جذور السياسة المضطربة اليوم تعود إلى حد كبير إلى الشعور بأنه يتم التلاعب بالاقتصاد ضد أعداد كبيرة من الناس، وهم الذين يغلب علينا الآن أن نطلق عليهم البائسين.
هذا الشعور ليس بلا أساس، لا يتعين عليك أن تكون شعبويا لترغب في وجود اقتصاد أكثر إنصافًا ويعمل لمصلحة الجميع – في الواقع، لو عمل أنصار الوسط الجادين بصورة أفضل لضمان ذلك، لكان الشعبويون قد حققوا نجاحا أقل.
هناك جانب خاص في اقتصادات الدول الثرية لا يعمل جيدا لمصلحة الجميع، وهو يشمل نظامها الضريبي؛ فيما يلي ثلاثة مبادئ لكيفية تحسين عملية فرض الضرائب.
أولا، فرض الضريبة على الثروة، وفرضها بطريقة جيدة. هنالك عدد قليل من البلدان التي تفرض ضرائب على الثروة، وبعض البلدان التي تفرض الضرائب آخذة في الابتعاد عن ذلك.
مع ذلك، تفرض بعض البلدان ضريبة على الممتلكات، لكنها تفعل ذلك بطريقة سيئة للغاية. في المملكة المتحدة، يبدو أن هنالك زخما مرحبا به آخذا في التشكل – أخيرا! وراء السبب في إصلاح نظام ضريبي يفرض الضرائب على العقارات السكنية بمعدلات متناقصة مع ازدياد القيمة. يمكن لكل من حزبي العمال والمحافظين مساندة ذلك.
ليس هنالك نقص في المقترحات المتعلقة بكيفية تطبيق ذلك (ما نشرته Resolution Foundation في الأسبوع الماضي مثال قوي): يلزم بأن يكون المعدل الضريبي تدريجياً، وينبغي أن تكون القاعدة الضريبية دلالة على القيمة الحقيقية للعقار.
الإصلاح الضريبي الجيد يمكن أن يمضي أبعد من ذلك، فهو سيفرض الضريبة على صافي الثروة، وليس إجمالي الثروة، ويستهدف كل الثروة، وليس فقط العقارات.
وكلاهما ينطوي على الأسباب نفسها التي إلى حد كبير لا تناسب التدرج التصاعدي. يجب أن تُفرضَ على صافي الثروة، لأنه ينبغي فرض ضريبة أقل على شخص يمتلك منزلا قيمته نصف مليون جنيه، وعليه قرض عقاري بقيمة 400 ألف جنيه، من تلك التي تفرض على شخص يمتلك منزلا بقيمة 300 ألف جنيه وليس عليه قرض عقاري.
ويجب أن تُفرضَ على كامل الثروة، لأن الشخص الذي يمتلك محفظة استثمارية قيمتها مليون جنيه، يكون على الأقل قادرا على دفع ضريبة الثروة مثل الشخص الذي يمتلك منزلا بقيمة مليون جنيه ودون قروض.
في كلتا الحالتين، نظام فرض الضريبة على إجمالي الثروة العقارية متحيز ضد الشباب، الذين هم اليوم بحاجة كبيرة نسبيا إلى قروض عقارية لشراء مساكن مكلفة، وبالتالي تتبقى لديهم مبالغ أقل للاستثمار في أشكال أخرى من الثروة، معظم الصعوبات المزعومة المرتبطة بجباية صافي الثروة من كل الثروة أمور مبالغ فيها.
ثانيا: فرض ضريبة على الأشياء المؤذية. هنالك كثير من الأنشطة الاقتصادية التي تؤذي الآخرين، ومع ذلك لا تواجه عبئا ضريبيا بما يتناسب مع تلك التكلفة.
التلوث والازدحام المروري، اللذان يسببان مخاطر صحية وأعطالا زمنية، هما أمثلة على ذلك.
من هم الذين يعانون الآثار المترتبة على ذلك؟ بشكل غير متناسب، هم الذين لا يملكون المال الذي يخولهم إخراج أنفسهم من هذه الآثار، من خلال العيش في أماكن أنظف وأكثر اخضرارا، وذات وضع أفضل.
لذلك فإن الفشل في فرض ضريبة (وتنظيم) الأشياء المؤذية يغلب عليه أن يفرض العبء الأكبر على الذين هم أصلا في ظروف أسوأ.
وجود سياسة تنص على فرض ضريبة أكبر على التلوث والازدحام، والنظر فيها بمعزل عن غيرها، من شأنها بالتالي أن تعود بالفائدة بشكل غير متناسب على المساكين.
