عقار

عبدالله بن حبتر: رسوم العقار بين زيدٍ وعمرو

عبدالله بن حبتر

منذ أن أقر مجلس الوزراء فرض الرسوم على الأراضي داخل النطاق العمراني، والناس في ذلك قسمين، ما بين جازم بتأثير ذلك القرار على السوق العقارية تأثيرا كبيرا إذ سيؤدي إلى انخفاض الأسعار، وآخر يقلل من تأثير ذلك القرار، وأن المستهلك النهائي سيتحمل تبعات ذلك، إذ سينتج عنه تحمل المشتري أعباء تلك الرسوم، وهذا ما يردده العقاريين أنفسهم، وهذا أمر طبيعي فكل يدافع عن صنعته، إلا أن العجيب في الأمر أن من يميل لهذا القول بعض الاقتصاديين، وأكاد أجزم أن البعض نظر لهذا الموضوع من جهة أبعد ما تكون عن التحليل الدقيق بين وضع السوق حاليا ومستقبليا في ضوء ذلك القرار، إضافة أن ملف الإسكان يمثل تحديا للسياسة التي تسعى الدولة لتحقيقها في تسهيل تملك المواطنين للمسكن، وأن تفاقم الوضع يزيد الأمر تعقيدا، وربما يصعب حله، أو أن يؤدي لأن ترتفع فاتورة الإصلاح.
وفي هذا المقال سأحاول بإذن الله أن أبين النتائج المتوقعة لتطبيق القرار على السوق العقارية، والسير وفق ترتيب منطقي، راجيا أن يتسع صدر القارئ لتلك الأرقام المليونية.

بداية ليسمح لنا أهل النحو أن نستعير منهم اسمي زيد وعمرو، ونجعل من هاتين الشخصيتين الوهميتين بطلتين في تفسيرنا الاقتصادي كما يُفعل بهم في أمثلة اللغة العربية، (مع اعتذاري الشديد لهاتين الشخصيتين، وتحملهما لما يُلصق بهما من تهم في ضرب الأمثلة بهما)، ونستخدمهما في الواقع على أن نرى في هذا المقال من سيطبق الجملة المشهورة “ضرب زيد عمرو” أو ضرب عمرو زيد” ولكن باستبدال الفعل ” ضرب ” بمصطلح شائع استخدامه في الأسواق المالية يعرفه من اكتوى بانهيار سوق الأسهم عام 2006 ، وهذا المصطلح هو ” التسييل : والذي يُقصد به تحويل الأصل إلى نقود ” فنقول “سيل زيد عمرو” أو “سيل عمرو زيد”.
لنفترض أن زيدا حصل على قطعة أرض هبة ولم يتحمل أي تكاليف في ذلك، في المقابل اشترى عمرو قطعة أرض كبيرة قبل بضع سنين سعر المتر وقت شرائها 500 ريال، وعلى افتراض أن كل منهما لديه نفس مساحة الأرض، ولنفرض مثلا أن تلك المساحة 100 ألف متر مربع، وكلاهما طبق المثل القائل “تضربها الشمس سنين ثم أحصد فائدتها بعد ذلك” وبعد عدة سنوات ارتفع العقار، وزادت الشهية للبيع، وبلغ سعر المتر المربع 1500 ريال – بافتراض أنه السعر الحالي – فتكون قيمة أرض كل منهما بغض النظر عن قيمة شراء عمرو هي حاصل ضرب مساحة الأرض 100 ألف متر مربع في 1500 ريال سعر المتر ، وتساوي 150,000,000 (مئة وخمسون مليون ريال).

نأتي الآن على مكسب كل منهما

مكسب زيد الذي حصل على الأرض هبة هو 150 مليون ريال ويعتبر هذا مكسبا صافي.

أما عمرو الذي اشترى الأرض بسعر المتر 500 ريال فيكون مكسبه في المتر المربع الواحد بعد خصم سعر المتر الذي اشترى به يساوي السعر الحالي – كما افترضناه – 1500 سعر مطروحا منه سعر شراءه للمتر 500 ريال يساوي 1000 ريال وهذا مكسبا في المتر المربع الواحد، وبذلك يكون ربحه الصافي حاصل ضرب مساحة أرضه 100 ألف متر مربع في 1000 ريال مكسبه في المتر المربع الواحد يساوي 100,000,000 (مئة مليون ريال).
نأتي الآن على بيت القصيد وهو تطبيق الرسوم، بافتراض أن النظام صارم في ذلك، ولا يسمح بأي ممارسات أو تلاعب تمنع أو تحول دون تطبيقها، وبما أن الرسم قد حدد بـ 2.5% فيكون المبلغ الناتج عن الرسوم على الأرض الواحدة هو حاصل ضرب سعر الأرض السوقي وهو 150 مليون ريال في 2.5%، ويساوي 3,750,000 (ثلاثة ملايين وسبع مئة وخمسون ألف ريال).
وبقسمة هذا المبلغ على الأمتار المربعة والتي افترضناها في هذا المقال بـ 100 ألف متر مربع تصبح الزيادة في سعر المتر الواحد يساوي 37.5 ريال، ويصبح سعر متر الأرض نتيجة للرسوم يساوي السعر السوقي السابق 1500 ريال مضافا إليه 37.5 ريال فيكون الإجمالي 1537.5 ريال للمتر.

الآن سنأتي على الاحتمالات المتوقعة – والعلم عند الله وحده – لردة فعل تجار العقار وماذا سيحدث لأسعار العقار.

