الاقسام: عقار

مؤشر “الاقتصادية” العقاري: تراجع عدد الفلل المباعة بنحو – 34.5 %

عبدالحميد العمري

الأداء السنوي للسوق العقارية خلال 1435هـ

قيمة صفقات السوق العقارية

أنهت السوق العقارية السعودية نشاطها خلال عام 1435 على قيمة صفقات إجمالية بنحو 440.5 مليار ريال، مسجلة نسبة ارتفاع مع عام 1434 بلغت 13.4 في المائة، توزعت بين القطاع السكني بنسبة 64.9 في المائة (286 مليار ريال)، ونسبة 35.1 في المائة لصالح القطاع التجاري (154.5 مليار ريال).

وتنشر «الاقتصادية» اليوم من خلال صفحتها الأسبوعية «مؤشر الاقتصادية العقاري» تقريرا عن عام 1435هـ كاملا الذي ينشر للمرة الأولى ويعد الأكبر «تحليلا وقراءة» على مستوى السعودية.

وبالنظرِ إلى الصفقات على مستوى أنواع العقارات، يلاحظ استحواذ صفقات قطع الأراضي على 89.0 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات، بقيمة إجمالية وصلت إلى 392.2 مليار ريال، ونمو سنوي في قيمتها بنسبة 12.2 في المائة. تلاها الصفقات على الأراضي الزراعية، التي سجلت ارتفاعا سنويا بلغت نسبته 40.4 في المائة، لتصل إلى أعلى من 21.9 مليار ريال، شكّلت نحو 5.0 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات، ما يعني أن مجموع الصفقات على الأراضي (قطع، زراعية) بلغ بنهاية العام أعلى من 414.1 مليار ريال، شكّلت مجتمعةً نحو 94.0 في المائة من إجمالي قيمة صفقات السوق.

أما على مستوى المنتجات الإسكانية (بيت، شقّة، عمارة، فيلا)، فقد سجلت صفقاتها تراجعا سنويا بلغت نسبته – 0.8 في المائة، لتستقر عند 19.9 مليار ريال بنهاية 1435، مقارنةً بنحو 20.1 مليار ريال المسجلة خلال العام الأسبق، كما لم تتجاوز نسبة الصفقات على المنتجات الإسكانية سقف 4.5 في المائة من إجمالي صفقات السوق، علما أنها نسبة أدنى من مثيلتها المسجلة خلال العام الأسبق، التي وصلت إلى 5.2 في المائة.

تعد التوزيعات النسبية المقارنة للصفقات حسب أنواع العقارات، أحد أبرز المؤشرات التي تكشف عن توجهات وتحركات السيولة داخل السوق، وبالنظر إلى ما كشفته المقارنات طوال الأعوام السابقة، بل إنها تؤكد على زيادة تركز السيولة المدارة على تداولات الأراضي (قطع، زراعية)، حيث لم تكن تتجاوز نسبتها قبل ستة أعوام نسبة 89.0 في المائة من إجمالي قيمة صفقات السوق، إلى أن وصلت في الوقت الراهن إلى نحو 94.0 في المائة من الإجمالي.