في حالة الملوثات العالمية مثل غازات الدفيئة (في حالات من هذا القبيل فحسب)، إن كانت ضريبة التلوث تؤدي إلى انتقال التصنيع إلى مناطق اختصاص ذات عبء ضريبي أقل، سيكون من المشروع النظر في فرض ضرائب حدودية – ضرائب تجارية يتم ترتيبها بهدف تسوية أرض اللعب في وجود الإغراق البيئي.
ثالثا: التأكد من أن الهيكل الضريبي لا يفرض عبئا على المساكين أكبر من العبء المفروض على الأشخاص الأفضل حالاً، في جميع البلدان الغنية هنالك دول ذات رعاية اجتماعية أكثر أو أقل كثافة، لا تزال تستند إلى الهياكل الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة، عندما تم تأسيسها وتثبيتها في الثلث الأوسط من القرن الـ 20.
هذا يعني، على وجه الخصوص، أنها كانت مصممة خصيصا لمجتمع يحظى بعمالة يسيطر عليها الذكور بصورة أو بأخرى. إلا أنها لا تناسب مجتمع اليوم حيث الأسرة والحياة العملية أكثر تنوعا، مع انتقال النساء والرجال ما بين أرباب العمل وأنواع العمل، وحتى إلى داخل وخارج النشاط الاقتصادي بشكل أكبر بكثير من قبل.
يتبين عدم التكافؤ في نوعين من التكاليف التي تفرضها دول الرعاية الاجتماعية بشكل غير متناسب، على الذين يعانون تراجعا في توزيع الدخل والمكانة بشكل أكثر حدة مما كانت عليه الحال سابقا.
أحد نوعي التكاليف هو أن المنافع (التي لا يحصل عليها إلا الأشخاص الذين يقل دخلهم عن مستوى معين) تفرض من الناحية العملية معدلات مرتفعة جدا من ضريبة الدخل الهامشي على أشخاص من ذوي الدخل المتواضع جدا – أعلى بكثير من المعدل المفروض على الأشخاص الذين يحققون أعلى المكاسب.
أما النوع الثاني فهو تكلفة مدفوعات (وغير مدفوعات) العوائد المضطربة وغير المتناسقة المفروضة على الذين يعانون أوضاع عمل غير منتظمة أو متغيرة.
التكلفة الأولى لا تلقى التقدير الكافي لأننا نادرا ما نتفهم نظام المنافع كجزء من النظام الضريبي. ينبغي علينا تفهم ذلك، وقيامنا بذلك سيسمح لنا أن نرى عبثية فرض الشريحة الضريبية الأكبر من الدخل الهامشي، الذي يحصل عليه الذين يؤدون أعمالا بمنتهى الجد مقابل أقل المكافآت. التكلفة الأخيرة ليست ضريبة، لكنها تعمل تماما كما لو أنها ضريبة.
لا ينبغي أن يكون أي من هذا بالأمر المفاجئ أو المثير للجدل، لكن لا يزال يحتاج الأمر لدرجة من التفكير الجذري لحل تلك المشكلات التي باتت معروفة.
أكثر الحلول وضوحا لنظام رعاية يتصرف وكأنه نظام ضريبي هو الأكثر إجحافا بحق البائسين من حيث الدخل، هو الدخل الأساسي الشامل.
حين نقرن المبدأ الثالث بالثاني، تتوافر لدينا الإمكانية غير المستخدَمة، وهي الاستفادة من فرض ضرائب أعلى على التلوث والازدحام لتمويل الدخل الأساسي الشامل – الضرائب البيئية التي من هذا القبيل ليست بحاجة للذهاب إلى الميزانية الحكومية ذات الصلة، لكن يجب تدويرها على الفور على أساس حصة الفرد.
هذا من شأنه أن يكافئ الذين يساهمون بقدر أقل من المتوسط – وهم في العادة من ذوي الدخول المنخفضة – وإنشاء مجموعة سكانية سياسية لمصلحة الضرائب التي تتمتع بكفاءة اقتصادية.
على سبيل المثال يطالب جيمس هانسِن بفرض “ضريبة على الكربون وعلى عوائد الأسهم” لمكافحة التغير المناخي.
الدرس العام المستفاد هو ما يلي: فيما يتعلق بالمبادئ الثلاثة، فإن تناوُل جرعة من الحلول الجذرية يمكن أن يكون له أثر كبير.
إضافة إلى ذلك، تغيير الهيكل الضريبي والنظر إلى نظام المنافع والنظام الضريبي على أنهما جزء من كل، ولا داعي لأن ينطوي على حصة مختلفة كثيرا للدولة من الاقتصاد.
ينبغي أن يكون هناك شيء في هذا المقام لكي تتفق عليه الأحزاب من يمين الوسط ويسار الوسط – من أجل استعادة ثقة الناخبين بهم، بعيدا عن التحديات الهامشية ذات الصلة.