عقار

عبدالعزيز السحيباني: لحل أزمة الإسكان تحليل المشكلة يوصلنا للحل

م. عبدالعزيز السحيباني

كثیر من المشكلات التي تبدو معقدة ومتشابكة يمكن حلھا بتحلیل عناصرھا الأولیة، ثم دراسة مسببات المشكلة والبدائل الممكنة لحلھا، ومن المشكلات المتأزمة في بلادنا، مشكلة عدم توافر المسكن المیسر للمواطنین، على الرغم مما تبذله الدولة من دعم وقروض میسرة «الصندوق العقاري» سابقاً.

ومنذ إنشاء وزارة الإسكان تفاءل المواطنون بسھولة توافر السكن، لكن ھناك مشكلة بعد توقف القروض المیسرة من الصندوق، فأين
تكمن المشكلة؟
الجواب على ھذا السؤال يتطلب منا اتباع الأسلوب المنھجي في تحلیل عناصر المشكلة واقتراح الحلول، وتتلخص المشكلة في عدد من العناصر، أھمھا: الأراضي الصالحة للسكن، ومواد البناء والجودة الشاملة، والتمويل، والھیكلة الإدارية والتشريعات.

ويبدو أن وزارة الإسكان حالیا تناقش الموضوع من عنصر واحد فقط، وھو العنصر الصعب في المشكلة، وذلك بسبب أنھا ورثت «صندوق التنمیة العقارية» من وزارة المالیة، وتناقش الموضوع من مفھوم وزارة المالیة، وھي بفكر «صندوق تمويل» فقط. وفي رأيي أن ھذا في زمن سابق، وھو زمن الاقتصاد الريعي.

أولا: الأراضي الصالحة للسكن
كي أبني منزلا، لا بد من توافر «أرض صالحة للسكن»، ومعنى صالحة للسكن أي تتوافر بھا جمیع الخدمات الضرورية للعیش “میاه صالحة للشرب، كھرباء، صرف صحي، نقل مناسب يشمل ذلك الطرق المسفلتة”، وفي رأيي أن ھذه أكبر مشكلة تواجه الإسكان، ولكنھا أسھلھا حلا فالأراضي متوافرة عند كل المدن، فلسنا كالیابان التي تردم البحر لتوفیر الأراضي، ولسنا كالسويد التي تعتمد على الزراعة
والغابات، ولا تفرط في أراضیھا للمخططات السكنیة. و«رسوم الأراضي السكنیة» أثبتت نجاحھا في كبح جشع تجار التراب، أما خدمات المیاه والكھرباء فھي لشركات، ووصولھا سھل جدا ولا يمثل مشكلة كبیرة، بشرط توافر المخططات المناسبة، وتواجه ذلك التكلفة الكبیرة للخدمات مثل الطرق والمیاه والصرف الصحي.

وفي رأيي فإن الابتعاد عن المدن أفضل حل، أو إلزام مالكي الأراضي بتخطیطھا “رسوم الأراضي الفضاء”، وذلك لانخفاض تكلفة الخدمات لھا، وبالتالي انخفاض قیمة الأرض التي تمثل 50 %من تكلفة المسكن، والتي لا يتم التفكیر فیھا من الوزارة، لأن المسؤول عنھا وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي تواجھھا مشكلة كبیرة وھي التعديات على الأراضي، وإصدار وثائق تملّك لھا من وزارة أخرى، ھي وزارة العدل، وأثق أنه لو تم حل مشكلة الأراضي، لما احتاجت نسب كثیرة من المواطنینإلى قروض الصندوق.

التصامیم ومواد البناء والجودة
أعطني تصمیما ومواد جیدة ولا تعطني قرضا!. إن أھم عنصر مھمل تماما من الجھات المعنیة ھو «الجودة الشاملة» للبناء، بمعنى أن أي مسكن يتم بناؤه يجب أن يبدأ بالتصمیم الملائم حسب احتیاجات المواطن وتصوره، ولا أبالغ إذا قلت إن المساحات المھدرة والتغییرات في التنفیذ بسبب عدم مناسبة التصامیم تستھلك ما نسبته 20 %من تكلفة المبنى على الأقل، إذ إنه لا توجد مكاتب ھندسیة مؤھلة للتصامیم الشاملة للخدمات بكاملھا، أعطوني مكتبا واحدا يصمم العزل الحراري والمائي وطريقة تنفیذه، أعطوني مكتبا يصمم النوافذ والأبواب والجبس وأعمال السباكة ومواقع الأثاث، وغیرھا، أعطوني مكتبا يصمم تمديدات الكھرباء المناسبة، إلا بتكالیف كبیرة، فیلجأ المواطن إلى المقاول المنفذ للتصمیم.

