عقار

فهد القاسم: بنك الإسكان هل يساهم في حل الإزمة؟

فهد بن عبد الله القاسم

لا زال الإسكان أحد المعضلات المستعصية على الحكومة ، والتي تسبب لها القلق ووجع الرأس الشديد ، وهو أحد الأمثلة الرئيسية لفشل الأداء الحكومي في إدارة ملف الإسكان -على الأقل حتى الآن- فالمواطن يبحث عن سكن ، والحكومة لم تتمكن حتى الآن من تلبية حاجته !! المواطن يريد أن يشتري أرض وأسعار الأراضي تحلق بعيداً عن قدرات الأكثرية !! الناس ينتظرون إنخفاض أسعار الأراضي القابلة للسكن الملائم ، وهذه الأراضي شحيحة والسوق مستعصي عليهم !! تأسست هيئة الإسكان لم يتغير شيء ، تم تحويلها إلى وزارة لحل المشكلة وتم تزويدها بإمكانيات هائلة تشمل الأموال والأراضي والتسهيلات والسياسات والسلطات لإسكان المواطن ولم تنتج حتى الآن إلا عدة آلاف من المساكن مع مئات الآلاف من الوعود !!

عملت الوزارة السابقة ما يقارب ثمانية سنوات بإمكانيات هائلة توفرت لها ، وبسلطات واسعة منحت لوزيرها ، وللأسف إنتهت بالنتيجة التي ألفناها في التسعينات ”لم ينجح أحد“ !!

أقيل وزير وجاء وزير ، ولكن بعدما خربت مالطة ، وتبخرت آلاف ملايين الريالات التي رصدت لهذا الغرض . قد نختلف أو نتفق على بعض ما سبق ، ولكن سنتفق بالتأكيد على الحقيقة التي لا نختلف بشأنها أن إحجية الإسكان لا زالت عصية في أغنى بلد في المنطقة وأكبرها مساحة !!

السؤال الذي ينتظر إجابته الكثيرون هو : ماهو الحل ؟ وهل لمثل هذه المعضلة من حل؟!!

بالتأكيد لكل مشكلة حل ، وأحجية مثل مشكلة الإسكان لا يفك شفرتها قرار أو عمل منفرد !! ولكن بالإمكان فك عُقد الإسكان عن طريق حزمة من الأنظمة والقرارات والسياسات والإجراءات ، التي لو تم إقرارها قد تحل عقد مشكلة الإسكان عقدة عقدة ، أو على الأقل ستساهم في فك جزء من تعقيداتها .

والأهم من هذه الأنظمة والقرارات والسياسات والإجراءات ؛ آليات التنفيذ وجهات التنفيذ ، والتعاون الحقيقي الفعّال بين اللاعبين الرئيسيين في ملعب ملف الإسكان ، فالوزارة في الحقيقة أحد الأطراف الذين لا يمكنها مهما كانت إمكانياتهم أن تحل مشكلة الإسكان بمعزل عن الأطراف الأخرى ، وأهم اللاعبين الآخرين وزارة البلديات ، ووزراة العدل ، ووزارة المالية ، وأمانات وبلديات المدن وكتابات العدل وشركة الكهرباء وشركة المياه .. الخ .

قواعد اللعبة تغيرت ، بعدما تغيرت الإمكانيات والأشخاص ، المشكلة إن المواطن لن ينتظر أو يصبر أكثر من ذلك ، وسيحمل وزارة الإسكان بموظيفها القدماء والجدد عبء التنفيذ ، ومسئولية سرعة التنفيذ ، لاسيما إن المشكلة في تزايد مستمر يوماً بعد يوم ، فالنمو السكاني والمقدر بما يزيد عن ٢٪ سنوياً بما يزيد عن٤٠٠ ألف نسمة سنوياً ، سينتج عنه زيادة متوقعة ”نظرياً“ للحاجة للمساكن بنسبة تزيد عن ١٪ سنوياً ، بمعنى زيادة الحاجة للمساكن سنوياً بعدد يزيد عن ٢٠٠ ألف مسكن !! إنه رقم كبير جداً ليس على الإمكانيات المتاحة فقط ، ولكن أيضاً على حسابات الزمن والإنجاز ، خاصة في وقت الشح الذي تعاني منه موارد الدولة حالياً .

مشكلة الإسكان التي تشكلت على مدار عقود لن تحل خلال شهور أو حتى سنوات ، فيجب علينا أن نتهيأ للإنتظار ، والإنتظار الطويل ، ليس ذلك فقط ، بل وعلينا أيضاً أن نعمل كمواطنين ببناء أنفسنا والإعتماد على مواردنا الذاتية قدر الإمكان ، وهذه رسالتي دائماً لإخواني وأبنائي في مقتبل حياتهم الأسرية ، فالذي فشلت الدولة في تحقيقة على مدار عشرات السنوات لن يتحقق في أشهر !! وليس ذلك تحجيماً أو تنازلاً عن مسئولية الدولة في توفير السكن الملائم بالشكل الحضاري في الوقت المناسب للمواطن ، وإنما تصديقاً بحقائق يجب علينا الإيمان بها وإن كانت مرة كالعلقم.

