الاقسام: عقار

فرص التراث العمراني

مشاري بن عبدالله النعيم

السؤال الذي سأله الأمير سلطان بن سلمان هو: ماهي الفرص التي يقدمها التراث العمراني في الوقت الراهن بعد كل هذه التحولات التي حدثت في الثقافة المجتمعية في المملكة؟

مناسبة السؤال هي قرب موعد ملتقى التراث العمراني الذي سيعقد في القصيم في نهاية شهر نوفمبر الحالي ويستمر لمدة 4 أيام.

وكما هي العادة كل عام، يشكل الملتقى فرصة لإعادة التفكير في التراث العمراني من ناحية اقتصادية بالدرجة الأولى، لأننا متيقنون من أهميته الثقافية ودوره العميق في بناء الهوية الوطنية.

هذه الفرصة المتاحة للكثير من الشباب المبدع، يجب أن يستغلوها بشكل كامل ولا ينتظروا العمل الوظيفي الممل والرتيب، بل يجب عليهم التفكير في خلق عالمهم المهني الخاص بهم، ولا أرى صناعة يمكن أن تتواصل مع العالم أجمع مثل صناعة التراث بشكل عام، لأنها متجددة وتغوص في ثقافة الناس وتاريخهم

الجانب الاستثماري والفرص الاقتصادية الكبيرة التي يفتحها التراث الوطني والتراث العمراني بشكل خاص هو الذي يهمنا في الفترة القادمة فنحن نبحث عن فرص جديدة بديلة عن النفط والتراث كثروة وطنية يجب استثمارها بالشكل الصحيح، وعندما أقول “استثمارها” فهذا يعني كيف نحافظ عليها ونحميها وفي نفس الوقت نحولها إلى مصدر دخل دائم ومتجدد.

سؤال الأمير ليس مجرد “حلم” لا يركن إلى واقع نعيش بعض صوره، بل هو مبنىي على فهم عميق لمقومات التراث التي تملكها المملكة وثرائها وقدرتها على إحداث الحراك الاقتصادي والتنمية المطلوبة على المستوى المحلي، وأقصد هنا على مستوى المناطق خصوصا تلك المناطق التي تملك موارد غنية من التراث وتحتاج إلى تنمية لمجتمعاتها المحلية.

لقد قمنا بدراسة (مركز التراث العمراني في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني) مع البنك الدولي حول العوامل المشجعة على توظيف واستثمار المواقع التراثية وأكدت الدراسة على أهمية البنية التشريعية والقانونية واستكمال البنى التحتية مع أهمية توظيف عناصر التراث الأخرى خصوصا الحرفية منها التي يمكن أن تتحول إلى منتجات يقوم الناس بإنتاجها أو المشاركة في إنتاجها.

هذه الدراسة تبين أن الفرص واعدة وكبيرة ويمكن أن تحقق نموا اقتصاديا في المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية وتساهم في الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل.

قد تكون هذه الرؤية جديدة لدينا، فنحن تعودنا أن مصدر الدخل إما من البترول أو الصناعة أو التجارة والزراعة والعقار ولم نتعود على أن هناك موارد غير مرئية لكنها مهمة ومؤثرة ويمكن أن تساهم مساهمة كبيرة في حل مشكلة البطالة وفتح مجالات كبيرة للقاعدة الاجتماعية كي تكون منتجة ومستقلة اقتصاديا.

ومن أهم هذه الموارد: التراث العمراني، لذلك فقد فكر الامير سلطان مبكرا في إنشاء شركة الضيافة التراثية، وهي شركة غير تقليدية لأنها تبحث عن الفرص التي قد لا يراها رجال الأعمال سهلة، لكنها في حقيقة الأمر فرص استثمارية مختلفة ومتميزة وغير متكررة.

فرص التراث العمراني حقيقية ليست فقط مرتبطة بشركة الضيافة التراثية ولكنها فرص ستساهم في بناء صناعة متكاملة ستوظف الكثير من الشباب والشابات في بيئاتهم المحلية وهذا هو الأمر المهم.

