عقار

لماذا اخترنا الأصعب؟

جمال بنون

قبل عامين حينما أرادت وزارة الإسكان تحديث بيانات المتقدمين لطلب منتجات الإسكان من قرض أو أرض أو سكن جاهز، وقتها خرج السعوديون عن بكرة أبيهم لتعبئة هذه الاستمارات، وتم بسلاسة وسهولة غير معهودة، وذلك عن طريق الإنترنت وتطبيقات الهاتف الجوال، وبهذه الطريقة استطاعت وزارة الإسكان أن توفّر على الناس مشقة الوصول إلى فروعها ومكاتبها، أو حتى توكيل أحد أقارب المستفيدين.

بـ«ضغطة زر» أنجز السعوديون تحديد اختياراتهم. وهم وبالملايين منهم النساء وكبار السن والمكفوفون والمعوّقون.

بالفعل كان أحد الإنجازات التقنية الرائعة التي أسهمت في إنجاز معاملات الناس. والحال نفسها أيضاً بقية الخدمات الحكومية، معظمها ينجز وأنت جالس في مكانك، وهذه واحدة من برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية، وتتنافس عليها الدول لتبلغ مراكز متقدمة لتسهيل الإجراءات على الناس.

العام الماضي حينما أعلنت هيئة الاتصالات قرار استخدام البصمة شرطاً إلزامياً للحصول على الخطوط والخدمات المقدمة من مشغّلي قطاع الاتصالات، فرحنا كثيراً، لأنها ستحد من الاستخدام السيئ من قبل المتطفلين، وحتى من بعض الذين يختفون خلفها من إرهابيين ومضللين، وخصوصاً أن شركات الاتصالات هي من خلقت هذه الفوضى، إذ كانت تباع شرائحها في الطرقات والشوارع وفي محطات البنزين، من خلال عمالة لا تحمل أية هوية أو تطلب أي أوراق ثبوتية، هدفها تسويق وبيع أكبر كمية، حتى بلغ سعر الشريحة في السوق، خمسة وعشرة ريالات، ومن الممكن أن تشتري ثلاث شرائح بعرضٍ مغرٍ، بالله عليكم أليس هذا أمر فوضوي، وقتها لم تتحرك أية جهة لوقف هذه الفوضى، بل كنا نفرح أن الشرائح رخيصة وفي متناول الجميع، مثلما تشتري «بسكوت» أو عصيراً من بقالة، حتى وصل عدد المشتركين في الهواتف النقالة إلى أكثر من 54 مليون مشترك، 85 في المئة منهم يستخدمون شرائح مسبقة الدفع، وهي تلك التي كانت تباع على الأرصفة والطرقات وبطريقة فوضوية، أما النسبة المتبقية فهم أصحاب الفواتير.

الآن، وقع الفأس على الرأس (على شركات الاتصالات)، وأرادت هيئة الاتصالات تنظيم الواقع المؤلم، كان المتضرر الوحيد المشتركين المحترمين، توقعنا أن شركات الاتصالات تلجأ إلى أسلوب مشابه لطريقة وزارة الإسكان في تعبئة البيانات أو نظام «أبشر» لوزارة الداخلية، أو تلك الطريقة التي يتبعها موقع الديوان الملكي في خدمة المواطنين للعلاج والشكاوى، هناك أكثر من أنموذج كان يمكن أن تستخدمه شركات الاتصالات، فالهواتف الذكية ساعدت الناس في إنجاز معاملاتهم بسهولة، فكتابات العدل اليوم تمكّن الناس من استخراج وإلغاء الوكالات، حتى حجوزات مراجعة الأحوال المدنية تتم عن طريق هذه الهواتف، حتى البريد اليوم يمكّنك من أن تعمل لنفسك عنواناً بريدياً من خلال الهاتف وأنت جالس في أي مكان، حتى لو كنت على سطح منزلك، إنما للأسف المستخدمون فوجئوا بأن الطريقة التي تريدها شركة الاتصالات، هي طريقة بدائية جداً وأصابتهم بالصدمة، لأن هذا يتطلب منهم الحضور شخصياً إلى الموقع، وتقول شركة الاتصالات إنها وزعت 2000 جهاز بصمة منتشرة أمام المساجد، ومراكز التسوّق، تخيلوا المنظر، الناس يتذمرون من هذه الطريقة البدائية، كيف لم تتمكّن هيئة الاتصالات أن تطلب من شركات الاتصالات إيجاد وسيلة أو طريقة أكثر سهولة ومرونة بدلاً من هذا الأسلوب العقيم، ولم تراعِ فيه ظروف الناس، فمنهم من هو مسافر أو مبتعث، ومنهم من يتعالج في الخارج، والبعض الآخر يعيش في سفوح الجبال وفي مناطق نائية، والطرقات غير آمنة، ماذا عن كبار السن والمرضى والمكفوفين والمعوقين؟ تخيلوا كل هؤلاء سيخرجون ويقفون في صفوف طويلة جداً أشبه بالوقوف أمام الجمعيات الخيرية لأجل أن يبصموا.

نعلم جميعاً أن هناك من استغل هذه الفوضى التي سببتها شركات الاتصالات في بيع وتسويق شرائح الجوال، إنما ليس من الضروري أن يعاقب الناس على خطأ لم يرتكبوه، دعوني أسأل: هل ستنتهي فوضى الشرائح؟ بالله عليكم في بلد يعيش اقتصاده على التستّر التجاري بشكل 70 في المئة، مع أن جميع هذه المحال لديها أوراق وسجلات تجارية بأسماء سعوديين، مع ذلك يملكها الوافدون، فهل نحن بالفعل جادون أو متأكدون من أن هذه الشرائح لن يستخدمها إلا الشخص نفسه الذي بصم؟ بالطبع لا، مثلما يدير الوافدون تجارتهم بأسماء سعوديين، سيستخدم ضعاف النفوس والمضللون، هذه الشرائح بأرقام أقاربهم ومعارفهم.

للأسف الشديد، هيئة الاتصالات كان يمكن أن تتعامل بطريقة أكثر رقياً وحضارة، وتراعي كل الظروف التي تمنع أو تعوق الناس أو الاصطفاف في طابور طويل بشكلٍ مخزٍ، وزارة الداخلية لديها مهارة عالية في الوصول إلى من تريدهم، لديها إمكانات وخبرات، وتملك الحس العالي لتتبع أية مكالمة تهز أمن الوطن واستقراره.

اليوم، الهوية الوطنية والبطاقات الرسمية الصادرة عن الجهات الحكومية تعتبر وثيقة رسمية، كان بإمكان هيئة الاتصالات اعتمادها، ويتم التعامل إلكترونياً بدلاً من هذه الفوضى، في ما يتعلق بالبصمة كان بالإمكان تطبيقها بالنسبة إلى المشتركين الجدد إذا كان الأمر مهماً لهذه الدرجة، والتعامل مع البقية بأسلوب إلكتروني سلس، في معظم الدول استخراج شرائح الهاتف لا يحتاج إلى كل هذه التعقيدات، يُكتفى بصورة الجواز أو البطاقة الرسمية، فمسألة البحث عن المجرمين والمطلوبين هي مسؤولية الجهات الأمنية، وليس شركات الاتصالات.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 20 أبريل 2016 10:11 ص

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020