عقار

عبدالله بن حبتر: العقار بين الجهل والتضليل

عبدالله بن حبتر

تبقى الفائدة الوحيدة التي استنتجتها من وجهة نظري من تضخم أسعار العقار لدينا أنها كشفت جانب مهما من الضعف الذي يعانيه بعض المحللين الاقتصاديين، من خلال ما يُنشر لبعضهم من تحليلات في الشأن العقاري يغلب عليها طابع المقارنة، أو الاستدلال ببعض الأسواق العالمية، في سعي لتبرير ما وصلت إليه أسعار العقار لدينا أسوة بدول العالم، وأن هذا المستوى السعري أمرا طبيعيا، وقد التمس لبعضهم العذر في ذلك إما لحداثة سن البعض منهم وجهله بأسعار العقار قبل عدة سنوات، مقارنة بما هي عليه الآن، في حين لا أجد عذرا لما يقوم به بعضهم من إسقاط لما توصلت إليه بعض المؤسسات الدولية من نتائج تتعلق بالعقار والسوق العقاري حول العالم، على السوق العقاري للمملكة، رغم الفارق الكبير في ذلك، بل أكاد أجزم لو قام بعضهم بزيارة لمكتب عقاري واحد لألجم قلمه الذي كشف جانبا من الضعف في الأسلوب المنهجي، الذي اتخذه في تحليله ونظرته للسوق العقارية.

ومن دون الشك أن الطلب على العقار والسكن سيبقى ما بقي النمو السكاني، ويختلف الطلب على نوع العقار وفق رغبات المستهلكين سواء كانت أرضا أو شقة أو فيلا؛ بناءا على عوامل مختلفة منها ما تتعلق بالفرد نفسه كدخله الشهري، والرشد في الاختيار وفق قدراته المادية، أو تفضيله الادخار والسكن بإيجار، أو بناء عوامل خارجة عن إرادته، كبعض المتغيرات الاقتصادية، أو التنظيمات والتشريعات، والتي يُعول عليها كثيرا في إعادة الاستقرار للسوق العقارية، وكبح جماح الأسعار، والحد من استئثار فئة محدودة ومعينة بمساحات كبيرة تكفي لإنشاء حي سكني كامل، وما حدث من تهافت الناس على المساكن والشراء بمبالغ عالية جدا لهو دليل على الخلل الواضح في السوق العقارية، واستحكام فئة على نشاطه وقدرتها على التأثير على قرارات وسلوك الأفراد، في خلق جو من القلق في السوق وأوساط المجتمع باستمرار الزيادة وعدم التراجع، وكأن لسان الحال يقول “من لم يتمكن من الشراء اليوم سيندب حظه غدا”.

وتبقى المقارنة في حد ذاتها أمرا طبيعيا ومقبولا، بل مطلبا مهما للوقوف على الإيجابيات أو السمات وتمييزها عن ما يضادها من السلبيات أو الغموض بغية الوصول إلى المسلك الصحيح والحل الناجح؛ إلا أن هذه المقارنات قد تأخذ منحنى خاطئا يقود إلى استنتاج يمثل طامة كبرى، كما يحدث من بعض الاقتصاديين أو العقاريين من مقارنة أسعار العقار وآلية السوق العقارية لدينا ببعض دول العالم، وهذا نتيجة لقصور الفهم في طبيعة الأسواق والتنظيمات لكل دولة، ومدى تفاعل هذا النشاط وتأثيره على المتغيرات الاقتصادية الأخرى.

ولست مع من يضع نسبا معينة لانخفاض أسعار العقار لدينا، وإن كنت أرى أنه بالإمكان العودة إلى أسعار 2006 تدريجيا، ولا مع من يستشهد ببعض التقارير الدولية والتي وضعت نسبا تبين متوسط انخفاض العقار في أغلب دول العالم، وكأن هذه النسبة يجب أن تندرج ضمنها سوقنا العقارية، وأن على المستهلك أن ينصاع لأطماع العقاريين، ويكف عن التشكي من ارتفاع أسعار المساكن والإيجارات التي استحمت على نسبة كبيرة من دخله.

وقد وقع أولئك في خطأ من جهتين المالية والاقتصادية فمن الناحية المالية التأكيد على التشابه في نمو الأصول العقارية لدينا أسوة بدول العالم، في حين يكمن الخطأ الاقتصادي ذلك التهويل المبالغ فيه للتأثير السلبي الذي يحدثه انهيار العقار فيما لو حدث على الاقتصاد المحلي، رغم الفارق الكبير في طبيعة سوقنا العقارية ومدى تأثيرها السلبي أو الإيجابي على الاقتصاد، والبعيدة كل البعد عن ما تحدثه الأنشطة العقارية حول العالم من تأثيرات على مستوى الاقتصاد الكلي.

