هل يستقطب الإسكان صندوق الاستثمارات العامة؟

يصنف صندوق الاستثمارات وعلى مدى أكثر من أربعة عقود على أنه واحد من الأذرع الفعالة الداعمة للتنمية الاقتصادية في المملكة من خلال قناتين أساسيتين، الأولى هي تمويل بعض المشروعات الإنتاجية ذات الطابع التجاري التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها منفرداً إما لقلة الخبرة أو رأس المال أو كليهما معاً، أما الثانية فهي المساهمة في رؤوس أموال عدد من الشركات الوطنية، فإجمالي القروض التمويلية التي قام الصندوق بصرفها بلغت أكثر من120 مليار ريال أما عدد الشركات التي أسهم برأسمالها فقد وصلت إلى 41 شركة وطنية، تجاوزت حصته بها63 مليار ريال، أتاحت للصندوق في الوقت الحاضر السيطرة على 20 % من قيمة السوق السعودي للأسهم.

مساهمة الصندوق في القطاع العقاري بوجه عام، والإسكان تحديداً، وذلك في دائرة استثمارته لا زالت في الواقع محدودة، وتقتصر فقط على امتلاك حصة في أسهم كل من الشركة السعودية العقارية، والشركة السعودية للفنادق والمنتجعات، أما في مجال تمويل المشروعات العقارية فلا يرصد سوى ما أبانت عنه دار الأركان الشريك المطور في شركة تطوير خزام العقارية بمدينة جدة منذ مدة ليست بالقصيرة عن موافقة الصندوق على تمويل مشروع قصر خزام بمبلغ 4 مليارات ريال، وهو المشروع الذي يهدف إلى تطوير منطقة في وسط مدينة جدة، من خلال إعداد وتنفيذ مخطط للبنية التحتية والمرافق العامة.

ما نشر مؤخراً عن شروع صندوق الاستثمارات العامة في تمويل وتنفيذ مشروع دار الهجرة السكني والمكتبي والتجاري، بتكلفة تبلغ نحو 55 مليار ريال، على أرض بمساحة مليون وست مئة متر مربع تقع في المنتصف بين المسجد النبوي ومسجد قباء ومسجد الميقات، يحتوي على ثمانين برجاً سكنياً وعشرين أخرى إدارية، بأدوار متكررة تصل إلى ثلاثين دور، ومستشفى بسعة 400 سرير، ومرافق خدمية، ومحطة للمترو، وذلك ضمن مشروعات إعادة تأهيل المنشآت التي نقلت من مواقعها بسبب مشروع توسعة المسجد النبوي الشريف وساحاته والعناصر المرتبطة به في المدينة المنورة، يعد نقطة تحول في استثمارات الصندوق بالقطاع العقاري، فهذا المشروع يعادل حجم التمويل الموجه له ثلث رأسمال الصندوق في الوقت الحاضر، ويقترب من مقدار استثمارات الصندوق في الشركات الوطنية المساهمة كافة، كما أن الإطار الزمني الذي وضع لتنفيذه وهو عامان يعتبر قياسياً، لا سيما أنه عند اكتماله سيخدم نحو 120 ألف زائر للمسجد النبوي الشريف من توفير إقامة وخدمات مكملة لها، من بينها (80 ) فندقاً غالبيتها من فئة الخمس نجوم تضم نحو 40 ألف غرفة على اعتبار أن المدينة المنورة هي مقصد الكثير من الزوار من الحجاج والمعتمرين الذي يأتون لتأدية فريضة الحج والعمرة في كل عام، الأمر الذي يؤكد حاجه المدينة المنورة الفعلية لهذا النوع من المجمعات المتكاملة في خدماتها.

ما نتأمله من حصاد لهذا المشروع، هو ألا يكون الوحيد، وإنما البداية في استقطاب القطاع العقاري وبالذات السكني في مدن المملكة لاستثمارات الصندوق التنموية كي يرفع من مستوى كفاءة الأحياء والمجمعات السكنية في هذا القطاع الذي ما من مؤشرات إيجابية على أرض الواقع تفيد بأن هناك توجها نحو تحسين مستواها، وذلك عبر شراكة للصندوق مع المستثمرين من ملاك الأراضي الذين يتطلعون إلى التمويل لتطويرها بالبنية الأساسية من المرافق والخدمات إضافة إلى الوحدات السكنية مقابل نسبة تحقق عائدا استثمارياً طويل الأجل للصندوق، فهذه الشراكة التي يمكن للصندوق أن يوظف في إطارها أذرعته من الشركات العقارية التي يمتلك حصة كبيرة من أسهمها هي السبيل الأسلم والأمثل لاستقطاب ما هو متوفر في السوق من أراض يحتاجها القطاع السكني وإيجاد بيئة سكنية متكاملة في كافة مرافقها وخدماتها، عوضاً عن الوضع الحالي الذي لا توحي ملامح نموذجه القادم بأنه أفضل منه.

المصدر