وأنا أعد مقال الأسبوع الماضي لفت انتباهي أمر مهم أشرت له تماماً عندما ذكرت أن التشريعات العقارية لدينا، قبل أن يقر مجلس الشورى نظامي الرهن العقاري والإيجار التمويلي، كانت معيقة، ولذلك فسوف أتوقف عليه في هذا المقال، فهو له أبعاد تتعدى ربما الشأن العقاري، لأن الكثير من المشاكل التي نعاني منها تنشأ، كما يبدو لي، نتيجة مرورها بنفس الدورة التي سوف نناقشها.
إن موضوع الإسكان، مثلما نعلم، كان دائما محل عناية الحكومة، ولهذا تم إنشاء صندوق التنمية العقارية الذي ساهم حتى نهاية السبعينات في التخفيف من حدة المشكلة، بيد أن الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والبنية التحتية قد غير المعادلة فيما بعد، فمستوى الرفاهية الجديد ومعدلات نمو السكان المرتفعة قد خلقت طلبا على المساكن، كماً ونوعاً، لا يمكن لصندوق التنمية العقارية مواجهته، وفي مثل تلك الظروف، أو بالأحرى قبلها، كان بالإمكان تدارك الأمر لو أن قطاع الأعمال قد وجد السند الحكومي الكافي الذي يحتاجه لحل المشكلة.
وهكذا أسقط في أيدينا، فمن الواضح أن هناك ثلاث فئات من أصحاب المصالح كانت، ونحن على أبواب الألفية الثانية، تختلف وتتجادل فيما بينها حول الإسكان، هذا إذا لم نقل تتصارع، وهذه الجهات هي: القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع القانوني، فالحكومة كانت ترغب في مساهمة أكثر فعالة للقطاع الخاص في حل مشكلة الإسكان التي بدأت تتفاقم ويستعصي حلها على صندوق التنمية العقاري، وهذه الرغبة كانت تلقى إقبالاً كبيراً من قطاع الأعمال الذي يسيل لعابه العائد المجزي المتوقع، إلا أن رؤوس الأموال بقيت كعادتها تنتظر-على أمل الحصول على دعم حكومي قوي كي تنطلق، فالتشريعات في المملكة وقتها كانت معيقة للنشاط العقاري، وأنا أتذكر كيف توقف العمل على تأسيس شركة ضخمة للتمويل العقاري، أثبتت دراسة الجدوى أهميتها، بعد الاصطدام بالجانب القانوني.فهذه الشركة لو سمح لها لتبعتها ثانية وعاشرة وقتها ولما كانت لدينا الآن أزمة سكنية بهذه الحدة.
وعند هذا الحد من صراع الأطراف سوف أكتفي لترك المجال أمام القراء للنقاش والإدلاء بدلوهم.
ولكن لتوجيه الحوار أود بادئ ذي بدء الإشارة فقط إلى أن القاء اللوم على القطاع الحكومي في هذه المسألة هو أهون الأمور، فنحن لا بد أن نعرف أن قطاعنا الحكومي، مثله مثل أي قطاع حكومي في الدنيا، لا بد وأن يهتم بموازنة الأمور بين كافة أصحاب المصالح في البلد، وهذا ربما يأخذه البعض عليه باعتبار أن عدم تطور بعض الجوانب القانونية وتخلفها عن مواكبة الحاجة ومسايرة منفعة الناس قد أدت إلى تأخر حل العديد من المسائل الحيوية بما فيها مشكلة السكن.
إنه من الضروري، على الأقل من الناحية النظرية، تحديد مسؤولية كافة الأطراف عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم مشكلة الإسكان وتحولها إلى أزمة شبه مستعصية، فهذا الاختلاف بين الجهات أو الأطراف الثلاثة المشار إليها أعلاه هو المسؤول عن نشوء وضع أصبحت نتيجته، حسب بعض التقديرات، عدم تملك ما يقارب 70% من السعوديين لمساكن عيشهم وأضرارهم بدلاً من ذلك لاستئجار أماكن إقامتهم، فتحديد الجهة المسؤولة عن هذه الأزمة أمر مهم حتى لا ندور في المستقبل، أمام مشكلة أخرى، في نفس الحلقة المفرغة.