وأھم من ذلك أعمال الإشراف والمتابعة للتنفیذ وإجراء القیاسات والتحقق من جودة المواد، إذ إن سوء المواد المستخدمة في البناء، يكلف المواطن كثیرا خلال البناء وبعده، مثل الخرسانة والحديد والتربة ومواد السباكة وتمديدات الكھرباء والدھانات والجبس والأبواب والبلاط، التي تباع في السوق دون أي رقابة.

وإنني على يقین أن وزارة الإسكان لو تولّت فقط ھذا العنصر الذي لا يحتاج إلى تمويل، لحلّ ً ت جزءا كبیراً من أزمة الإسكان حسبما يلي:
تتولى وزارة الإسكان عمل التصامیم لكل مواطن يطلبھا، وذلك من خبراء ومكاتب يعدون نماذج متنوعة للفلل والمباني، وإجراء بعض التعديلات علیھا حسب رغبة المواطن»، وتعريفه بالتكالیف التي ستضاف في حالة التعديلات، ويجب أن يكون ذلك عن طريق الطلب، إما بالتقديم الإلكتروني أو رقم مجاني لدى «الوزارة» التي تستقبل الطلب، وتقديم النموذج التصمیمي المناسب للمواطن، خلال عدد من الخیارات التي تتناسب مع المواد المتوافرة ومقاساتھا.

مثال على ذلك مواد العزل الفائقة الجودة»، فشكل المبنى ولونه وارتفاعه وتناسقه شأن عام، ومن يتولاه حالیا ھي وزارة أخرى غیر الإسكان، وھي «وزارة الشؤون البلدية والقروية»، ويجب أن تحول ھذه المھمة إلى وزارة الإسكان، إذ إن التصامیم وجودة المواد من أھم العناصر التي تضع المواطن في حیرة من أمره، ويدفع تكالیف غیر منظور إلیھا، وھي سبب كبیر لارتفاع تكلفة البناء

متابعة الإشراف على التنفیذ وجودة مواد البناء من قبل وزارة الإسكان
نعلم أن وزارة الصحة تتابع الصیدلیات ووزارة الشؤون البلدية والقروية تتابع المطاعم فمن يتابع سوق (مواد البناء)؟! سنجد أن لا متابع لھا، والمواطن يقع ضحیة المواد الرديئة بسبب أنه ھو من يصمم ويشرف ويختار مواد البناء، ما جعل سوق مواد البناء يستغل جھل المواطن ويبیع مواد مغشوشة، ومن ناحیة التنفیذ لیس أمام المواطن إلا اللجوء للعمالة السائبة التي تنفذ ما يسمى (البناء التجاري)، الذي
يعتمد على سرعة تنفیذ يحتاج إلى تعديلات قد توازي تكلفة المبنى، ويتم استخدام (مواد تجارية في البناء) سعیا وراء الكسب المادي فلا رقیب على مواد البناء ولا رقیب على البناء وعلى ذلك وحسب ھذا العنصر من عناصر المشكلة، فإن الحل يأتي عن طريق ضبط سوق مواد البناء الذي أكاد أجزم أنه في حالة تولي وزارة الإسكان سوق البناء ومواد البناء ستنتھي مشكلة السكن، وسیتملك المواطنون مساكن خلال فترة قصیرة بدلا من دخول وزارة الإسكان كممول ودخولھا نفقا غیر معروف، وعدم استطاعتھا التمويل بالقروض التي تذھب لجیوب (تجار مواد البناء) وجیوب العمالة الرديئة التي تكلف أموالا باھظة ببناء مغشوش، وسیستطیع المواطن تملك مسكن، بتمويل ذاتي حسب دخله
تقوم وزارة الإسكان حالیا بالتفكیر بقضیة التمويل وھو تفكیر بأحد عناصر المشكلة، وھو أعقدھا، ووصلت لحلول جیدة وعلیھا الذھاب للطريق الآخر (التصمیم ومواد البناء والجودة الشاملة)، ثم التفكیر بالتمويل عن طريق التقسیط، وھو طريق سھل، حیث ستنخفض تكالیف البناء بإحكام الرقابة على سوق البناء (مواد وتنفیذ)، ومن ثم حل المشكلة التمويلیة بعدة طرق منھا في حالة ملكیة الأرض، غالبا فإن من يمتلك الأرض فإنه يرغب بمسكن بموقع متمیز وبمواصفات تناسب ذوقه، ولديه مصدر دخل يمكن الاعتماد علیه في تمويل بناء المسكن وتسديد التكالیف خلال فترة قصیره، لھذا يتم بناء المنزل بإشراف وزارة الإسكان (عن طريق شركات) وتقسیط ثمنه على المواطن حسب سنوات يتم
حسابھا حسب القسط السنوي (نظام الصندوق العقاري سابقا)، ولكن لا يتم إعطاء قرض للمواطن إلا بمقدار ما يمكنه من اكتمال أعمال البناء.