تفيد مراقبة مثل تلك المؤشرات في التعرّف على ماهية نشاط السوق العقارية، وكما يتبيّن أنّ الانتعاش الظاهر على صفقات السوق وارتفاع قيمها عاما بعد عام، يتضمن في تفاصيله حقيقة تتنافى مع ذلك الانتعاش المخادع، ذلك أنه يعكس في حقيقته زيادة وانتعاشا في جانب المضاربات المحمومة على الأراضي، زادت توجهاتها خلال العامين الماضيين على الأراضي الزراعية، حتى أصبحت تستحوذ على النسبة الأكبر من قيم صفقات السوق، ما أفضى عبر تلك السنوات إلى ارتفاع الأسعار بوتيرة تجاوزت كل المعطيات الاقتصادية، لعل من أبرزها النمو السنوي لكل من الاقتصاد الوطني والسيولة المحلية، انتقلتْ آثاره التضخمية إلى بقية أسعار الأنواع الأخرى من العقارات، في مقدمتها المنتجات الإسكانية التي ارتفعت خلال الفترة بنسب وصلت إلى 138 في المائة (أكثر من ضعف السعر)، وامتدت آثاره التضخمية إلى التأثير على مختلف الأنشطة الاقتصادية محليا. وبالنظر إلى قيم الصفقات على المنتجات الإسكانية، يتبين أن مسارها الهابط يعكس ركودا في نشاطها، بدأ منذ عامين مضيا، اختفى ملاحظته تحت زخم سيطرة المضاربات المحمومة على أغلب تداولات السوق، التي تركزت كما كشفت بيانات وزارة العدل على الأراضي تحديدا، أسهم في عدم مشاهدته الغياب التام لمعلومات السوق العقارية حتى ما قبل رمضان 1435 الماضي، الذي شهدت بعده السوق على مستوى نشر المعلومات التفصيلية والمنتظمة تحولا جذريا، مهد للكشف الدقيق عن كل صغيرة وكبيرة تتم في السوق. تأتي أهمية وجود مثل تلك المعلومات المنتظمة بالدرجة الأولى، في كونها أحد أدوات التصدي لممارسات التضليل والتلاعب في الأسعار، التي يتورط في جرائمها أطرافا ذات علاقة بالسوق، أخضعت تحت تأثير مطامعها التي ليس لحدودها سقف تقف عنده كل مقدرات السوق العقارية، والاقتصاد الوطني بصورة أعم.

أعداد العقارات المباعة في السوق العقارية

ارتفع إجمالي العقارات المباعة خلال عام 1435 إلى أعلى من 342.9 ألف عقار، مسجلا نسبة ارتفاع سنوي بلغت 10.6 في المائة، أستأثر القطاع السكني بالحصة الأكبر منها، حيث ارتفع بنسبة 11.1 في المائة، ليصل إلى 282.1 ألف عقار، شكل 81.9 في المائة من إجمالي العقارات المباعة في السوق خلال العام، كما ارتفع عدد العقارات المباعة في القطاع التجاري بنسبة 8.2 في المائة، ليصل إلى نحو 60.9 ألف عقار مباع، مشكّلا نحو 17.7 في المائة من إجمالي العقارات المباعة في السوق خلال العام. وكما استحوذت الأراضي على صفقات السوق العقارية، فقد امتدت أيضا سيطرتها إلى أعداد العقارات المباعة خلال العام، وصلت مجتمعة إلى 317.1 ألف عقار مباع، مشكلة نحو 92.5 في المائة من الإجمالي، مسجلةً ارتفاعا سنويا بلغ 10.9 في المائة. في حين سجلت العقارات المباعة من المنتجات الإسكانية (بيت، شقّة، عمارة، فيلا) نموا سنويا بلغ 7.6 في المائة، لتصل إلى 24.7 ألف عقار مباع، مشكلة ما نسبته 7.2 في المائة من إجمالي العقارات المباعة في السوق خلال العام، علما أن بندي العمائر والفلل تحديدا سجلا تراجعا سنويا بلغت نسبته – 21.7 في المائة و- 34.5 في المائة على التوالي، فيما تأتى النمو المتحقق من الارتفاع في أعداد البيوت والشقق المباعة خلال العام، اللذين سجلا نموا سنويا بلغت نسبته 110.7 في المائة و25.5 في المائة على التوالي.

مساحات الصفقات في السوق العقارية

ارتفعت مساحات صفقات السوق العقارية خلال عام 1435 بنسبة قياسية، وصلت إلى أعلى من 3.6 مليار متر مربع، مسجلةً نسبة ارتفاع سنوي قياسي بلغ 157.7 في المائة، أتى التأثير الأكبر لهذا الارتفاع من الارتفاع القياسي الذي شهدته مساحات صفقات القطاع التجاري، حيث ارتفع بنسبة سنوية بلغت 260.7 في المائة، لتصل إلى 2.7 مليار متر مربع، شكلت نحو 73.9 في المائة من إجمالي مساحات صفقات السوق، ويعزى هذا النمو القياسي في حجم مساحات القطاع التجاري إلى الارتفاع غير المسبوق في مساحات صفقات الأراضي الزراعية، التي ارتفعت خلال العام بأعلى من 370.3 في المائة، من نحو 453.4 مليون متر مربع خلال 1434 إلى أعلى من 2.13 مليار متر مربع، لتشكل منفردة من إجمالي مساحات صفقات السوق خلال العام بأكمله نحو 59 في المائة.