الاحتمال الأول: أن يقرر التاجر تحميل المستهلك هذه الرسوم المفروضة، وبالتالي سيرتفع سعر الأرض سنويا حسب الرسم السنوي بعد قسمته على مساحة الأرض، وبما أن هذه الرسوم سنوية، وبتطبيق معادلة القيمة المستقبلية سيصبح ما سيدفعه التاجر من رسوم متراكمة بعد عشر سنوات تقريبا 42 مليونا ريال في حالة لم يتم تطوير هذه الأرض، ورغب عنها المستهلك، وتصبح قيمة الأرض نتيجة لهذا الاحتمال 192 مليونا تقريبا مما يعني مزيدا من الرسوم.
الاحتمال الثاني: قد يلجأ التاجر في حالة عدم تمكنه من تطوير الأرض وبيعها أن يخفض سعر المتر هو 37.5 ريال في السنة الأولى من تطبيق الرسوم حتى تقل عليه رسوم السنوات التالية، ويستمر الخصم في كل سنة بمقدار قسمة مبلغ الرسم المدفوع كل سنة على مساحة الأرض، فيصبح المبلغ الذي من المحتمل أن يدفعه تاجر العقار بعد عشر سنوات 33 مليون ريال، وتصبح قيمة الأرض بعد 10 سنوات ما يقارب 116 مليون ريال نتيجة لخصم مبلغ الرسوم كل سنة من قيمة الأرض.
الاحتمال الثالث: وهو ما ذهبنا إليه في بداية المقال أن يضطر أحدهما لتطوير عقاره، أو بيعه “تسييله” والتخلص منه فيا ترى أي هذه الجملتين تحدث أولا “سيل زيد عمرو” أم “سيل عمرو زيد” ،

وبافتراض أن أحدهما سيلا عقاره سيضطر الآخر لاتخاذ نفس القرار، فليس من مصلحته أن يبقي على عقاره إذ سيترتب على ذلك أمرين، الأول مزيدا من الرسوم السنوية والتي تؤدي لتآكل الأرباح، وربما الخسارة، إضافة للانخفاض المستمر للعقار مع مرور الزمن، ليخرج إلينا مثلا جديدا يردده العقاريين “لا تدع الشمس تشرق عليها”، وهذا الاحتمال سيزيد من حجم المعروض العقاري، مما يعني انخفاض الأسعار.

وإذ تأملنا العقار من وجهة نظر أخرى وجدناه لا يدر للدولة موارد مالية أسوة بما يحدث في الدول المتقدمة، إذ قد يفضل بعض الأثرياء السكن في شقة صغيرة على السكن في فيلا تطلب منه دفع ضرائب سنوية أكبر مقارنة بشقة صغيرة، ومن نافلة القول ما يحذر منه البعض سواء كانوا عقاريين أو اقتصاديين من أن انهيار العقار يمثل خطرا على الاقتصاد المحلي، غافلين أو متناسين ما تنفقه الدولة من مبالغ ضخمة جدا كتعويض لأصحاب العقارات نتيجة للحاجة للموقع، وربما اقتطع ذلك التعويض نسبة كبيرة من المبلغ المقترح للمشروع، كان من الأفضل أن تصرف نسبة كبيرة من ذلك التعويض في بنود هي أولى من أن يودع في حساب بنكي أصيب بالتخمة من ارتفاع العقار، وهذا يكشف جانبا من الخلل الذي وضع فيه السوق العقاري، كما أن ارتفاع العقار والذي قد يغفل عنه بعض الاقتصاديين يزيد من تكاليف المستثمرين في غير العقار، مما قد يترتب على ذلك خروج البعض من السوق، أو رفع الأسعار على المستهلك النهائي، وقد رأينا كيف تضخمت أسعار العقار، فعلى سبيل المثال أصبحت الشقة التي اليوم تقارب ضعف إجارها قبل 2006 .
لقد شاهدنا وسمعنا ما حدث ويحدث في السوق العقارية اليوم، من انخفاض في الأسعار، والعروض التي تتحدث عن نفسها وكأنها تتوسل للمشتري النظر إليها، إلا أن هناك فئتين ما زالتا تقلل من أهمية ما حدث، إحداهما بعض العقاريين إذ مازالوا يرددون أن العقار يمر بفترة ركود وسترتفع الأسعار مستقبلا، والفئة الأخرى سواء كانوا اقتصاديين أو من راغبي الشراء ترى أن ما حدث من انخفاض في الأسعار هو شيئا يسيرا، فهم كانوا يتوقعون أن تنخفض أسعار العقار بشكل كبير وبالسرعة التي يعتقدونها، وكأنه دجاجة وضعت في قدر مضغوط، تصبح على المائدة بعد 10 دقائق”
بقي أن أتوجه للمواطن المسكين الراغب في قطعة أرض صغيرة، فأقول استمتع بحياتك وأفراد عائلتك، ولا تجعل من المسكن هما منغصا لك، أو أن تكون حصالة لأولئك العقاريين، فالبيت الذي ضمك صغيرا هجرته كبيرا، فكذلك سيفعل أبناؤك، وادخر لهم ولو يسيرا ما يعينهم على الحياة، وتذكر أن تقف طويلا في قائمة الانتظار لبرنامج الإسكان، أهون من أن تكون طرفا إيجابيا في معادلة تمويل عقاري يقتطع أكثر من نصف دخلك، وأجعل وزارة الإسكان التي التزمت بتوفير المسكن لك تحمل الهم عنك، فمن التزم بشيء لزمه الوفاء به.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 6 يونيو 2016 12:44 م

نشر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020