، فغلاء المساكن على سبيل المثال، وارتفاع قيمة الإيجارات المضطرد، وعدم قدرة الأسرة على مواكبتها والإيفاء بمتطلباتها، جعل الأسرة تجنح إلى التقشف الحاد مما قد يؤثر على احتياجات أفراد الأسرة، فينشب الخلاف بين الأب والابن حول توفير المستلزمات المدرسية، وبين الأب والأم حول مشتريات البيت التموينية، فتنشأ على إثرها العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية العميقة، التي تؤثر تأثيراً بالغاً على المجتمع، بكل شرائحه وأطيافه، وخاصة الطبقة المتوسطة، باعتبارها الطبقة التي تثري المجتمعات والشعوب بالعمال، والكتَّاب، والفنَّانين، والصنائعيين، والمهنيين، والمدرسين، والمهندسين، والباعة، والكادحين، هذه الطبقة هي العمود الفقري والركيزة الأساسية التي تنهض على أكتافها الشعوب، والأمم الحية والمنتجة والفاعلة في رسم المستقبل، والعبور بالمجتمعات نحو آفاق رحبة، فأي هدم لهذه الطبقة هو هدم للمجتمعات، ونكوص خطير في وعيها وتقدمها وتطورها، إن إشباع الغايات والرغبات الموضوعية والمشروعة، من شأنه أن يعزز انتماء الفرد بالمكان، وعندما يتعزز الانتماء، فإن الفرد ينتج بأقصى طاقاته، ويبدع بأقصى ملكاته.
الجميع يتذكر الصندوق العقاري بالجميل والعرفان، ويحن إلى تلك العلاقة الودية المتبادلة بين الصندوق العقاري والمستفيدين منه، لتأتي بعض البنوك المحلية وتعصف بهذا الود وهذه العلاقة.