بالنسبة لمساحات صفقات القطاع السكني، سجلت بدورها ارتفاعا سنويا قياسيا لكنه أدنى من المسجل في القطاع التجاري، حيث ارتفعت خلال العام بنسبة وصلت إلى 42.5 في المائة، ليصل إجمالي مساحات صفقات القطاع 942.4 مليون متر مربع، شكل 26.1 في المائة من إجمالي مساحات صفقات السوق خلال العام.

وعلى مستوى التوزيع النسبي لمساحات صفقات السوق وفقا لأنواع العقارات، ستبدو الصورة هنا أكثر وضوحا، وأكثر انكشافا على خفايا تعاملات السوق العقارية والتشوهات التي تتغلغل داخلها، حيث تكشف البيانات المنشورة من قبل وزارة العدل في هذا الخصوص عن استحواذ الأراضي (قطع، زراعية) على 99.4 في المائة من إجمالي مساحات صفقات السوق طوال العام، وهي ذات النسبة المحافظ عليها طوال تعاملات الأعوام الماضية منذ 1430 وفقا لما هو منشور على موقع وزارة العدل. في المقابل لم تتجاوز مساحات الصفقات الخاصة بالعقارات المباعة من المنتجات الإسكانية (بيت، شقّة، عمارة، فيلا) نسبة 0.18 في المائة، أي ما لا تتجاوز مساحاته 6.52 مليون متر مربع!

تطورات السوق العقارية على مستوى المحافظات

استحوذت منطقتا الرياض ومكة المكرمة على الحصة الأكبر من نشاط السوق العقارية، فبالنسبة لحجم الصفقات حلت منطقة مكة المكرمة في المرتبة الأولى بنحو 154.6 مليار ريال (35.1 في المائة من الإجمالي)، فيما جاءت منطقة الرياض في المرتبة الثانية بأعلى من 151.1 مليار ريال (34.3 في المائة من الإجمالي)، وجاءت في المرتبة الثالثة المنطقة الشرقية بأعلى من 64 مليار ريال (14.5 في المائة من الإجمالي).

أما على مستوى عدد العقارات المباعة خلال عام 1435، فجاءت منطقة الرياض في المرتبة الأولى بأعلى من 110.7 ألف عقار مباع (32.3 في المائة من الإجمالي)، ثم منطقة مكة المكرمة في المرتبة الثانية بنحو 63.2 ألف عقار مباع (18.43 في المائة من الإجمالي)، وأخيرا في المرتبة الثالثة المنطقة الشرقية بنحو 62.98 ألف عقار مباع (18.36 في المائة من الإجمالي).

وبالنسبة إلى التطورات على مستوى مساحات الصفقات العقارية حسب المناطق، حلت بصورة لافتة منطقة حائل في المرتبة الأولى باستحواذها على ما يقارب 1.5 مليار متر مربع من مساحات صفقات السوق (41.0 في المائة من الإجمالي)، ويبدو أن ارتفاع الصفقات على الأراضي (قطع، زراعية) في المنطقة خلال العام المنصرم، كان وراء هذا التقدم الكبير للمنطقة على غيرها من المحافظات، ويمكن للقارئ الكريم التعرف على التفاصيل الكاملة لهذه الصفقات القياسية عبر الموقع الإلكتروني لوزارة العدل. جاء منطقة الرياض في المرتبة الثانية بمساحات تجاوزت 994.3 مليون متر مربع (27.5 في المائة من الإجمالي)، وفي المرتبة الثالثة حلت منطقة القصيم بمساحات ناهزت 455.2 مليون متر مربع.