“التحول” الذي حدث ويحدث في ثقافة التراث بشكل عام سوف يفتح المجال واسعا أمام المصممين المبدعين لابتكار منتجات قائمة على المخزون الضخم لتراثنا الوطني. أقول هذا الكلام، بعد أن تعاملت مع عدد كبير من المهتمين في “صناعة التراث” من ناحية تصميمية وناحية إنتاج، حيث إن فرصة الابداع الفردي واكتشاف التراث برؤية خاصة ممكنة ومتاحة.

ربما أن هذه الفرص لم تتضح بعد لدى العديد من مؤسساتنا الأكاديمية، وهو ما يجعل بناء منظومة تعليمية في مجال التراث الوطني بطيئة إلى حد ما لكننا في حقيقة الأمر نسير في الطريق الصحيح، ففي ملتقى التراث العمراني سيكون هناك ورشة عمل عن التعليم والتراث الوطني، وسيكون هناك ثلاثة معارض لأعمال الطلاب أحدها للمشروعات الفائزة بجائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني.

أعتقد أن التراث يتيح إمكانية “المغامرة الممتعة” في عالم شبه غامض لم يكتشف بعد، والجميل في هذا العالم أن كل ما تم اكتشافه يظل اكتشافا محدودا لأنه اكتشاف فردي ويعبر عن تجربة فردية مع التراث.

هذه الفرصة المتاحة للكثير من الشباب المبدع، يجب أن يستغلوها بشكل كامل ولا ينتظروا العمل الوظيفي الممل والرتيب، بل يجب عليهم التفكير في خلق عالمهم المهني الخاص بهم، ولا أرى صناعة يمكن أن تتواصل مع العالم أجمع مثل صناعة التراث بشكل عام، لأنها متجددة وتغوص في ثقافة الناس وتاريخهم وهذا أمر يثير مخيلة الآخرين ويجذبهم وكأنها مغامرة أشبه بقراءة رواية مثيرة.

العالم كله يتجه للسياحة الثقافية وهذا النوع من السياحة يتطلب منتجات كثيرة وليس فقط مجرد ترميم المباني وإعادة توظيفها. هذه المنتجات تشمل المأكل والملبس والعديد من المنتجات الحرفية التي تتطلب إعادة تطوير كي تتناسب مع حياتنا المعاصرة.

إنها تحتاج إلى إعادة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فشبكة العلاقات الاجتماعية داخل المواقع التراثية مسألة مهمة وتتطلب نشاطا اقتصاديا واجتماعيا حيا في هذه المناطق. الأمر هنا بحاجة إلى منتجات تنبع من المجتمع وتخدمه ويجب أن تكون مبتكرة من عمق التراث الوطني.

ما يقوم به العديد من المصممين على مستوى العالم في الوقت الراهن هو العمل على إعادة توظيف التراث بكل منتجاته كي يناسب الطلب المتزايد على السياحة الثقافية وهذا في حد ذاته يعتبر فرصة كبيرة ومهمة بالنسبة لنا في المملكة، فتنوع التراث العمراني يشمل كل عناصر التراث الوطني وليس فقط طراز المباني. ربما نحن بحاجة إلى فهم هذا التكامل بين كل عناصر التراث خصوصا إذا ما أردنا أن نطور صناعة فعالة توظف هذه العناصر وتجعل منها عناصر معاصرة مطلوبة وجذابة.

ملتقى التراث العمراني الخامس في القصيم يقدم العديد من الفعاليات والورش ويحاول أن يربط المهنيين بالاكاديميين بعامة الناس لخلق بيئة استثمارية متوازنة. هذه البيئة لا يمكن أن تتحقق دون وعي وتفاعل وتغلب على العوائق.

اللقاء يجمع المهتمين بتراثهم، ليس من اجل التباكي على التاريخ والأطلال، بل من أجل إعادة هذا التراث للحياة ولكن بشكل مستدام من خلال خلق فرص عمل وتوظيف للمهارات والخبرات الشخصية والجماعية. فكرة الملتقى تقوم أصلا على أنه اجتماع “عمل” من أجل توظيف التراث الوطني كمورد اقتصادي أساسي.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 15 نوفمبر 2015 11:10 ص

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020