في حالة عدم ملكیة الأرض: غالبا فإن من لا يمتلك أرضا فلیس لديه القدرة على بناء المسكن، وھذه الفئة يجب معاملتھا معاملة (نظام الصندوق العقاري)، ولكن مع عدم إعطاء قرض نقدي وإنما بنظام التقسیط العقاري، حیث يكون الصندوق مشرفا على المطورين العقاريین لبناء وحدات سكنیة مختلفة الفئات والمساحات بأحیاء سكنیة، تماما مثل ما تم عمله سابقا بمشاريع (الإسكان) التي ھي ملكیة
الصندوق العقاري، وأثبتت نجاحا باھرا بجمیع النواحي، وخاصة انخفاض تكلفة (المسكن والأرض) وجودة البناء واكتمال الخدمات، وھي تجربة رائعة بكل المقايیس، ومن ثم يقوم الصندوق بالتقسیط على المواطنین بسعر التكلفة، وھذا سیخفض التكالیف كثیرا على المواطن مقارنة بالبناء الفردي الرديء بسوق المقاولین التجاري والمواد المغشوشة غالبا الھیكلة الإدارية والتشريعات ھذا العنصر من عناصر المشكلة يتلخص بضرورة توحید الجھة المسؤولة عن الإسكان، حیث إن وزارة الإسكان حالیا ورثت الصندوق العقاري من وزارة المالیة وتقوم بدوره، حیث إن وزارة الشؤون البلدية والقروية مسؤولة عن التنمیة العمرانیة والمخططات واستعمالات الأراضي، ووزارة العدل مسؤولة عن تملك العقار، ووزارة التجارة عن سوق المقاولات وسوق مواد البناء، ولھذا يجب إعطاء وزارة الإسكان دورا أكبر يتمثل في الإشراف على سوق التصامیم للمساكن وتأسیس إدارة فنیة بھا تتولى دور تصمیم المسكن للمواطن (في حالة البناء الفردي)، واعتماد التصامیم والتراخیص للمباني السكنیة من وزارة الإسكان بدلا من وزارة الشؤون البلدية والقروية، فوزارة الإسكان ھي التي تقرر الحجم المناسب للسكن وفراغاته والعدد المطلوب من المساكن ونوعھا والمواد المستخدمة في البناء، فقد ضاع تصمیم المسكن بین وزارتي الإسكان ووزارة الشؤون البلدية والقروية التي يعنیھا الارتدادات وارتفاعات المباني، وكذلك تملك الأراضي والتسجیل العیني للعقارات الذي يجب أن يتم ضبطه ومتابعته من قبل وزارة الإسكان ومنح وثائق التملك (الصكوك) من قبل وزارة العدل.

وأخیرا أتمنى دراسة ھذه المقترحات التي آمل أن تساھم في حل أزمة الإسكان، وأثق تماما بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية الذي يقوده الأمیر الھمام محمد بن سلمان ولي العھد حفظه الله ورعاه، والذي وضع ضمن رؤية 2030 توفر السكن للمواطن بسھولة ويسر، والذي ينضوي تحت قبته جمیع الجھات المسؤولة عن الإسكان.

ويبذل معالي وزير الإسكان المھندس ماجد الحقیل جھودا خارقة، وبدأ بحلول إبداعیة لھذه القضیة تتمثل بتعدد الحلول السكنیة أمام المواطن، ومراعاة ذوي الدخل المحدود ودعم المطورين العقاريین للدخول بمشاريع وحلول الإسكان، وھذه الخطوات خطوات ملموسة وجیدة والحاجة ماسة لإعطاء ھذه الوزارة دورا أكبر والله الموفق.

المصدر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020