عقار

غسان بادكوك: يا وزير الإسكان .. جرِّب خط إقليدس

غسان بادكوك

وفقًا لقواعد الهندسة الإقليدية (نسبة إلى عالم الرياضيات اليوناني إقليدس بن نوقطرس بن برنيقس)، فإن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، تذكرت ذلك العالم وقاعدته الشهيرة راجيًا أن يقتنع بها وزير الإسكان، لدرجة أن يتبّناها كإستراتيجية جديدة؛ عوضًا عن تشتيت جهود الوزارة وإمكاناتها في اتجاهات مختلفة؛ ليست ُس) مشكلة فّعالة ولا كافية ­في تقديري­ لحل مشكلة الإسكان المزمنة، ثم يتفرّ غ بعد ذلك للتعامل مع (أ الإسكان وهو ارتفاع قيمة الأراضي رغم وفرتها في بلادنا!. ما سبق يعني أنه قد يكون من الأجدى انتهاج الوزير إستراتيجية إسكانية (مختلفة)، تقوم على (قاعدة الخط المستقيم) في تعامله مع المشكلة؛ لا تهدف إلى مواصلة الوزارة بناء المساكن أو توّسطها في التمويل كما تفعل الآن!؛ بل التركيز على بناء «منظومة تشريعية وتنظيمية» كفيلة بتوفير الأراضي (السكنية المطّورة) للمواطنين (بأسعار مناسبة)، ثم تسهيل حصولهم على القروض (الحكومية) اللازمة للبناء، وهو ما سيخلق البيئة المطلوبة لحل معضلة امتلاكهم لمساكنهم في وقت قصير وبتكلفة معقولة. والأكيد هو أن معالي الوزير ماجد الحقيل لم يخلق مشكلة الإسكان في المملكة، ومع ذلك فق َدرُ ه أن يكون الآن هو المسؤول (المباشر) عن حلها؛ بحكم منصبه، وإن لم يفعل فقد يساهم في تفاقمها، إذ إن السبب الأساسي للتضخم (المفتعل) على قيمة الأراضي هو احتكار ِقَّلة متنّفذة لمساحات شاسعة منها؛ نتيجة لأخطاء جذرية سابقة؛ بات من الصعب إصلاحها اليوم، كونها تتطلب استعادة أراٍض مليونية المساحة؛ حصل عليها (مجانًا) أشخاص لا يحتاجونها، ولا تزال معظمها (بيضاء) حتى الآن!؛ وتزايدت المشكلة في الثلاثين عاما الأخيرة نتيجة للنمو السكاني السريع وزيادة الطلب على المساكن؛ في غياب مبادرات جيدة وجادة لحلها؛ رغم إنشاء وزارة للإسكان وتغيير وزيرها السابق وفرض رسوم الأراضي.

ما جعلني أستحضر المعلومات أعلاه، هو الخبر الذي أعلنته وزارة الإسكان خلال مؤتمر صحفي تم عقده الأسبوع الماضي واحتفت به مختلف وسائل إعلامنا، ودار حول إطلاق الوزارة الدفعة الرابعة من (منتجاتها) خلال العام الحالي 2017 ،وخلافا لما قد يتبادر للذهن، فإن منتجات الوزارة ليست كلها مساكن؛ إذ إن عدد البيوت (الفعلية) فيها كان محدودًا جدًا ­قياسًا لنمو الطلب وقلة العرض­ حيث لم تتجاوز نسبة المنازل نحو 30 %من إجمالي تلك (المنتجات)، أو ما يعادل نحو 6200 مسكن فقط في كافة أرجاء المملكة؛ (غالبيتها العظمى ليست جاهزة بعد!)، أما الثلثان الآخران فهما عبارة عن أراض مجانية، وقروض تمويلية مدعومة لـ(منازل ُتباع على الخارطة).

وفي تقديري فإن الوزارة رغم محاولاتها (المقّدرة) للتعامل مع هذا الملف الوطني الشائك، قد فقدت البوصلة وابتعدت عن المسار الصحيح الذي كان يتعين عليها أن تسلكه منذ إنشائها، فليس مطلوبًا من الوزارة أن تقوم بدور شركات البناء أو بمهام المطورين؛ كونها لا تمتلك الخبرة ولا الإمكانات الفنية والبشرية اللازمة لذلك؛ في حين أن حصول المواطنين على قروض للبناء من البنوك لا يستلزم وساطة الوزارة، لذلك فإن استمرارها على نفس النهج الحالي، لن يؤدي ­برأيي­ لحل مشكلة الإسكان قريبًا؛ كما تعتقد الوزارة وتأمل، بل سيُ دخلها في متاهات؛ سرعان ما ستضطر للخروج منها والبحث مجددًا عن إستراتيجية أكثر كفاءة. ر فكرها ورؤيتها الحالية، وأن تستبدلهما برؤية إستراتيجية والوضع كذلك فإنني أقترح على وزارة الإسكان أن تغيّ (مستقيمة) وقابلة للتنفيذ والقياس والتقويم، أعرضها عليها (مجانًا) في الأسطر التالية؛ لتخرج سريعًا من الخط (المتعرّ ج) الذي وضعت نفسها فيه، وأن توّجه طاقاتها لتحقيق هدفين رئيسيين فقط هما: أ­ تيسير حصول المواطنين على الأراضي (مكتملة الخدمات والجاهزة للبناء)؛ إما مجانًا أو بأسعار زهيدة، سواء من الأراضي المملوكة للدولة سابقًا أو من تلك المستردة أخيرا من واضعي اليد. ب­ تسريع حصول المواطنين على قروض عقارية بدون فوائد (من الصندوق العقاري)، أو بفوائد منخفضة (من بنك للإسكان كما سأوضح لاحقًا)؛ دون انتظارهم لسنوات كما هو الوضع الآن. تحقيق الهدفين السابقين كفيل بإقامة منظومة من الضواحي السكنية الجديدة حول المدن (Cities Satellite(؛ كما هو الحال في كثير من دول العالم، تتوافر فيها كافة متطلبات الحياة، وفي نفس الوقت تخفف ازدحام المدن وتسهم في تخفيض أسعار العقارات والأراضي.

