عقار

عبدالحميد العمري: حلول أزمة الإسكان تبدأ من القضاء على أسبابها

عبدالحميد العمري

أستكمل الحديث حول مواجهة تحدي أزمة الإسكان، وما الآليات والإجراءات اللازم الاعتماد عليها لتجاوز هذه الأزمة التنموية الكأداء، التي أثبت تشخيصها الحقيقي أنها “مفتعلة” من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، منطلقا من الفكرة الجوهرية لمواجهة أية أزمة مهما كانت (أن أية حلول مقترحة لأي أزمة كانت مهيأة تماما للفشل وعدم التحقق، إذا وقعت في مطب الاعتراف والقبول التام بـ نتائج الأزمة، وفي الوقت ذاته تجاهلت التصدي الجاد والحازم للأسباب الحقيقية التي أدّتْ لنشوء الأزمة).

ليس ابتكارًا فكريًا أسطره هنا، أو أنني بتدوينه للمرة الـ 100 قد سبقت به غيري، حينما أؤكد أن حل أزمة الإسكان يبدأ فقط من معالجة الأسباب الفعلية لنشأتها، وأن أي حلول أخرى، لن تتجاوز وإن أعجب البعض ببريقها في البداية، سوى أن مفعولها سيكون أقرب إلى المسكّنات المؤقتة، سرعان ما سيذهب تخديره، ليعود الألم والداء أكبر مما سبق تناول تلك المسكّنات، ما يعني بالضرورة تفاقم الأزمة أو المرض، ويعني بدوره ارتفاع تكلفة المعالجة والحل.

لتتعرف على الحلول الحقيقية المؤدية فعليا لمواجهة أزمة الإسكان، وتجاوزها بنجاح تام بأقل التكاليف، ودون هدر للموارد والجهود والوقت، ليس عليك إلا أن تحدد الأسباب الحقيقية التي أوقدت نيران تلك الأزمة، لتبدأ من ثم بالقضاء على تلك الأسباب، وإطفاء منابعها بجدية وحزم تامين، وتحصد في نهاية المطاف القصير الأمد، ثمارا يانعة القطوف، وانفراجا واسع الآفاق لم يكن في الحسبان. لماذا قد يفكر البعض في اختراع العجلة من جديد؟ ومتى نجح أحد من العالمين في تجاوز أي أزمة ألمت به، وجل جهده ووقته يدور حولها، ولم يجرب حتى مرة واحدة التوغل في وسطها؟

إذا، العنوان الرئيس: حدد الأسباب، ثم قم بمعالجتها، وكفى الله المؤمنين شر القتال، إلا أنه ما أسهل القول، وما أصعب العمل. تلك معضلة المعضلات بالنسبة لكثير من البشر في أغلب مجالات حياتهم، يهرب المرء طويلا من أسباب وعثائه وتعثره، ثم يعود أخيرا إلى طريق الصواب، وأن لا مخرج له مما هو فيه من شقاء مهما فعل، إلا أن يسلك هذا الطريق فقط! والعبرة الأهم هنا؛ هل استدرك المرء الزمن أم أنه فاته؟!

كان من أول أسباب نشوء أزمة الإسكان محليا، أنها جاءت من اتساع دائرة احتكار واكتناز الأراضي بمساحات شاسعة جدا لعقود طويلة دون أي تكلفة على ملاكها، ما أدى بدوره عبر سنوات تالية إلى “تشحيح” وليس “شح” الأراضي اللازمة للانتفاع والتطوير، وصلت نسب مساحات تلك الأراضي إلى إجمالي مساحاتها في المدن الرئيسة إلى أعلى من 91 في المائة، وفقا لبيانات وزارة الشؤون البلدية والقروية، وتركّزت في المقابل عمليات بيع وشراء الأراضي داخل المدن نفسها، على أقل من 9 في المائة فقط وفقا لبيانات وزارة العدل، كان أغلبها قائما على المضاربات الحامية الوطيس، وهو السبب الثاني الذي زاد من وتيرة تضخم الأسعار! لهذا أتى إقرار الدولة ــ أيدها الله ــ نظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، ولو أن لائحته التنفيذية ارتقت بجدية أكبر إلى الأهداف الرئيسة من إقرار النظام، وعملت بمنهجية شاملة وحازمة أكثر مما هو معمول به الآن، لشهدنا جميعا نتائج إيجابية أكبر بكثير مما شهدناه حتى تاريخه. قد يقول قائل هنا؛ إن ما تقدم مبالغ فيه إلى حد بعيد جدا، وأنه لا يعقل أن يأتي انفراج أزمة الإسكان المحلية من هذا الإجراء، وكيف تم تجاهل بقية الحلول والإجراءات الأخرى الكثيرة العدد؟ أيضا كيف تم تجاهل بقية الأسباب الأخرى، التي أدت إلى الأزمة الإسكانية، كتأخر الموافقة على تراخيص البناء، أو انخفاض وتدني قنوات التمويل العقاري، أو عديد من الإجراءات البيروقراطية الحكومية؟