أما على مستوى أسعار العقارات في مختلف المحافظات الإدارية خلال عام 1435، فيما يتعلق بأسعار الأراضي، جاءت منطقة مكة المكرمة في المرتبة الأولى بسعر 2.7 مليون ريال لقطعة الأرض الواحدة، تلتها منطقة الرياض بسعر 1.4 مليون ريال لقطعة الأرض الواحدة، فمنطقة المدينة المنورة في المرتبة الثالثة بسعر 1.24 مليون ريال لقطعة الأرض الواحدة. وعلى مستوى أسعار الفلل، احتلت منطقة الرياض المرتبة الأولى بسعر 1.51 مليون ريال للفيلا الواحدة، تلتها منطقة مكة المكرمة بسعر 1.43 مليون ريال للفيلا الواحدة، ثم منطقة المدينة المنورة في المرتبة الثالثة بسعر تجاوز 1.36 مليون ريال للفيلا الواحدة. أخيرا على مستوى أسعار الشقق، احتلت منطقة المدينة المنورة المرتبة الأولى بسعر 716.8 ألف ريال للشقّة الواحدة، تلتها منطقة مكّة المكرمة بسعر 651.5 ألف ريال للشقّة الواحدة، وحلت المنطقة الشرقية في المرتبة الثالثة بسعر 604.2 ألف ريال للشقّة الواحدة.

مفارقات تكشف التشوهات الخطيرة بالسوق العقارية

بالنظر إلى هذه المفارقات اللافتة في تعاملات السوق العقارية، سواء على مستوى التوزيع النسبي لقيم الصفقات أو المساحات، فلا أقل من القول تجاهها إلا أنها هي المؤشرات الحقيقية التي تكشف عن عمق الاختلالات والتشوهات المتجذرة داخل أروقة السوق العقارية، التي كانت مخفية تماما طوال الأعوام التي سبقت عدم توافر البيانات والمعلومات اللازمة حول نشاط السوق، تلك التشوهات التي يتضح للجميع وقوفها كأخطر العوامل التي أدت إلى افتعال الأزمة العقارية والإسكانية لدينا، وأن معالجة وإصلاح أوضاع السوق التي امتدت مخاطر تشوهاتها إلى ما نشهده في الوقت الراهن من أزمات اقتصادية ومالية نتيجة تضخم أسعار الأصول العقارية، وكما تثبت البيانات الرسمية أعلاه، أنها تقف فوق مستويات مرتفعة جدا يمكن التعبير عنها دون تردد بأنها فعليا تمثل فقاعةً سعرية وصلت إلى أقصى حدود الخطر على مقدرات البلاد والعباد، ما يقتضي بدوره من الأجهزة الحكومية التنفيذية ذات العلاقة سرعة العمل على اتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بتصحيح هذه التشوهات، لعل من أبرزها: 1- إقرار الرسوم (الغرامات) على الأراضي المحتكرة كما حمله مشروع وزارة الإسكان أخيرا. 2- سرعة تطبيق الزكاة على الأوعية العقارية التي صدر نظامها الجديد. 3- اقتراح فرض رسوم على صفقات المتاجرة في الأراضي للفترات (أقل من عام، أقل من عامين، أقل من ثلاثة أعوام، أقل من أربعة أعوام، أقل من خمسة أعوام)، فتكون الرسوم متدرجة في الانخفاض كلما زادت فترة التملك، تلك الفترة التي ستواجه من جانب آخر قيود الرسوم المقررة على عدم إحياء وتطوير الأراضي. 4- أن تقوم الدولة بنزع ملكية الأراضي ذات المساحات الشاسعة التي لم تستغل في الأوجه المشروعة لتطويرها وإحيائها، خاصة (أراضي المنح) بمساحات هائلة، التي تعد أحد أبرز أسباب ما وصلنا إليه من أزمة عقارية وإسكانية.

إن السماح بديمومة هذه التشوهات، أو تأجيل الحلول اللازمة لمعالجتها، يعد أمرا بالغ الخطورة! وتزداد درجات أخطاره إلى الحدود القصوى مع بدء تنفيذ الأنظمة واللوائح التنفيذية للتمويل العقاري، المزمع بدء العمل بها مطلع الأسبوع القادم. ذلك أن انكشاف القطاع المالي (الجانب التمويلي) على السوق العقارية لم يصل بعد إلى درجة مرتفعة من الارتباط، ولكن بعد تطبيق تلك الأنظمة ستزداد عاما بعد عام درجة الارتباط والانكشاف على حد سواء بين الجانبين، وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف يمكن تصور العلاقة بين قطاعين أو سوقين، الأول ممثلا في القطاع المالي (التمويلي) نراه يخضع لأحدث الأنظمة واللوائح التنفيذية والرقابة الصارمة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، وفي الوقت ذاته تشاهد السوق العقارية تعيش حالة مفجعة جدا من عدم التنظيم والرقابة والإشراف؟ أيهما قد يصلح الآخر؟ أو أيهما قد يفسد الآخر؟