وحتى يمكن الوصول لذك فإنني أطرح على الوزارة (الخارطة) التالية؛ راجيًا منها دراستها وتطويرها (لو اقتنعت بها) وتشمل ما يلي:

1 .زيادة التنسيق مع وزارة الشؤون البلدية القروية لتسليمها كافة الأراضي الحكومية التي تّمت استعادتها، والتي تبلغ مساحاتها مئات ملايين الأمتار المربعة بمختلف المناطق.

2 .توزيع الجزء المكتمل الخدمات من تلك الأراضي (الموجودة داخل النطاقات العمرانية)، على المواطنين بأسعار منخفضة وبحيث تكون أولوية تمليكها لذوي الدخل المحدود، ليباشروا بناء منازلهم عليها؛ شريطة منحهم فترة زمنية معقولة؛ يتم سحب الأراضي منهم لو لم يتم بناؤها.

3 .تسليم الجزء (الخام) من تلك الأراضي لشركات التطوير العقاري الراغبة والقادرة على إقامة البنية التحتية اللازمة لها، مقابل منحهم نسبة معلومة من مساحتها نظير تطويرها؛ ولتكن 10%؛ (تقل أو تكثر) وهو ما سيخفف عبء تكلفة تطويرها عن الدولة.

4 .استخدام الأراضي التي سيطّورها العقاريون (تقع غالبًا خارج النطاقات العمرانية) لإقامة الضواحي حول المدن، عبر منحها للمواطنين بأسعار رمزية، وهو ما سيسهم في خفض قيمة أراضي المخططات السكنية ويزيد من عرض المساكن.

5 .اشتراط الوزارة قيام المطورين باستثمار (نصيبهم) من الأراضي التي سيطّورونها، لإقامة مساكن؛ يتم بيعها بأسعار السوق، في حين تشتري الوزارة منهم مباني المرافق العامة كالمدارس والمساجد ونحوها.

6 .تقوم الوزارة بإعادة هيكلة صندوق التنمية العقاري وفق رؤية جديدة تضمن استرداد القروض، ثم تحويل المبالغ المتبقية من مخصص الإسكان (مبلغ الـ250 مليار ریال)، للصندوق، الذي سيتمكن حينها من استئناف دوره بمرونة أكبر في إقراض المواطنين بدون فوائد ولا انتظار طويل.

7 .تخصيص بضعة عشرات المليارات من المبلغ أعلاه لتأسيس بنك إسكان حكومي؛ لتمويل البناء بهوامش عمولة منخفضة (على غرار الموجود في الكثير من الدول)، وبحيث تمتلك الحكومة حصة أغلبية فيه، ويتم طرح النسبة المتبقية للمواطنين والمستثمرين؛ وهذا سيسهم في خفض كلفة التمويل العقاري (التجاري).

8 .طلب دعم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لإقامة مشاريع النقل العام المؤجلة، للربط بين الضواحي الجديدة والمدن؛ وبحيث تسمح بسرعة ومرونة انتقال السكان منها وإليها، بدون الاختناقات المرورية المعتادة.

ختامًا، أزعم بأن تنفيذ التصورأعلاه من شأنه تخفيف العبء عن كاهل الوزارة، ومساعدتها على سرعة تحقيق أهدفنا الوطنية في الإسكان ضمن برامج التحُّول ورؤية المملكة؛ كونها ستتفرغ للإشراف والتنظيم ووضع السياسات وا ُلأطر العامة، كما سيتيح ذلك أمرًا مهمًا هو تخفيض قيمة الأراضي التي تستقطع حاليًا نحو 50 %من تكلفة البيوت!، فضلاً عن حل مشكلة تأخير قروض الصندوق العقاري.

السؤال الآن هو: هل يقتنع وزير الإسكان بالطرح السابق، ويعيد النظر قريبًا في (فكر) الوزارة ليجعله (مستقيمًا كخط إقليدس) وعلى نحو يُ سرّ ع بحل مشكلة امتلاك المواطنين لمساكنهم التي ستصبح حينئذ تحديًا من الماضي؛ خلال بضع سنوات فقط؟ أم سيستمر في محاولة تسويق منتجات الوزارة المحدودة الجدوى؟.

المصدر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020