من ضمن حزمة الحلول ذات العلاقة والتي تعالج موضوع الإسكان هو أزمة الإدخار عند المواطنين والتي نعاني منها كثقافة أصلاً ، وهذا ما تبينت آثاره بعد قرار مؤسسة النقد بإشتراط تأمين المتمول ما يعادل نسبة ٣٠٪ من قيمة الشراء وبناء عليه تعطل سوق التمويل السكني بنسبة ٩٠٪ تقريباً .

وصعوبة الإدخار بشكل عام يتحايل عليها الكثير من المواطنين عن طريق حيل بديلة تلزمهم بالإدخار إلزاماً ، ومن أبرز الحيل لذلك هي الشراء بالأقساط وبالتالي يشتري المواطن حاجته بالأقساط ثم يتحمل بعدها السداد الشهري لمبلغ القسط مضافاً اليه تكاليف التمويل ، كما يشترك الكثير من الموظفين في ما يسمى ”الجمعية“ ، وهي إتفاق مجموعة من الموظفين على إستقطاع طوعي لجزء من الراتب يتفق عليه لمدة عام وكل شهر يعطى هذا الإستقطاع لأحدهم ، فالموظف يتحمل النقص القليل في سبيل الحصول على مبلغ كبير دفعة واحدة يساهم في سداد قسط إيجار أو تجديد منزل أو شراء أثاث أو علاج أو تمويل رحلة للعائلة وهكذا .

في دول كثيرة يقوم الناس بالإدخار لأداء فريضة الحج ، ومن أبرز التجارب الناجحة في هذا الصدد هو ما تقوم به مؤسسة طابون حجي في ماليزيا ، حيث تعطي الفرصة للمواطنين الماليزيين للإدخار للحج ، فيقوم كل مواطن يرغب في الإشتراك في البرنامج بالتعهد بإستقطاع جزء من راتبه على مدى أكثر من ٢٠ عاماً ، حتى يغطي هذا المبلغ المستقطع وأرباحه تكلفة رحلة الحج التي تتم في العمر مرة واحدة .

والمقترح هنا هو تأسيس بنك تنموي متخصص في تمويل الإسكان ، ولكن الهدف الأساسي منه هو مساعدة المواطنين على الإدخار للمسكن ، عن طريق الإستقطاع الإختياري من الراتب ، بنسبة أو مبلغ مرن يزيد وينقص حسب قدرة المُدّخر ، بحيث تقوم الحكومة بضمان رأس مال المُدّخِر ، وحد أدنى من الأرباح (بما يماثل نظام الشركات المساهمة العامة للخدمات مثل الكهرباء والنقل الجماعي في بداية تأسيسها والمستهدف هنا المُدّخِرين وليس المساهمين) ، بحيث يكون المبلغ المتجمع هو المبلغ المطلوب من المُدّخِر كدفعة مقدمة عند شراء المسكن ، أو المسكن ككل في حال رغب المواطن كبرنامج موازي .

يقوم هذا البنك بدوره الحيوي والهام في تمويل طالبي السكن ، إضافة إلى أعماله الأخرى كأي بنك تجاري ، وقد تكون أعماله التمويلية الأخر مخصصة لدعم قطاع الإسكان ، سواء كانت منتجات الإسكان للبيع والشراء ، أو كانت منتجات إستثمارية تهدف إلى تمويل بناء المساكن بغرض تأجيرها .

وبطبيعة الحال مثل هذا البنك لن يحل المشكلة ، وإنما بالتأكيد سيكون مساهماً ، كأحد الأدوات التي يمكن إستخدامها في حل معضلة الإسكان .

قد يأتي من يقول إن المواطن يستدين في آخر الشهر ، فكيف تريد منه الإدخار ، وأنا أقول إنني أعرف مواطنين يعملون كموظفين شرفاء يعملون في الحكومة ، بدأوا من المرتبة الخامسة ولم يتجاوزوا المرتبة العاشرة ، وبعزمهم وإصرارهم وحسن التدبير إستطاعوا بناء منازلهم والسكن فيها وسداد الديون التي عليهم ..

لا تحدثوني عن العابثين أو قليلي الدبرة ؛ فهؤلاء ليس لهم حل .

 

المصدر

آخر تعديل تم نشره 18 مايو 2016 2:47 م

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020