هل تظن مؤسسة النقد أو غيرها من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالقطاع المالي (التمويلي)، أن مواد أنظمة ولوائح التمويل العقاري على ما حملته من تحوطات حازمة جدا (تستحق الإشادة)، كفيلة عبر الأعوام القادمة بدرء مخاطر أية انهيارات سعرية أو حتى تقلبات قد تشهدها السوق العقارية مستقبلا من الانتقال بآثارها المدمرة إلى القطاع المالي؟ يجب أن تدرك مؤسسة النقد وغيرها من الأجهزة المالية والاقتصادية، أن الأزمات المالية ليست فقط الأزمة المالية العالمية 2008، وأن الأزمات تتكرر عبر قنوات تمهد لها فترة من الزمن، ثم تنفجر فجأة في وجه الأسواق والاقتصادات دون أي قدرة لدى الجهات المعنية بها للسيطرة عليها!

لو أن الأزمات المالية والاقتصادية تتشابه بهذه الصورة (المبسطة) لما شهد العالم بأسره هذه الأزمات تتكرر بوقعها الخطير على أقل تقدير مرة أو مرتين كل عقد من الزمن! ولو أنّ الأمور على هذا النحو من التحوط، الذي قد يعتقد أنه كفيل بالتصدي لأي أزمة مالية أو اقتصادية سبق التعرف على مسبباتها، لكنا جميعا حول العالم شهدنا اقتصادا عالميا مزدهرا متناميا عاما بعد عام، دام أن الدروس من الأزمات السابقة أصبح مدونا في الأنظمة المالية والاقتصادية. إلا أن ما يحدث هو العكس تماما، فكلما تفجرت أزمة في عالم المال والاقتصاد على الرغم من كل تلك التحوطات، إلا أن العالم سرعان ما يصطدم بأزمة أكبر وأدهى من سابقتها. ويتملكك العجب أكثر، أن الفترات الزمنية بين تلك الأزمات المتكررة تراه يتقلص جيلا بعد جيل.

المخاطر مستقبلا أكبر من الفرص

أعتقد جازما أن من كان يعتقد بأن الأزمة العقارية والإسكانية في بلادنا أساسها (أزمة تمويل)، عليه بعد انكشاف حقائق السوق العقارية لدينا، والتشوهات التي تعاني منها بصورة لا يوجد أي بلد في العالم المعاصر اليوم تعرض على أقل تقدير لـ 1.0 في المائة منها، أؤكد أن عليه مراجعة الأسس التي بنى عليها رأيه. والأهم في هذا الخصوص تحديدا، هي الأجهزة الحكومية المعنية بالسوق العقارية، التي أصبح لزاما عليها وفي مقدّمتها كل من وزارات الإسكان والمالية والتخطيط والاقتصاد والتجارة والصناعة ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، أن تعيد تلك الأجهزة النّظر في تشخيصها لأوضاع السوق العقارية بناء على ما توافر من وزارة العدل من معلومات موثقة، وأن ما تعاني منه السوق العقارية، وما جلبت معه من مآس وأزمات على مستوى الوطن والمواطن، كان مصدره بعيدا عن الفكرة السطحية (أزمة التمويل)، ويكفي القول هنا، إن استدامة أقطاب السوق العقارية في الهواء الطلْق الذي يتمتعون به في الوقت الراهن، من عدم الرقابة والإشراف على السوق، وسقوط أية أعباء أو تكاليف عن كاهلهم مهما احتكر بعضهم مئات الملايين من الأمتار، حتى وإن كانت وسط المدن والأحياء والمحافظات، ومهما انتقلت ملكية تلك الأراضي الشاسعة المساحات بين عشرات الملاك والمضاربين والسماسرة، أقول مؤكدا أن الحل المتمثل فقط في (التمويل) كما يعتقد الكثير، سيتحول إلى مجرد (حطبٍ) يقذف به داخل فرن الأسعار الملتهبة كما نشهده اليوم.

