مازال ملف التعامل مع العشوائيات في مدننا غائبا عن خطط التطوير على الرغم من أن بعض المدن على مستوى العالم حققت نجاحات كبرى في تحويل عشوائياتها إلى مناطق عمرانية منتجه ذات قيمة مضافة إلى المجتمع، نعلم جميعاً أن نسبة المساحة الإجمالية للمناطق العشوائية ليس بالحجم الكبير مقارنةً بحجم مساحة المملكة لكن تظل التأثيرات السلبية لبقاء تلك الأحياء دون معالجة أو تطوير ليس بالسهل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والعمراني، خصوصاً أن التجارب العالمية الناجحة ولدَّت فرصاً كبيرة للتطوير والنمو الاقتصادي والعمراني من خلال القدرة على تحويل البؤر العشوائية التي تعاني منها بعض المدن إلى مساحات منتجة ومتطورة.
عشوائيات المدن جاءت نتيجةً لإفرازات مجموعة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى ظهورها، فالعوامل المغذية لنشوء العشوائيات ترتكز على خمسة مسببات، هي: الهجرة من القرى نحو المدن الكبرى نظراً لتوفر الخدمات وفرص العمل بها، والزيادة السكانية المتسارعة، ضعف إدارة المدن الحضرية، تضخم أسعار إيجار أو تمليك المساكن.
ومما تختص به المناطق العشوائية من النواحي العمرانية بأن نموها غير منظم وتنمو في الغالب بدون نسق وهوية واضحة، وتظم مباني غير متجانسة تبنى من مواد ضعيفة وغير خاضعة لأي اشتراطات وقائية، غالباً تكون غير متصلة بشبكات المرافق العامة، وعلاوةً على ما تسببه من تشويه للنسيج العمراني للمدن فإنها تشكل مراكز للمشاكل الاجتماعية والأمنية وأوكاراً خصبة لرعاية الجريمة والمجرمين.
عملية التطوير للمناطق العشوائية ليست بالمستحيلة فالتجارب العالمية تؤكد ذلك، والتجربة التركية ثرية في هذا الجانب وتتلخص في قيام الدولة من خلال صندوق الإسكان (TOKI) وبلديات المدن والمحافظات بالشراكة مع البنوك والقطاع الخاص لإقامة مجتمعات عمرانية حديثة في المناطق العشوائية بحيث تضم مجمعات سكنية وتجارية وطرق ومناطق مفتوحة، مع تكفل البلدية بتوفير السكن البديل أو صرف بدل نقدي لإيجار وحدة سكنية بديلة لحين الانتهاء من أعمال التطوير، وتتم عملية التطوير بإعادة تخطيط المنطقة العشوائية كاملةً وإعداد دراسة اجتماعية شملة لإعادة توطين السكان، وكذلك إعداد دراسة جدوى اقتصادية متكاملة لتحفيز القطاع الخاص في الاستثمار، ومن ثم يتم توزيع المخطط العام ليشمل مناطق سكنية يتم تسليمها للبلدية لتوطين السكان الأصليين، ومناطق أخرى يقوم المطور ببيعها واستثمارها لتغطية نفقات المشروع والأرباح، ويعتبر مشروعي البوابة الشمالية في أنقرة، ومنطقة سلطان بأي من المشاريع التي بدأت كعشوائيات ثم تحولت إلى مناطق ذات بيئة حضارية متطورة.
لقد أصبح من الضروري الالتفات نحو تطوير العشوائيات في المدن وكم أتطلع إلى وجود جهة مركزية عليا تقوم بوضع خطة تنفيذية شاملة لتطوير المناطق العشوائية في المدن ويكون من مهامها حصر وتحديد المناطق العشوائية ووضع الخطط التطويرية والاقتصادية والاجتماعية الملائمة، وتوفير المناخ الاستثماري المحفز للمطورين من أجل تكوين بيئة عمرانية متطورة ومستدامة.