عقار

م. إبراهيم الصحن: هل الأراضي أكبر من أن تنهار؟

م. إبراهيم الصحن

أكبر من أن تنهار Too Big to Fail، كانت هذه القاعدة التي سرت في أذهان قادة السياسة الاقتصادية الأمريكية عند حدوث الأزمة المالية في 2008، ولم يكن أحد يتصور كيف سيكون الوضع لو انهارت المصارف والمؤسسات المالية التي أسهمت في تعظيم الأزمة وأشعلت نيرانها، كان الخوف كبيرًا من أن تمس هذه المؤسسات أي أضرار قد تنعكس على الاقتصاد بل والسياسة، بسبب ارتباط ثروات كبرى الدول بالولايات المتحدة، كان جل التفكير منصبا على إنقاذ هذه المؤسسات مهما كلف الأمر، والحقيقة أن الأمر تكلف الكثير، حيث قدرت تكاليف الإنقاذ التي دفعت لهذه المؤسسات بمئات المليارات من الدولارات، ويقال إنها وصلت إلى 700 مليار دولار، بل و يدعي البروفيسور مارك بليث أستاذ السياسة الاقتصادية الدولية في جامعة براون أن تكاليف الإنقاذ قد كلفت الاقتصاد الأمريكي قرابة ثلاثة تريليونات دولار، وتحولت الرهونات العقارية التي وصفت بالأصول المسمومة كعبء على الحكومة وصار عليها تحمل مسؤولية إدارة الأزمة، بدلا من أن يتحملها من قام بها في الأساس وهي المؤسسات المالية، هذا الإجراء بالطبع حسب وجهة نظر البروفيسور مارك يعتبر محاولة لنقل الأزمة من المؤسسات المالية والتنفيذيين الذين أشعلوا نيرانها إلى الحكومة، التي بالطبع ستمررها إلى الشعب، ما اضطر الشعب الأمريكي إلى تحمل تبعات مخاطر وأخطاء المؤسسات المالية، لأن الضرائب التي تحصل من الشعب هي التي ستسدد هذا العجز المالي الذي شكلته الأزمة، كما أن مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة سيتردى، بسبب التقشف ومحاولة ترشيد الإنفاق، وهذا يضر في الدرجة الأولى الطبقة المتوسطة فما دون، لذا فإن البروفيسور مارك يدعي أنه قام بحسابات اقتصادية استنتج منها أنه قد يكون من الأسلم ترك هذه المؤسسات أو بعضها تواجه مصيرها دون مساعدة حكومية، تنقل المسؤولية المالية التي على هذه المؤسسات إلى ديون وأعباء مالية يسددها الأفراد في نهاية المطاف، مع الأخذ في الحسبان الضرر الاقتصادي في حال انهيار بعض المؤسسات المالية الأمريكية.

من خلال السرد المختصر السابق نلاحظ أهمية عدم تحميل أفراد المجتمع أزمات وتشوهات لا ناقة لهم ولا جمل في حصولها، التي تشكلت بسبب ضعف التنظيم والرقابة من الحكومة، وطمع القائمين على المؤسسات المالية. ونجد في سوقنا السعودية من يرى أن انخفاض أسعار الأراضي في السعودية له خطورة اقتصادية، بينما أثبتت الدراسات والاستطلاعات أن انخفاضها ينشط التطوير العقاري ويحفز التملك، بل عند محاولة بناء ثقافة جديدة وتوجه مختلف مثل إيقاف الاكتناز والمضاربة بالأراضي قد نحتاج إلى تدخلات قد توصف بالمؤلمة لشريحة محددة على المدى القريب، حتى تنضج السوق وتستعيد كفاءتها على المديين المتوسط والبعيد. والحقيقة لا يوجد – على حد علمي – تعريف علمي أو عملي واضح للتفريق بين مصطلحي “تصحيح” أو “انهيار” السوق العقارية يمكن الاعتماد عليه، لذلك لا بد من تحرير المصطلحات وبيان المقصد من ورائها حتى نعرف الهدف الذي نريد الوصول إليه، وبالمثال يتضح المقال، فلنفرض أن زيدا اشترى قطعة أرض في 2010 بسعر 250 ألف ريال، وارتفع سعرها إلى مليون في 2014، ثم انخفض السعر إلى 500 ألف في 2018، وبذلك انخفض الربح إلى 100 في المائة كنمو في القيمة خلال ثماني سنوات، في المقابل اشترى عبيد أرضا بمليون ريال في 2014، ثم انخفضت قيمتها إلى 500 ألف في 2018، وهذا يعني خسارة 50 في المائة من سعر الشراء، بالتأكيد أن السوق منهارة من وجهة نظر عبيد، وقد يكون تصحيحًا من وجهة نظر زيد، لذلك الأمر نسبي بين من يرى الانهيار أو التصحيح.

الخلاصة، من المهم ألا يتحمل المواطنون الراغبون في التملك مسؤولية الارتفاعات السابقة في الأراضي والوحدات السكنية، لأن هذه الارتفاعات المضطردة خلال فترة قصيرة كانت بسبب ضعف التنظيم والسياسات المحفزة للتطوير، وكذلك الطمع في تحصيل المكاسب السريعة والكبيرة من المضاربة واكتناز الأراضي، وسواء اتجهت سوق الأراضي السكنية بالذات إلى “الانهيار” أو “التصحيح” فهذا لا يعنينا كثيرا كمصطلح، ما يهم أن تؤدي هذه الأراضي دورها الاقتصادي السليم، وهو أن تكون عنصر إنتاج غير مكلف على الراغب في السكن مهما كانت خسائر أو انحسار أرباح مضاربي ومكتنزي الأراضي، وذلك للمساهمة في حل مشكلة ارتفاع الأسعار التي عطلت المهمة الأساسية لسوق العقار السكني، وهي توفير الوحدات السكنية المتوافقة مع دخل الراغبين في السكن وأن يكون ارتفاعها مستقبلا مبنيا على الطلب الحقيقي على الوحدات السكنية وليس المضاربة بالأراضي، وهنا ينبغي لوزارة الإسكان والجهات المعنية أن تلعب دورا مهما من خلال دراسة المدن والأحياء التي تعاني الارتفاع ومعرفة ديموغرافيتها وتحديد دخل الشريحة التي تسكنها، لتصل إلى مدى الانخفاض المطلوب في كل منطقة، وبهذا تستطيع من خلال مشروع رسوم الأراضي الانتقال من مرحلة إلى أخرى أو القفز إلى المراحل الثالثة أو الرابعة مباشرة، وكذلك تحديد بقية السياسات التي تصب في رفع حجم العرض في المناطق التي تعاني شح الأراضي المطورة والوحدات السكنية، لذا فالسؤال المهم: هل الأراضي السكنية تؤدي دورها الصحيح حاليا؟ ثم يمكن الإجابة بعدها عن: هل الأراضي أكبر من أن تنهار؟

المصدر

آخر تعديل تم نشره 4 ديسمبر 2016 8:50 ص

نشر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020