أكد عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء، أن رسوم الأراضي البيضاء التي أقرتها الجهات المعنية تعد زكاة عن تلك الأراضي، ومن حق ولي الأمر استعادة هذه الأراضي حال امتناع أصحابها عن إحيائها.
وقال المنيع في توضيحه لهذا الأمر النص التالي:_
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد صدر من ولي الأمر – حفظه الله – قرار بأخذ رسوم على الأراضي البيضاء المملوكة لأشخاص احتكروها ومنعوا منها الانتفاع بها من مساكن أو محال تجارية أو نحو ذلك من مجالات الانتفاع، والغالب الأغلب أنَّ هذه الأراضي مهيأة للتجارة واحتكارها انتظارها لزيادة أسعارها وهي بوضعها الحالي الأغلب أنَّها لا تزكى فولي الأمر -حفظه الله- اعتبرها بوضعها الاحتكاري مشكلة من مشاكل إعمار الأرض وتوفير مساكن للمواطنين المتزايد عددهم وتناسلهم، فاتجه -حفظه الله- إلى تقرير الرسوم عليها سنويًا ما دامت بوضعها الاحتكاري، وقد كان لي رأي في اعتبار هذه الرسوم زكاة هذه الأراضي، وذكرته في إحدى وسائل النشر، وكان من بعض إخواني تردد في قبول هذا الرأي قد يصل من بعضهم إلى الاعتراض، ونظرًا إلى أنَّ هذه مسألة من مسائل الاجتهاد، إذ ليس فيها نص صريح من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحيث إنَّ هذا الرأي مني يحتاج إلى المزيد من تبريره وتوجيهه، فقد رأيت أن من وجاهته، ذكر مبررات القول به فأقول وبالله التوفيق :
1 – من المعلوم أن الأغلب على هذه الأراضي أنَّها أموال معدة للتجارة فهي عروض تجارة تجب زكاتها كل عام ربع عشر قيمتها أي بنسبة 2.5 ٪ من مبلغ قيمتها وقت حلول الحول عليها.
2 – يجب دفع الزكاة الواجبة على المسلم إلى ولي الأمر إذا طلبها أو طلب بعضها وتبرأ ذمة المزكي بدفعها لولي الأمر براءة كاملة .
3 – ولي الأمر طلب هذا المقدار 2.5 ٪ من قيمة هذه الأراضي كل عام مادامت على وضعها الاحتكاري، ولغرض المتاجرة بها. وكون ولي الأمر سماها رسمًا فإن التسميات لا تغير من واقع المسميات فهي زكاة وإن سميت رسمًا إذ لا مبرر لأخذها رسمًا. وأخذها من قبل ولي الأمر زكاة معتبر وجائز شرعًا .
4- من المعلوم أن ولاة أمورنا من عهد موحد الجزيرة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وامتدادًا إلى عهود أبنائه ملوك هذه البلاد من بعده رحمهم الله لم يقرروا على مواطنيهم رسومًا ليس لها مقابل وكانوا يتابعون كل عام أخذ الزكاة على الأموال الظاهرة (الحبوب والثمار وبهائم الأنعام) ولاشك أن هذه الأراضي من الأموال الظاهرة فأخذ ولي الأمر زكاتها أخذ بالمقتضى الشرعي في مسؤولية ولي الأمر عن جباية الزكاة على الأموال الظاهرة . ويعد مسلكًا سليمًا وجزءًا من مسؤوليته الحاكمية .
٥- كون ولي الأمر قدر ما يأخذه على هذه الأراضي بمقدار الزكاة الواجبة عليها كل عام يدل على أن ما يأخذه زكاةً وإن سمي رسمًا . ولاسيما وأخذ هذا الرسم يتكرر بتكرر الحول على تملكها كحال الزكاة مقدارًا وزمنًا .
