شطح السعوديون بأحلامهم إلى مستويات عالية جداً، بعد أن صدر بيان وزارة الإسكان السعودية بحصر أكثر من 600 ألف مواطن يستحقون الدعم السكني من إجمالي نحو مليون مواطن تقدموا بطلبات الدعم السكني قبل أربعة أشهر، وخرج سماسرة العقار يروِّجون بانخفاض أسعار العقارات وتراجُع الطلب عليها، وهذه للأسف غسيل مخ عالي الجودة.
فالبيان ذكر فقط عدد الأشخاص الذين سيستفيدون، فيما لم يوضح المدة الزمنية التي تستغرق، فيها هناك حالات اعتراض من 300 ألف مواطن لا يعرفون سبب إبعاد أسمائهم من الاستحقاق، ولاسيما أن الوزارة استخدمت لتدقيق الأوراق والمستندات أعلى معايير الرقابة والضبط، وأعتقد بأن هذا حق مشروع لها، حتى لا تحدث عمليات احتيال أو تلاعب من بعضهم، ووصلت تصريحات سماسرة العقار بأحلام الناس إلى حد عدم التصديق.
فقال بعضهم إن أسعار العقار ستتراجع إلى ما بين 30 و 40 في المئة، وأن الأسعار ستنهار بشكل يضر أصحاب الأراضي والعمائر والوحدات السكنية، وتستغرب كيف يتم تسريب مثل هذه الأخبار على البسطاء من الناس، ونحن نعلم أن العقارات في السعودية تسيطر عليها فئة تتشارك معها جهات حكومية وقطاع خاص، مهمتها أن تدفع بالأسعار إلى الأعلى، من دون رحمة.
ومن وقت إلى آخر تسرِّب إشاعات وأخبار مضللة، وتستغل تصريحات مسؤولين وتحديداً للبلديات والإسكان من أجل مصالحها، ونحن نعلم أن الأسعار لا يمكن أن تضبطها التصريحات ولا تؤثر أبداً، لأن المنتجات العقارية تُطرَح بمعيار من الهوامير والمسيطرين على السوق، بما لا يؤثر في منتجاتهم وأسعارها، ويبقى المواطن دائماً في المقدمة يهرب من ارتفاع الأسعار التي تلسعه. حتى نبسِّط عملية رفع الأسعار وكيف تسير، سأضرب مثالاً عن مدينة جدة، وعليكم أن تقيسوا ذلك وتطبقوها في المدن السعودية الأخرى، فقبل أكثر من 25 عاماً حينما أمر الراحل الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- ببناء ملعب جديد في شمال جدة، فجأة قفزت أسعار الأراضي والعقارات في تلك المنطقة من 200 و300 في المئة على أن المنطقة ستصبح حيوية ومتكاملة الخدمات، ولهذا أصحاب المخططات أعادوا تسعير المتر بما يتناسب مع الوضع الجديد، وهكذا استمرت الحال سنوات طويلة على رغم أن الملعب لم ينفذ إلا العام الماضي، فتخيلوا سعر قطع الأراضي التي كانت بالآلاف أصبحت الآن بالملايين، ولم يكد الناس يتكيفون مع الأسعار الجديدة، حتى ظهرت ناطحة السحاب التي تبنى شمال جدة والتي ستكون أعلى برج سكني في العالم، حتى عادت الأسعار لترتفع من جديد.
وقد يقول خبراء العقار إن هذه ميزة المشاريع العقارية تكتسب مكانتها وأسعارها لموقعها، إنما طريقة تخطيطنا للمدن هو الذي جعل هذه الشركات تستفيد وتستغل الوضع لمصلحتها، وكان المواطن هو الذي يأتي ما بين المطرقة والسندان.
