في عالم يشهد انقسامًا بشأن كيفية التعامل مع مشكلات خطيرة مثل الإرهاب والهجرة والتجارة الحرة وتغير المناخ، تتفق الحكومات على الأهمية العاجلة لحل ما يبدو أنه المشكلة الكبرى من بينها، وهي، توفير سكن آمن جيد الموقع، ويمكن تحمل تكلفته لمليارات البشر الذين يحتاجون إليه.
بل هناك اتفاق على الخطوات الأساسية نحو ذلك الهدف، تحسين إدارة الأراضي وانتهاج سياسات حيازة أكثر حيادية. وهناك أيضا إجماع على أن الحكومة لا يمكن أن تتحمل الفاتورة وحدها.
فوفقًا لمؤسسة ماكينزي للاستشارات، تبلغ التكلفة السنوية لملء فجوة الإسكان العالمية 1.6 تريليون دولار وهي ضعف تكلفة الاستثمارات العالمية التي تحتاج إليها البنية التحتية العامة لمواكبة نمو إجمالي الناتج المحلي، وبينما نقترب من الذكرى الـ70 لإعلان الإسكان أحد حقوق الإنسان العالمية في عام 2018، فإن الوقت قد حان لتنتقل الحكومات إلى حل واضح لسد فجوة الإسكان التي تستمر في تجاهلها والتي ستعرضها لمخاطر جمة:
تمويل طويل الأجل للأسواق، فمن دون زيادة رؤوس الأموال الخاصة زيادة كبيرة، ستستمر فجوة الإسكان في الاتساع، وكذلك ستزيد احتمالات ظهور الاستياء والسخط الاجتماعي.
إننا نقترح التركيز على مصدرين غير تقليديين لرأس المال، أصحاب المنازل الحاليون الذين يعيدون تأهيل منازلهم ويوسعونها بما يوجد حلول إسكان جديدة، ومستثمرو القطاع الخاص. فحتى في أشد بلدان العالم فقرا، يستثمر أصحاب المنازل في الإسكان 30 مرة أكثر مما تستثمره حكوماتهم. وتشكل المساكن من 50 في المائة إلى 90 في المائة من ثروتهم.
وأصبحت أيضا مصدرا رئيسا للدخل، ففي المكسيك، على سبيل المثال، يملك الأفراد 70 في المائة من مجموع الوحدات المخصصة للإيجار. ومن مصادر الاستثمار الأخرى غير المستغلة رؤوس الأموال الخاصة.
فعلى سبيل المثال، في أعقاب الأزمة المالية في 2008، اشترت مجموعة بلاكستون، إحدى كبريات شركات الأسهم الخاصة نحو 50 ألف منزل بإجراءات نزع الملكية. وأصبحت الشركة التي يقع مقرها في نيويورك أكبر مالك للمنازل من القطاع الخاص في الولايات المتحدة، ووفرت بذلك فرص تأجير لآلاف الأسر.
وفي الوقت الحالي، ورغم ذلك، فإن مخاطر الاستثمار في الإسكان في البلدان النامية بالنطاق والأسعار اللازمين لخدمة من هم في أمس الحاجة إليه عالية لدرجة تحول دون القيام به.
علاوة على ذلك، فإن بعض السياسات المستحسنة للأسواق الناشئة مثل، حظر عمليات الإخلاء والشراء الإجباري من قبل الدولة للأراضي الخاصة غير المطورة من شأنها أن تفاقم المشكلة التي يعتزمون حلها، وعلى ذلك، نقترح ثلاثة بدائل مثمرة على نحو أكبر للبدء في تغيير اتجاه سياسات الإسكان: أ) الحد من المخاطر المفرطة لزيادة الإمدادات.
عادة ما تعكس الموارد غير الكافية المخصصة للإسكان في الأسواق الناشئة مخاطر مفرطة للمستثمرين بسبب أوجه القصور في حقوق الملكية، وأوجه القصور في الحصول على أراض قابلة للتطوير، والتضخم الهائل، إلخ.
والحل هو انتهاج سياسات من شأنها أن تحد من المخاطر وتضيف حوافز بسيطة للمستثمرين، مثل الأرباح الخاصة بالكثافة أو أرباح الدخل المتفاوت، وذلك لتشجيع إنتاج مساكن ميسورة التكلفة، أي التوجه نحو “خفض السوق، بوضع لوائح ذكية لاحتواء الفوائض، مثل الإقراض المجحف، ونزع الملكية غير الضروري، والمضاربة، وينبغي أن يحقق نزع الملكية والإخلاء التوازن بين مصالح كل من المقترض والمقرض.
ويمكن للضرائب على العقارات والمضاربة أن تحد من انتهاكات السوق وترفع في الوقت نفسه العوائد للمساكن ميسورة التكلفة. وإعادة التوازن لسياسات الإسكان. ففي حين أن التملك قد يكون أمرا جيدا لكثير من الناس، فهو ليس بالضرورة مناسبا للجميع. ومع ذلك، ففي كثير من بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فإن معظم ميزانيات دعم الإسكان تشجع حاليا تملك المنازل.
أما الخبر السار فهو أن بلدانا عديدة من بينها شيلي والمكسيك وأوروجواي بدأت تجارب بشأن سياساتها المشجعة للتأجير، وصارت مستعدة لتوسيع نطاقها، وهناك بديل آخر هو تقديم حوافز للتوسعات الآمنة وإعادة تأهيل العقارات القائمة في أحياء المدن بتزويدها بالخدمات العامة.
ومن شأن هذه الجهود أن تساعد على سد فجوة المساكن من خلال تشجيع الاستخدام الأكثر كفاءة للأراضي وتعزيز أسواق الإيجار، بإمكاننا بل يجب علينا أن نوجد وضعا يفيد الجميع من أجل الفقراء، وكذلك من أجل أصحاب العقارات.
إن تقديم الدعم لإعادة التأهيل وللسياسات الأخرى التي تشجع التأجير ووحدات الإسكان الجديدة سيوجد سوقا جديدة شاملة وأقل تعرضا للمخاطر للمصارف والاستثمارات الخاصة، وفي الوقت نفسه تضمن الحق في مسكن آمن ميسور التكلفة للمليارات من المحتاجين، غير أننا في حاجة إلى أن نعترف ونتكيف مع حقيقة أن الإسكان ليس واحدا مما يلي بل هو كل ما يلي:
سلعة اقتصادية، وبيت، وحق من حقوق الإنسان، وأحد عناصر توفير النظام الاجتماعي، وأحد الاستخدامات التنافسية للأراضي في المدن. وبعد عقد من الأزمة المالية، حان الوقت لأن نتوقف عن إلقاء اللوم على مستثمري القطاع الخاص ونرحب بهم في سوق عقارية أفضل تنظيمًا.
نعم، كان هناك كثير من الأمور المالية التي تنطوي على غش وتحايل في جذور أزمة 2008؛ لكن الاستثمار الخاص ليس شرا بالضرورة، دعونا لا نجمع السمين مع الغث.