المضاربة في الأراضي البيضاء كانت إلى وقت قريب من أكثر الأعمال تداولا وربحية في السوق العقاري، عمل عليها مجموعة من المحترفين بين مستثمرين وملاك أراضٍ ومسوقين عقاريين، وبعضها كان منظما تسبقه اتفاقات بين أطراف ذوي مصالح للإيقاع بالمستثمرين الصغار والمواطن الباحث عن أرض لبناء مسكنه.
لا أحد ينكر بعض التلاعب الذي حدث في العديد من المضاربات في الأراضي الخام والتي تمت في سنوات مضت خارج النطاق العمراني وداخله بهدف زيادة أسعارها إلى أرقام فلكية تخدم مصالح أصحابها والمنتفعين من ورائها.
المضاربات كانت تَمرُّ بعدة مراحل تبدأ من المالك الأصلي مرورا بالمستثمرين الكبار ثم الصغار حتى المستثمر النهائي الذي اشتراها ليعيد بيعها إلى المستهلك النهائي، وبفوائد مع خيار تخزينها لفترة أطول لحين تعاظم أرباحها.
هذه العملية أضرت كثيرا في التطوير العقاري والاستثمار في المشاريع السكنية والتجارية والصناعية والسياحية التي يحتاجها الوطن والمواطن، والسبب غياب النظام والرقابة على السوق العقاري مما جعلها هي الخيار الأول لكل مستثمر يرغب في زيادة أرباحه بطرق شرعية أو بالتلاعب بدون أدنى جهد يذكر.
من هنا جاء الإحجام عن تطوير مشاريع سكنية يحتاجها المواطن والمقيم في مختلف مدن المملكة، فقد تراجع الكثير منهم عن التطوير والسبب إما التحول للمضاربة في الأراضي أو بسبب التعقيدات التي تواجه المطور والمستثمر في المشاريع السكنية.
كل ذلك أدى إلى الاحتكار وزيادة أسعار الأراضي إلى أرقام فلكية تجاوزت قدرة المواطن الشرائية بمراحل وهنا توقف التداول بشكل كبير وهدأ السوق العقاري منذ سنين إلى أن وصلنا إلى مرحلة الركود.
غلاء الأراضي الصالحة للسكن جعل المعادلة مقلوبة بحيث أصبحت قيمة الأرض تساوي أو تتجاوز قيمة البناء في بعض الحالات، والتي من المفترض أن لا تتعدى 35% من قيمة العقار.
اليوم تغيرت الأمور بشكل جذري فالمضاربة توقفت ولن يكون لها أي زخم بعد اليوم، رغم محاولة البعض إعادة الأضواء إليها بطرق مثل المزادات أو المبايعات المدبرة أي تدوير الأراضي! لم يفحلوا في ذلك بسبب عدم القدرة وزيادة الوعي والأمل في بدائل جديدة.
لابد أن يتغير الفكر الاستثماري بحيث يتحول التركيز إلى الاحتياج الفعلي من المشاريع ومنها السكنية التي لازال الطلب عليها كبيرا وتعتمد على مطورين ومستثمرين جادين يعملون عليها بعيدا عن الجشع والاستغلال، ولعل شراكة وزارة الإسكان مع بعض المطورين تكون البداية الحقيقية لإفراز مشاريع نوعية وضواحي سكنية في أطراف المدن والتي لو تمت فسيكون الإقبال عليها كبيرا وستجد من يشتريها إذا كانت بأسعار معقولة وذات جودة وبضمانات تحفظ حقوق الجميع، ولمحتكري الأراضي والساعين للمضاربة فيها نقول لقد حان موعد التطوير الإجباري أو البيع لمن يطورها.