مثال آخر شرق جدة وقبل سنوات عدة ولأنها كانت محطة لكب النفايات ومياه الصرف الصحي ومنها البحيرة الشهيرة «المسك» بيعت الأراضي بأسعار بخسة واستغل سماسرة الأراضي في بيع قطع بوثائق غير رسمية وقتها لم تتحرك البلديات ولا الجهات الحكومية الأخرى، واشترت الناس بأسعار رخيصة جداً وبدأت في البناء سراً لتسكن في ظل غياب استراتيجية عامة لمشروع الإسكان، وحينما جفت البحيرة عادت الأراضي نفسها لترتفع من جديد، مع أنها أراضٍ يملكها أصحاب نفوذ، إنما إحدى طرق الكسب غير المشروع في استغلال حاجة الناس إلى أراضٍ رخيصة لبناء منازلهم، والحال نفسها قبل خمس سنوات ظهر مشروع تطوير العشوائيات -كما سمتها عدة جهات حكومية- إنما الخطط التي وضعتها كانت إزالة هذه الأحياء وبناء فنادق ومسطحات خضراء ونقل الأهالي إلى مناطق أخرى راقية كما تم تسريب هذه التصريحات حينها، للعب على مشاعر الناس البسطاء الذين يسكنون فيها، وبالفعل مع البدء في إنشاء شركة خاصة لتطوير المنطقة في أكثر من حي مثل الرويس والشرفية والبلد وبترومين، وغليل، والنزهة، والصناعية الشمالية، وأوقفت الجهات الحكومية الترميم والتجديد والبناء في تلك المناطق وأوقفت الخدمات عن الأهالي والسكان، وخلال مدة المفاوضات ما بين إلغاء أو الموافقة على إزالة هذه الأحياء اضطر أصحاب المنازل إلى خفض الإيجارات وهوت الأسعار بشكل لافت.
والآن بعد أن توقف المشروع ارتفعت الأسعار إلى مستويات عالية جداً، فمن هو المتسبب في التلاعب بهذه الأسعار من دون ضوابط أو رقابة؟ وكيف تطرح أو تقر مشاريع من دون دراسة أو تخطيط، وتتسبب في التلاعب بالأسعار والإضرار بالناس.
لا يمكن أن نعتبر أن العشوائية التي اعتمدتها البلديات في تخطيط المدن ستؤدي إلى انخفاض أو تراجع أسعار العقارات في السعودية.
الجمع ما بين المناطق السكنية والتجارية، خلق فوضى عقارية أضرت بالاقتصاد وأسهمت في ظهور مشكلات مرورية وازدحام وانتشار المرافق الحكومية ما بين الأطراف والوسط، وهو ما يجعل مراجعة أي إدارة أمراً صعباً، ومن ثم لا تجد نظاماً لحركة النقل، وساعد هذا في التوسع الكبير في إقامة مراكز التسوق بشكل مفرط وتحولت من زيادتها في المدن إلى أماكن لممارسة المشي والأكل والتسكع، ولم تؤدِّ الغرض الذي أقيمت من أجله وهو التسوق.
أرجوكم فسروا لي ما هي طبيعة هذه المدن التي تخلط ما بين السكني والتجاري والخدماتي، استقرار أسعار الأراضي السكنية والعقارات تربطها المواقع السكنية التي تكون مخصصة فقط للسكن، وليس بالفوضى التي نراها الآن، إذا افتتحت مدرسة ارتفعت الأسعار وإذا فتحوا مركزاً تجارياً رفعوا الأسعار، وإذا مر طريق أو جسر تضاعفت، وفي كل مرة المواطن الذي يبحث عن أرض رخيصة أو سكن رخيص لا يستطيع، لأن الأسعار في ارتفاع والسبب فوضى التخطيط المدني، ولا أعرف بالتحديد ما هو دور الهيئات العليا في المناطق المخصصة للتطوير! إذا كان بعد كل هذه الهيئات واللجان والمجالس البلدية وخبراء الاقتصاد الموجودين في إمارات المناطق تخرج لنا مدناً بهذه العشوائية في التخطيط، فهل يمكن أن نحلم يوماً بمناطق سكنية وأخرى تجارية.
بصراحة لا أرى نوراً في آخر النفق؛ لأن تخطيط المدن يسير وفق أهواء هوامير العقار.