في وقت مبكر يعد الاسكان من التحديات الأساسية التي أخذت الدولة على عاتقها مهمة النهوض بها، منذ سياسات توطين البادية وإنشاء حواضر تمكن المواطنين من الاستقرار، من جانب المؤسس الملك عبد العزيز، مما أدى لتطور مئات القرى لتصبح مدنا كبرى يتصل بعضها ببعض مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، وجدة والرياض والخبر والدمام.
ويشكل تطور العمران والإسكان في المملكة مرآة تعكس ملاحم التطور الوطني وقصة التنمية في المملكة، من الخيام ومضارب القبيلة، إلى الدور والهجر المتواضعة، ثم إلى المدن والأبراج الشاهقة، التي تجسد الابتكار وتطور الاقتصاد والإدارة وتعكس مستوى الإنجازات التي يفخر بها كل مواطن اليوم، لما يستحضر الفرق بين مرحلة البدايات التأسيسية وما يعيشه اليوم أو تبشر به خطط الغد لرفع التحدي وموجهات كل التحديات.
ولأن الطلب على السكن حاليا في المملكة يقدر بـ 150 ألف وحدة يحتاجها المواطنون سنوياً، وتغطية عجز في السكن يصل حجمه الإجمالي لما يزيد عن 1.2 مليون وحدة سكنية فالمملكة لديها لديها قطاع خاص قوي وشركات بناء وتشييد كبرى قادرة على رفع هذا التحدي، ومواجهة نقص الشقق والوحدات السكنية وارتفاع أسعار الإيجارات، عبر تسخير كل الأدوات والإمكانيات المادية والبشرية والفنية التي ترشحها لأن تكون من بين البلدان التي تختفي منها هذه المشكلة التي تواجه بلداناً عربية عدة منها مصر والجزائر وتونس والأردن والمغرب.
فالمملكة لديها محفزات كبيرة للتغلب على الشح في قطاع الإسكان وتلبية الطلب المتزايد على السكن، وأهمها وجود قطاع مصرفي يعد الأقوى في المنطقة، بسيولة مالية ضخمة تقدر بآلاف المليارات من الريالات، كما أن لدى القطاع برامج قوية للتمويل العقاري تناسب مشترى الوحدات من معظم الطبقات.
وحسب الأرقام التي كشفت عنها مؤسسة النقد، فقد ارتفعت القروض العقارية التي منحتها البنوك التجارية في السعودية للأفراد لتتجاوز قيمتها 342 مليار ريال بين سنتي 2010 و2016. كما أن لدى المملكة مساحات شاسعة من الأراضي التي يمكن البناء عليها بما فيها المساحات البيضاء التي هددت الحكومة بسحبها من أصحابها غير الجادين في حالة عدم تنميتها، والتي شرعت في تزويدها بمرافق وبنية تحتية من مياه وكهرباء وطرق وصرف صحي واتصالات وغيرها.
كما لا يمكن إغفال دور صندوق التنمية العقارية الحكومي المتخصص في منح قروض لمشتري الوحدات السكنية، الذي مكن من توفير أزيد من 773 ألف قرض، وشراء ما يقارب مليون وحدة سكنية جاهزة بقيمة أجمالية تتجاوز 299 مليار ريال (نحو 61 مليار دولار)، خلال أكثر من 40 عاما هي عمر الصندوق. قبل أن يتم تحويله لمؤسسة مالية وتحويل طلبات الاقتراض المقدمة له للبنوك التجارية. ضمن خطط لاستحداث برامج أكثر سلاسة لتملك السكن، ونشر ثقافة التوفير، ودعم أفكار تبدو مستحيلة فيما مضى.
وانسجاما مع أهداف خطة التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030، فإن هدف وزارة الإسكان تقوية ودعم الشراكات مع القطاع الخاص ومع المطورين العقاريين والمقاولين والبنوك، ليس فقط لإنتاج وحدات سكنية وتمويلية متنوعة تناسب خيارات جميع شرائح المجتمع في كل أنحاء المملكة ولكن أيضا الرفع من نسبة مساهمة قطاع الإسكان في الناتج المحلي الإجمالي وإنتاج الثروة الوطنية بما يحفظ حق جميع الأجيال في التنمية وفي الحياة الكريمة.
ياسر محمد
باحث اقتصادي