لقد أغضب كثيرا (تجار التراب) ما حمله نظام التمويل العقاري من اشتراط دفع المشتري لـ 30 في المائة من قيمة التمويل، فيما يتحمل الممول 70 في المائة من ثمن العقار! لقد أغضبهم أكثر مما أغضب الأفراد اللاهثين خلف حلم تملّك منزل العمر. وكما نرى ونسمع عبر مختلف وسائل الإعلام، ترتفع أصوات (تجار التراب) التي تطالب مؤسسة النقد بإلغاء أو تخفيض هذه النسبة! هل يا ترى هو لأجل خدمة الأفراد كما تزعم تلك الأصوات؟ أم لأنهم يدركون تمام الإدراك أن الأسعار التي وصلت إليها السوق العقارية، أصبحت تغرد خارج سرب الاقتصاد بأكمله، لا فقط خارج قدرة الفرد ذي الدخل المحدود.

سيمارس أشد أنواع الضغط على مؤسسة النقد للعمل على تغيير هذا الشرط أو تخفيضه، فإن استجابت لتلك الضغوط، فعليها أن تتهيأ من الساعة الأولى التي تلبي فيها تلك المطالبات للأزمات القادمة، وحينها (لا قدر الله) ستجد نفسها وحيدة في مواجهة ما كانت تخشى واحد في المليون من خطره. وكم كان مأمولا لو تم العمل المشترك بين مختلف تلك الأجهزة الحكومية على تنظيم السوق العقارية قبل أن يتم تدشين أنظمة التمويل العقاري، أو على أقل تقدير أن يكون العمل جرى بالتزامن بين المسارين، ولكن للأسف لم يحدث أي من ذلك شيء. بل كان لافتا جدا أن ترى تعاطي تلك الأجهزة الرسمية مع الأزمة العقارية والإسكانية قريبا جدا من تعاطي الأفراد، الأطراف الذين يعانون من قلة الحيلة والموارد وصلاحية اتخاذ القرار!

يؤكد كل ذلك ما حملته التصريحات الإعلامية التي صدرت عن أكثر من وزير ومسؤول في مختلف تلك الأجهزة الحكومية، بل إن بعضها وصل إلى درك متدنٍ جدا من الطرح غير الملم على الإطلاق بأبعاد وعمق الأزمة التي يحاول عبثا اقناع الرأي العام بها، أدى تراكمها لاحقا ومع عجز تلك الأجهزة عن تقديم حتى حل واحد لأي مشكلة أو معضلة تنموية يعاني منها الأفراد، أقول أدى إلى زيادة التفاؤل لدى معسكر المستفيدين (تجار التراب) من التشوهات الجاثمة على السوق العقارية، وفي الوقت ذاته أفقد المجتمع على مختلف شرائحه الأمل والثقة في أن يتم إيجاد حلٍ ناجع لهذه الأزمة المفتعلة، التي لا يشارك المواطنون أي طرف آخر من الأطراف ذات العلاقة في دفع ثمنها الباهظ.

المستقبل يحمل فصولا من التحديات تختلف كثيرا عما سبق، سواء في منظور العقد الماضي، أو حتى في منظور عقود التنمية الفائتة، فالاحتياجات التنموية للمجتمع السعودي تنامت كثيرا، منها ما كان متأخرا لم يجد السياسات والبرامج التي تلبيها، ومنها ما يستجد عاما بعد عام بالتزامن مع النمو السكاني، وارتفاع مستوى التعليم والتطلعات لدى الأفراد. كل هذه المتغيرات ستسير جنبا إلى جنب مع احتمالات استمرار تراجع مستويات سعر النفط في الأسواق العالمية، وأثره السلبي دون شك على التدفقات الداخلة على الميزانية العامة، مقابل تنامي فاتورة النفقات الداخلية، ما قد يؤدي إلى عودة العجز المالي للميزانية بعد عقد أخضر خصب من الوفر المالي بتريليونات الريالات.

