التوجه الجديد لوزارة الإسكان كهدف إستراتيجي باستقلال القطاع الاستثماري العقاري بمكوناته السكنية، يصب في ذات التوجه الحكومي الذي يركز على رفع إنتاجية القطاع الخاص، ومساهمته في الناتج المحلي، ومن ذلك القطاع العقاري؛ الذي كان يدور في فلك المضاربات على الأراضي، وتحولها في غالب التداول إلى سلعة؛ بدلاً من أن تكون وسيلة استثمار تجاري أو سكني.
لن أخوض في مسببات الوضع المشوه في بعض أجزائه أصلاً في القطاع العقاري، لكن ثمة متغير مهم أعلنه وزير الإسكان ماجد الحقيل خلال ندوة الإسكان في معهد الإدارة عندما أعلن عن “أهمية استقلالية قطاع الاستثمار والعقار عن الدولة بشكل سريع وعدم ارتباطه بميزانية الدولة بشكل مباشر”.. وهو بلا شك يحتم تحول هذا القطاع إلى مستوى أكثر احترافية، وقدرة على التعامل مع احتياجات التنمية، خاصة في قطاع الإسكان؛ ليكون قطاعا جاذبا للاستثمار، ومنتجا للمساكن الميسرة.
في المقابل لا يمكن للتحول المقبل لوزارة الإسكان، وللقطاع العقاري التي توشك هيئته الوطنية على التأسيس، ومباشرة التنظيم.. أن يكونا ذوي استقلالية تامة.. حيث إن فئات من المجتمع لاتزال تعتمد على الإعانة المباشرة، ولا يمكنها الاعتماد على مداخيلها للحصول على سكن، فضلاً على أنه قد لا يكون لها دخل أصلا ضمن الضمان الاجتماعي، والحالات الخاصة، والأرامل.. نحن نتحدث عن 400 ألف وحدة سكنية تدخل ضمن الاحتياج المدعوم بالكامل من الحكومة، وهذه يمكن توجيه المؤسسات الخيرية، والتنموية إليها وتشجيع الأسر والكيانات الاقتصادية والمالية على تأسيس مؤسسات خيرية في التنمية الإسكانية، على غرار مؤسسة الملك سلمان بن عبدالعزيز للإسكان الخيري، ومؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي.. من الجيد استنساخ تجارب هاتين المؤسستين خاصة في المدن الكبرى، والمناطق ذات الاحتياج التنموي.. في المدن الصغيرة والقرى في بعض المناطق خاصة الجنوبية، والجنوبية الغربية.
أعود إلى دور القطاع الخاص الذي قال عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- “إنه شريك هام في التنمية”؛ وهو توجه يجب على المسؤولين وبعض الوزراء ترجمته إلى واقع، من خلال خلق أرضية جاذبة للمشروعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة، بدل من تحول بعضها إلى جهات طاردة للرساميل السعودية، وطلبات لا تنتهي، ورسوم مبتكرة تزيد مداخيلها..
القطاع الخاص في مشهده السكني، من شركات أجنبية، أو محلية في قطاع التطوير، وفي قطاع التمويل سوف تكون جميعها الأساس في تحقيق الاستقلالية الحكومية المنشودة، وتقليل الاعتماد على الإنفاق الحكومي، من خلال القروض المباشرة التي تسدد على فترات طويلة.. كما هو الحال في الصندوق العقاري، والذي رغم ما قدمه (أكثر من مليون وحدة سكنية) إلا أن المتغيرات الاقتصادية والتحولات المقبلة للقطاع التنموي تستلزم التحول المؤسسي المالي، الذي لا يعتمد على الإنفاق الحكومي المباشر.
هذا التوجه، لا يعني إطلاقاً أن يكون مصير المواطن المستهلك للمسكن، تحت رحمة القطاع الخاص، وإنما الهدف هو رفع كفاءة هذا القطاع، وخلق التنافسية التي تقود إلى احترافية القطاع.. التجربة التركية من أقرب وأحدث التجارب في حل مشكلة السكن، خلال ست سنوات نجحت في تطوير أحياء سكنية لوحدات ميسرة، وأخرى فاخرة.. بل إن الكثير من السعوديين تحول إلى سوقها السكني بقصد الاستثمار، نظراً لجاذبية السوق، وسهولة الاستثمار فيه والتخارج منه.. هذا تحديدا ما أقصده، انظر مثلا إلى قطاع الاتصالات في المملكة، الذي تحول من قطاع جامد وغير فاعل قبل عدة سنوات، إلى منتج ومستوعب للقدرات الشبابية، والأهم طرح منتجات منافسة وأسعار أكثر تنافسية.. هذا التحول جاء بعد التحول المؤسسي ل”الاتصالات” ودخول شركات أجنبية للسوق..
من تحديات السوق الإسكاني وتبني الحلول، أنها تحتاج إلى وقت.. ذلك أن التعامل مع الخدمات والمرافق وإيصالها إلى مواقع التطوير، تنطوي تحت عقبات مالية، ولوجستية كثيرة.. وهذا جزء من الدراسة التي أعدها البنك الدولي عن السوق العقاري المحلي، وطرحت خلال منتدى التخطيط الأول، ومن ذلك أن نمو الرياض (مثلا) أكبر بكثير من نمو السكان، مما يعني ضغط الخدمات، والبنى التحتية.
أخيراً التحول الوطني الذي تقوده وزارة الاقتصاد، والدور المهم لمجلس الاقتصاد والتنمية الذي يرأسه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.. يستهدف إعادة التنظيم لجميع مفاصل التنمية بمكوناتها الأساسية: الصحية، التعليمية، الإسكانية، والتوطين الوظيفي.. جميعها ستعتمد على القطاع الخاص من شركات كبرى وطنية، ووطنية أجنبية مشتركة.. القطاع الإسكاني يجب أن يسلك ذات الطريق.