ولتوضيح الخطأ الذي وقع فيه أولئك المحللين والاقتصاديين، من التأكيد على التشابه في النمو السعري للعقارات في المملكة وبين بعض الأسواق العالمية، يحق لنا أن نستند في بيان ذلك الخطأ على أي سوق عقارية، لذا قد يكون سوق العقار في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر قبولا لعدة أسباب أهمها، النشاط الكبير في سوق العقار الأمريكي، واختلاف الأسعار بين الولايات الأمريكية والذي يعطي نتائج أكثر دقة وأقل تحيزا، إضافة لتوفر البيانات وحدوث أزمة الرهن العقاري، هذه الأزمة التي تعطي صورة واضحة عن نسبة التصحيح التي حدثت، والتي لا يُستبعد أن يصل إليها سوق العقار لدينا إن لم تكن أعلى، وسنأخذ متوسط السعر السنوي للأراضي السكنية، فقد بلغ متوسط السعر السنوي للأرض السكنية عام 2000 ما يقارب 51 ألف دولار، وكان أعلى متوسط سعري سنوي عام 2006 ما يقارب 127 ألف دولار بزيادة مقدارها 76 ألف دولار، وبنمو مقداره 149% في حين بلغ أدنى متوسط للسعر السنوي للأرض السكنية بعد أزمة الرهن العقاري عام 2011 ما يقارب 66 ألف دولار، بفارق مقداره 61 ألف دولار عن أعلى سعر في 2006، وبانخفاض مقداره 48%، وبفارق عن العام 2000 مقداره 15 ألف دولار.

أما فيما يخص السوق العقاري في المملكة واستنادا لبيانات المؤشر العقاري لوزارة العدل المتوفر للمناطق الرئيسية (الرياض – مكة – المدينة – الشرقية ) من 2009 إلى 2015 ، وتعذر توفر البيانات لباقي المناطق، نجد أن متوسط السعر السنوي للأرض السكنية للمدن المذكورة تقريبا 471 ألف ريال عام 2009 ، في حين بلغ أعلى متوسط سعري سنوي عام 2014 (1,349,295) “مليونا وثلاث مئة وتسعة وأربعون ألفا ومائتان وخمسة وتسعون ريال” بزيادة مقدارها 878 ألف ريال، وبنمو مقداره 186%، ومن ذلك نستنتج حجم النمو الضخم في أسعار العقار لدينا .
وهنا نضع سؤالا عرضيا نترك لأولئك الكتاب حرية البحث والتقصي ،وهو إلى أي مدى يكون الفارق في أسعار العقار والنمو في 2015 فيما لو كانت بيانات العقار متوفرة وبدقة منذ عام2000 ؟

أما فيما يتعلق بتأثير انهيار العقار على الجانب الاقتصادي، ينبغي أن نعلم أولا أن العقار في معظم دول العالم باستثناء الخليج، والمملكة تحديدا، قطاعا مهما إذا يخلق مئات الآلاف من الوظائف، وهذا بدوره يخلق طلبا متزايدا من قبل القطاعين العائلي والاستثماري، إذا يؤدي زيادة الطلب على المساكن زيادة في الطلب على السلع والأثاث، والسلع الكمالية الأخرى، وهذا يؤدي لزيادة الطلب في سوق العمل، في حين يمثل انخفاض الطلب على المساكن بصورة كبيرة مصدرا قلق وينذر بأزمة تتمثل في تراجع الإنفاق والاستثمارات وزيادة في معدلات البطالة، وعلى سبيل المثال مؤشر مبيعات المنازل الأمريكية والذي يحظى باهتمام كبير إذا يعكس الحالة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد، بينما يخلق الطلب على المساكن لدينا هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار الطلب على مواد البناء والسلع الأخرى، وظائف يشغل المواطن نسبة قليلة جدا منها، وتذهب نسبة كبيرة لصالح الأجانب، هذا خلاف ما يمثله ارتفاع أسعار العقار من استنزاف لمبالغ كبيرة كتعويضات نتيجة لنزع ملكيات تمثل نسبة كبيرة من تكاليف إقامة مشروع ما، في حين تمثل العقارات في بعض دول العالم مصدرا لتمويل خزينة الدولة نظير الضرائب التي تُفرض على العقارات حسب أنواعها.

بقي أن نقول لأولئك المحللين كفى تضليلا، ودعوا العقار يأخذ طريقة بعفوية أكثر نحو موجة تصحيح كبيرة قد تكون سببا في تقليل فاتورة المستهلك المتضخمة، وإيجاد مزيدا من المرونة لتحقيق رؤية 2030 ، والتي قد يكون التضخم المتوقع مستقبلا عنصرا يُبطئ منها فيما لو استمرت أسعار العقار على ما هي عليه الآن.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 2 سبتمبر 2016 8:39 م

عرض التعليقات

  • بعض معلوماتك اللي بالمقال طالما انها غير موثقة ومذكور مصادرها فليس لها قيمة. وثانيا الكاتب يستخدم لغة كانه وحده اللي يعرف الصح من الخطأ. هذا غير مقبول. لو قال وجهة نظري ورايي.

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020