٦- كون هذا التصرف من ولي الأمر قد عالج مشكلة من مشاكل المسؤولية العامة وهذه المعالجة تعالج بمثل هذه الرسوم لا يعني أن المشاكل تعالج بقرارات ومبادرات من ولي الأمر لا استناد لها إلا أم الاختراع – الحاجة أم الاختراع -فهذه المشكلة التي دفعت ولي الأمر إلى هذه القرارات علاجها الزكاة وقد أخذ ولي الأمر بمقتضاها فكانت نعم العلاج .
٧ – حينما نقول إن هذا الرسم زكاة هذه الأراضي وندفع عن أهلها الثنيا في الزكاة فإن المطالبين بهذه الرسوم يسارعون في تقديمها لولي الأمر ولا يحتاج ولي الأمر إلى إجراءات تتبع وفرض عقوبات . فهذا مقدار الرسم وإن كان باسم رسم فهو حق وواجب عليها قبل فرض هذه الرسوم . وتقديمها لولي الأمر خير لهم من مباشرتهم توزيعها.
٨- حينما نقول إن هذه الرسوم زكاة هذه الأراضي ندفع عن ولي الأمر المسؤولية أمام الله في فرض ضرائب على هذه الأراضي من دون مقابل خدمة لها . فالرسوم أو الضرائب إذا كانت في غير مقابل خدمة لمحل الضرائب تكون مظالم ويكون مصدرها مسؤولاً عن الأضرار اللاحقة بها وبأهلها . فاعتبارها زكاة يبرئ ولي الأمر من آثار أضرارها وهي رسوم – ضرائب – .
٩- يؤيد أن الزكاة ملحوظة في فرضها وتحديد مقدارها – أعني الرسوم – إن ولي الأمر لاحظ في قراره مجموعة من أنواع هذه الأراضي وأعفاها من هذه الرسوم لاحتمال أنها أراضٍ ليست أموالاً زكوية إذ الغالب أنها مقصود بها الانتفاع الشخصي كمساكن واستراحات ومستودعات ومزارع ونحو ذلك من الاستغلالات المراد بها الانتفاع دون المتاجرة. ووكل أمرها إلى أهلها وعليهم تقع مسؤوليتها. كما لاحظ في تقريره مقدار الرسم المقدار الواجب عليها وهي زكاة وهو ٢,٥ ٪ من قيمتها وقت حلول الحول عليها وذلك كل عام. وهذا هو الحكم الشرعي في زكاة الأموال الزكوية . وقد يعترض على القول إن هذا الرسم هو زكاتها بالقول إنه يمكن أن نمدَّ هذا القول إلى الرسوم على الأموال المستوردة -الجمارك – ونعد ما يدفع رسومًا هو من مستحقات الزكاة . والرد على هذا القياس أنه قياس غير صحيح. فالرسم الجمركي لا تعلق له بالزمن ولا بمقدار الزكاة ولا بنية التجارة في تملكه . وإنما الأصل في الرسم الجمركي حماية الإنتاج المحلي من المنافسة الخارجية في التسويق . وقد يوجد أكثر من سبب لذلك. إلا أننا لا نستطيع أن نجد سببًا من أسباب قانونية الرسم الجمركي ينطبق على مشروعية الرسم على الأراضي . وأما الرسوم الأخرى التي تتقاضاها الدولة كرسوم الرخص ونحوها فهي رسوم في مقابلة خدمات تقدمها الدولة لمواطنيها . وليست هذه الرسوم متكررة بتكرر الزمن ولا مُقدرة بمقادير الزكاة. وليس في أمر ولي الأمر بخصوص الرسم على الأراضي نصٌ صريح أو إشارة أو تلميح إلا أن هذا الرسم ليس زكاة هذه الأراضي . وحينما نقارن بين هذا الرسم – رسم الأراضي- وبين الرسوم الأخرى نجد أن كل رسم من الرسوم الأخرى له مبرر أخذه. إما أن يكون في مقابلة حماية الاقتصاد الوطني من المنافسة كالرسوم الجمركية . أو أن يكون في مقابل خدمة تقدمها الإدارات الحكومية كالرخص للمهن أو الإنشاءات أو الامتيازات أو نحو ذلك . أو أن يكون عقوبات مخالفات نظامية .