إن الرد على كل ذلك وغيره من الأعذار لا الأسباب؛ بسيط جدا. بداية؛ تم تشخيص ما تقدم بناء على بيانات رسمية “وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة العدل”، والأهم من ذلك أن بقية الأعذار الأخرى المرفوع شعارها وصوتها، دائما ما تصدر من المستفيدين “ماديا” من استمرار أزمة الإسكان، مقارنةً بغيرهم من المتضررين وهم الشريحة الأكبر اجتماعيا واقتصاديا، أؤكد أن تلك الأعذار لا ترتقي من قريب أو بعيد، مهما ألحت مصادرها من المستفيدين حصريا من أزمة الإسكان، على التعادل مع الأسباب الكبرى والحقيقية للأزمة! الأمر الآخر وهو الركن الأساس؛ أنه في حال تمت معالجة جميع تلك الأعذار والمزاعم، التي لا يتجاوز أغلبها كونها مجرد نتائج للأزمة الإسكانية أو غيرها من الأزمات التنموية الأخرى، أقول حتى تم حلها، فلن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام على طريق حل أزمة الإسكان! بل قد نتأخر أكثر مما قد يتصوره البعض، وإليك مثال حقيقي على عذر تدني القروض العقارية؛ حينما تم رفع حجم قرض الصندوق العقاري من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال في آذار (مارس) 2011، حدث أن ارتفع متوسط أسعار متر الأراضي في المملكة خلال العامين التاليين بنسبة 108 في المائة، وارتفع متوسط سعر الفلل السكنية بنسبة 60 في المائة، وهو ما ترتبت عليه زيادة تعقيد الأزمة، وقس على بقية الأعذار الأخرى المزعومة لا الأسباب.

على وزارة الإسكان أن تعلم أن إطفاء 50 في المائة إلى 75 في المائة من التضخم الهائل لأسعار الأراضي والعقارات، كفيل أن يسهل عليها كثيرا تجاوز أزمة الإسكان المحلية بأقل التكاليف على كاهل الدولة والمجتمع. وأن تعلم أن طريقا انطفأت أسعاره المتضخمة بتلك النسب المحمودة جدا، يعني انخفاض تكلفة الإيجارات على مئات الآلاف من المنتظرين لبرامجها الإسكانية، الذي بدوره سيخفف كثيرا من الضغوط الهائلة عليها، نتيجة زوال الضغوط المادية والاقتصادية المكلفة على كاهل المنتظرين لها! وسيسهل عليها تنفيذ برامجها وخططها دون ضغوط هائلة كما هو قائم الآن.

ليس هذا فحسب؛ بل إضافة إلى المرونة الكافية زمنيا التي ستحصدها وزارة الإسكان، لتقوم وتتفرغ في زمن كاف بتنفيذ برامجها الإسكانية، فإن جزءا كبيرا جدا من التكلفة الهائلة لتنفيذ تلك البرامج الإسكانية سيزول تماما عن كاهل ميزانية الدولة، وسيخفض كثيرا من تورط أفراد المجتمع في تحمل أعباء قروض عقارية طائلة، بما فيه ذراعها الصندوق العقاري الذي ستتوافر لديه فرص لا حصر لها، ستمكنه مستقبلا من الوفاء بمهامه وأدواره بأدنى التكاليف، وتخرجه من وعثاء العجز الراهن الذي غاصت قدماه فيه دون أية حلول في الأفق القريب. فهل تستجيب وزارة الإسكان أم لا؟! والله ولي التوفيق.

المصدر

عرض التعليقات

  • من المستفيد من كلام المدعو عبدالحميد العمري إلا المستثمرين اللذين يهدفون إلى وصول العقار إلى اسعار مناسبة ثم القيام بالشراء ، الفلل فوق المليون والشقق المناسب منها فوق الخمسمائة الأراضى لا زالت فوق النص مليون و المدعو عبدالحميد لا زال يتحفنا بالعواميد بالصحف والمقابلات الرنانة وما شفنا شي ، اكبر الضحايا هو ذاك الشاب المقبل على الحياة وقد بدء حياته وهو مخير بين ان يسلم رقبته للقروض القاتلة او الاجار حتى الموت ، كل ما يحدث هو صرف للنظر وتشتيت للانتباه عن الحق الرئيسي للمواطن وهو السكن السكن المجاني او الاقساط الرمزية هذا هو التوحيد ليس الموضوع هو الانتظار حتى ينهار العقار اللذي يبشر به المدعو عبدالحميد من سنين جميع الاحصاءات اللتي يبشر بها تتجاهل الدخل البسيط للشاب وتتجاهل الوضع المعيشي وتتجاهل ارتفاع اسعار الخدمات القادم ، وكاأن هذا الشاب في رصيده مئات الألوف وينتظر حتى يرخص العقار ثم يشتري ، لقد انجرف الكثير خلف وعود المدعو عبدالحميد ولا أرى فيها إلا أنها تخدم فئة المستثمرين اللذين يريدون هبوط العقار بشكل مؤقت حتى يقومون بموجة صعود كما فعلو سابقا ، ما يحدث لعبه كبيرة احذرو من "ادواتها"

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020