إنه إطار عام للصورة التي قد يغدو عليها مستقبلنا للأعوام القادمة، فهل كنا على استعداد كاف ولا أقول تام له؟ الواقع للأسف يقول غير ذلك، إن بلغة الإحصاءات الرسمية، أم بلغة المنجز المشاهد على أرض الواقع، أم بلغة التحديات الجسيمة التي نواجهها اليوم ولا تقف عند السوق العقارية، فهي تمتد إلى سوق العمل، والواقع الاجتماعي، ومختلف أشكال التنمية من صحة وتعليم وخدمات بلدية واستهلاك مفرطٍ للطاقة الناضبة وغيرها كثير، أؤكد أن جميع تلك الأوجه من الاعتبارات تجيب أننا لم نكن على استعداد كاف على أقل تقدير، فلا تبعدك الأحلام لتزعم القول إنها كانت تامة.

ختاما…

من المهم القول في ختام هذا التقرير، إن التحديات الجسيمة في الوقت الراهن على مستوى السوق العقارية، لا ولن تقف عند هذا الحد من الخطر! بل إنها قد تتفاقم كلّما تأخّرتْ الإجراءات والتدابير اللازمة للتصدي لها بحزم وجدية، وإذا كان المتضرر الأكبر من تلك التشوهات طوال الأعوام الماضية هو المواطن وأسرته فقط، فإن المستقبل القادم تحت تدشين العمل بأنظمة الرهن العقاري، وتحت مظلة تأخر الحلول الفاعلة لمعالجة (جواثيم) السوق العقارية، وخلع ما كبلوه بها (تجار التراب) من قيود ومعوقات وأغلال، يشير إلى ما هو أسوأ! فهذه المرة سيكون القطاع المالي (القطاع الأهم في أي اقتصاد) في ذات الخندق مع المواطن المتمول منه، ولا أظن على الإطلاق أن الاكتفاء بالعقوبات التي وضعتها أنظمة التمويل على المتعثرين عن السداد من غرامات مضاعفة وسجن من جهة، ومن جهة أخرى التأمين على القروض العقارية، وتغطية رؤوس أموال شركات التمويل العقاري، ستكون كافية لإنقاذ القطاع المالي من مهددات استقراره المحتمل تدفقها عليه كسيل العرم من السوق العقارية.

أضف إليها الحلول المكلفة جدا، التي يحاول العديد ممن يفتقرون إلى أبسط المعلومات حول السوق، المتمثلة بضخ عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، دون أي مساسٍ بواقع التشوهات الراهنة، على أن البيانات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات (عدد الأسر) وهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج (عدد الوحدات السكنية)، تبين المقارنات أن سوق الإسكان لا تعاني من أي عجز في المساكن، بقدر ما أنها تتمتع بفائض كبير في عدد الوحدات السكنية على مختلف أنواعها (تحديدا الشقق، والفلل)، يقدر بلوغه بنهاية العام الجاري إلى 635 ألف وحدة سكنية، وهو ما يفسره واقعا الكثرة المفرطة لانتشار لوحات عروض بيع المساكن في طول وعرض شوارع المدن والأحياء!

ينبغي وضع أولوية معالجة التشوهات في السوق العقارية، فتكون مقدمة على التهور في طريق ما تقدم ذكره من حلول، لا أجد وصفا يليق بها أفضل ممن كأنه يضع العربة أمام الحصان! فلا بد من العمل المشترك بين مختلف الأجهزة الحكومية على البدء الفوري فيما تمت الإشارة إليه أعلاه، من 1 – إقرار الرسوم (الغرامات) على الأراضي المحتكرة كما حمله مشروع وزارة الإسكان أخيرا. 2 – سرعة تطبيق الزكاة على الأوعية العقارية التي صدر نظامها الجديد. 3 – اقتراح فرض رسوم على صفقات المتاجرة في الأراضي. 4 – قيام الدولة بنزع ملكية الأراضي (تحديدا أراضي المنح) ذات المساحات الشاسعة ولم يتم تطويرها ولا إحياؤها. والله ولي التوفيق

المصدر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020