أما الأراضي المملوكة لأصحابها فليس لأخذ الرسوم عليها مبررٌ غير زكاتها وحق ولي الأمر في أخذ زكاتها وارد . فلم يكن من ملاكها مخالفات نظامية حتى يقال إن الرسوم على الأراضي عقوبة مخالفات، ولم تقدم الدولة لهذه الأراضي خدمات حتى يقال إن هذه الرسوم في مقابلة خدمات، فليس أمامنا في تكييف هذه الرسوم إلا إن نقول إنها زكاة هذه الأراضي، وحينما نقول إن هذه الرسوم زكاة هذه الأراضي نرفع عن ولي الأمر صفة ظلم أهلها، ونعينُ ملاكها على سرعة الاستجابة لأمر ولي الأمر في أخذها، ونبتعد عن الأخذ بالمخالفة الشرعية – لا ثنيا في الزكاة إلى غير ذلك من فوائد هذا القول الرسوم زكاة الأراضي .
وقد يورد على هذا القول إيراد آخر مفاده أن القول إن هذه الرسوم هي زكاة هذه الأراضي يهون من إيجابية اعتبارها رسومًا لا زكاة. ويبقى الإشكال أو غالبه قائمًا . وتبقى مشكلة احتكار الأراضي قائمة إذا قلنا إن الرسم المفروض عليها الآن هو زكاتها الواجبة عليها قبل فرض الرسوم، والمفروض أنهم كانوا يدفعونها فلا إشكال على ملاك هذه الأراضي بين مباشرتهم دفع الزكاة إلى مستحقيها وبين دفعها لولي الأمر . وولي الأمر – حفظه الله – يريد من فرض هذه الرسوم معالجة احتكار هذه الأراضي . وهذا القول لا يعالجها. والجواب عن هذا الإيراد هو أن احتكار الأراضي ومنع إعمارها بالزراعة أو البناء علاجه ما ذكره مجموعة من أهل العلم أن التملك لا يحصل إلا بالإحياء الشرعي . وإقطاع الأراضي دون إحيائها يعد تحجيرًا لا إحياءً . فلولي الأمر أن يعطي أصحاب هذه الأراضي مهلة لإعمارها وفي حال انقضاء المهلة دون إحيائها يستعيدها ولي الأمر باعتبارها أراضي سبق تحجيرها وعجز أصحابها عن إعمارها. ولنا في الأخذ بهذا القول مستند شرعي . فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع أحد أصحابه ارض معدن ملح في جنوب مكة المكرمة ولم يقم صاحبها باستغلالها. فاسترجعها عمر رضي الله عنه باعتبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه إياها على سبيل التحجير لا على سبيل التمليك، والتمليك مبني على الإحياء لا على استمرارية التحجير.
وخلاصة القول إن الذي يظهر لي أن هذه الرسوم على الأراضي هي زكاتها وأن الزكاة لا تخرج مرتين، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (لاثنيا في الزكاة ) فمن دفع هذه الرسوم ونوى بها الزكاة فله حق ذلك، كما أرى أن لولي الأمر أن ينذر أصحاب هذه الأراضي بأنها أراضٍ حكمها حكم الأراضي المحجرة وأن عليهم إحياءها ويعطيهم مدة كافية لإحيائها فإن أحيوها تم ملكهم عليها وإلا فلولي الأمر حق استعادتها للدولة . أقول قولي هذا ولدي الاستجابة الكاملة للرجوع عن هذا الرأي إذا ظهر لي خطؤه بدليلٍ شرعيٍ صحيحٍ صريحٍ ثابتٍ . لا بقول فلان ولا بقول علاّن فإن الحق لا يعرف الرجال وإنما يعرف الرجال بالحق والله المستعان .