أزمة السكن ليست عامة في كل مدينة وقرية، وليست مستحيلة الحل، وخيارات السكن متوافرة، لكن النزوح إلى المدن الكبرى زاد الأمر سوءا للنازحين ولسكان المدينة الذين ضاقت بهم الطرق والبيوت
المساكن فكر؛ عبارة ملغومة فجرت غضب المغردين؛ لأنها ترتبط بمصلحة أهم للمواطنين طال انتظارها، ولم تحمل العبارة إلا مزيدا من الانتظار لما لا يعلمون متى سيأتي!
أهم قضايانا الإسكان، وهي القضية التي تشغل فكر من يقلقه تأمين الإيجار لمسكنه منذ أن يدفع الذي قبله؛ أو يتداعى أو يضيق به بيت يملكه لا يكفي لأولاده أو أحفاده الذين يشاركونه به.
لو كان التفكير يثمر مساكن فخمة لسعدنا بأفخم البيوت وأجمل التصاميم وأرقى الأثاث منذ كنا أطفالا، وشخصيا أذكر أنني حلمت بأول بيت جميل رأيته، كانت به مجموعة من الغزلان أثارت دهشتي الطفولية لأسأل بصوت مرتفع لماذا يختار لنا أبي بيتا من طين وهو يستطيع أن يزرع شجرة تنبت ما لا نحصده ونشتري مثل هذا البيت؟!
كبرت يا معالي الوزير وعرفت أن الأشجار لا تنبت مالا وتغيرت الفكرة وأخذنا فأسا واحتطبنا شقة!
الأفكار يا سيدي ليست أكثر من أحلام محلقة تسحرنا عن رؤية الواقع، ما دمنا عاجزين عن امتلاك أرض لها، أو مواد خام تبنى بها هذه الأحلام!
لا أزعم أنني أسكن بالإيجار، فهذه معاناة وألم، خاصة للأسر الكبيرة ذوات الدخول القليلة؛ لكنني كغيري من الحالمين نشغل تفكيرنا ببيت أفضل وخيارات إسكان مرفهة قليلا؛ تخليت عن فكرة حديقة الغزلان وأريد مساحة للعب الأطفال، ومساحة للانطلاق خارج الشقق الصغيرة؛ علما بأن السكن في الشقق كان فكرة ثم خيارا مثاليا عندما استحال القرض، وأصبح الحلم بسكنى الفلل أشبه بملاحقة السراب!
تأمين السكن عن طريق البنك العقاري فكرة نهضت بنا في فترة ماضية، حين كان الفرق بين طلب القرض والحصول عليه لا يكاد يصل إلى عام، ولن أسرد تاريخ البنك الذي يعرفه الجميع، لكن لنقف عند فكرة أن الاقتراض من البنك والتسديد الميسر كان فكرة ممتازة، خصوصا أن القرض كان يحمل منحة التخفيض لمن يسدد باكرا، ولم يكن ما يدفع لتسديد القرض حينها مرهقا، ولم يخضع للتضخم أو للتعديل، ويبقى المسكن للأولاد لو حدثت وفاة الأب سكنا للمحتاج ما زلنا ينعم به كثيرون ممن استفاد آباؤهم بهذه الميزة؛ مع العلم أن تصميم البيوت على شكل فلل منع تحقيق استفادة أكبر منها للأبناء مستقبلا؛ خاصة أن رفع البيوت أكثر من دورين ممنوع، وبالتالي الأسرة التي عدد أبنائها خمسة قبل ثلاثة عقود احتاجت إلى خمس مساكن إضافية في نهاية فترة تسديد القرض، وهذا ما أدى إلى تفاقم المشكلة وأعني الزيادة السكانية المطردة.
لماذا لا نعود إلى التركيز على الاقتراض بشكل سريع ومختلف، دعنا نفكر معك يا وزير الإسكان.
عندما قررت الوزارة تقديم الحلول السكنية للأرامل والمطلقات، وضعت اشتراطات عرقلت حصول هذه الفئة على السكن، كأن تطالب المرأة بما يثبت أنها تعول أبناءها، مع وجود نساء يربين وينفقن على أبنائهن، ويرفض الأب أو الولي أن يقر بذلك حتى لا يدين نفسه؛ فأقصيت المرأة التي لا تملك صك إعالة؛ وأعرف صديقة حاولت دون جدوى الحصول عليه.
أيضا زوجة الرجل العاطل أو فاقد الأهلية؛ مع أن هذه الفئة هي الأحوج خاصة لو كانت المرأة بلا دخل يمكنها من دفع الإيجار.علما بأن حكومتنا تدفع إيجار المسكن لأسر المساجين وما الأرملة أو المطلقة بأقل أهمية!
زوجة المعدد نموذج لمعاناة امرأة يخص زوجها أم أولاده الأولى بالسكن والقرض الذي حصل عليه، ولا يحق لها أن تنال قرضا مهما كانت الملاءة المالية لديها بحكم امتلاك زوجها مسكنا؛ هل فكرتم في زوجات المعدد؟!
يجب النظر بوضع المرأة في قضية السكن والتعامل معها كمقترض مساو للرجل في الحقوق والواجبات حين تكون مقتدرة ماليا، ولا تسكن في بيت زوجها أو أب أولادها؛ بل ما المشكلة لو أرادت امرأة أن تسكن وحدها أو تمتلك مسكنا تقدمه لابنها المتزوج أو ابنتها أو حتى تؤجره حينا وتعتاش من إيجاره وتسكن مع ابن أو ابنة ما دامت قادرة على دفع ثمنه؟!
وأيضا التعامل معها بشكل إنساني اجتماعي، وتوفير مساكن لمن لا تملك القدرة المالية فتوفر عمائر أكثر لإسكان النساء العاجزات، ولا ضرورة للتملك هنا، بل هي أشبه بما تقوم به الجمعيات الخيرية اليوم وإسكان الملك سلمان الخيري في الرياض ونظام الرباط القديم في الحجاز.
نأتي إلى الرجل، أزمة السكن ليست عامة في كل مدينة وقرية، وليست مستحيلة الحل وخيارات السكن متوافرة، لكن النزوح إلى المدن الكبرى زاد الأمر سوءا للنازحين ولسكان المدينة الذين ضاقت بهم الطرق والبيوت.
الرجل أكثر قدرة من المرأة على السعي وتوفير المسكن لكن الرجل المسن أو المتقاعد أولوية في تأمين سكن له، ولو نظرنا إلى العمر أو رقم بطاقة الأحوال، وحصرنا عدد الراغبين في توفير سكن لهم وخياراتهم المفضلة وانتقلنا إلى الأصغر سنا منهم. لهان الانتظار لأنه أصبح مربوطا بخيار الزمن العادل هنا.
عزيزي الوزير، لا يخفى عليك ترتيب تأمين السكن كقرض أو أرض، وحل مشكلة الأكبر سنا وانتقالنا إلى الأصغر يشعر الناس بعدالة واطمئنان على فكرة أن الحل في طريقه إليهم وليس مستحيلا، أو بيد البنوك والمصارف التي تتربص بهم الدوائر.
خذ هذه الفكرة عني وابحث في إمكان تحقيقها.