عقار

عبدالله الربدي: هؤلاء هم أسوأ المستثمرين وأخطرهم

عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

لا يمكن التفكير في العقار كصناعة مختلفة عن أي صناعة أخرى سوى بدرجة الأهمية والاستقرار الأمني، أما ما عدا ذلك فهو مماثل لأي صناعة أخرى من ناحية الأساسيات ومراحل صناعة المنتج حتى وصوله إلى المستهلك، فهو يبتدئ بشراء الأرض الخام من قبل المطور، الذي بدوره يعمل على تخطيطها وتوفير البنية الأساسية والخدمات ليبيعها إلى نوع آخر من المطورين، وهم مطورو الوحدات السكنية والتجارية، وهم من يقوم في النهاية ببيعها بعد بنائها كمنتج نهائي إلى المستفيد أو العميل، وطوال هذه العملية تستفيد عدة قطاعات منها، مثل البنوك وشركات الأسمنت وشركات مواد البناء بجميع أنواعها وشركات المقاولات والأثاث وغيرها، مما يوجِد فرصا استثمارية ممتازة، ووظائف في الاقتصاد، ولعل أفضل مثال قريب لنا هو صناعة العقار في دبي، وما سببته من نهضة في جميع مرافق المدينة. والعقار في السعودية يعاني عدة مشكلات لن أخوض فيها كلها، وإنما سأتناول فقط أهمها في نظري، والمسبب لأغلب تشوه القطاع ومشكلاته، وهو تكدس الأراضي البيضاء (المواد الخام) داخل المدن في مخازن تجار الأراضي كصكوك، وحجبها عن السوق، وتوجه أغلب السيولة في هذا السوق الكبير إلى المضاربة في الأراضي المتبقية، وترك الاستثمار في التطوير وتقديم منتج نهائي.

من المعلوم أن الأراضي كمساحات تعد متوافرة وغير مستغلة في أغلب الدول، لكن واقعيا قد تعاني الشعوب والمدن ندرة الأراضي البيضاء، وذلك لعدة أسباب منها محدودية النطاق الجغرافي لهذه المدن (مكة ومحيط الحرم مثلا)، أو صعوبة التوسع بسبب عوائق طبيعية مثل الجزر، أو عدم مقدرة الجهات الخدمية على تقديم الخدمات الأساسية للمساحات الجديدة مثل الكهرباء والمياه.

لدينا في المملكة مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء داخل المدن أسهمت في تطورها واستمرارها بهذه الحال عدة عوامل، منها طبيعة ملاك هذه الأرضي، وهم الحكومة متمثلة في جميع قطاعاتها، وأشخاص اعتباريون لا ضغوط عليهم لبيعها، وعقاريون تملكوا مساحات كبيرة بأسعار منخفضة جدا، وجدوا فيها ملاذا رخيصا لحفظ وتنمية ثرواتهم الخاصة من دون أي تكاليف أو دفع زكاة، ومع الأسف هذه العينة من التجار والمستثمرين أسوأ وأخطر نموذج للاستثمار على الإطلاق؛ بسبب عدم تقديمهم أي فائدة مضافة للاقتصاد، وللتوضيح خذ – مثلا – مستثمريَنْ كلاهما بدأ قبل 30 عاما، الأول استثمر عشرة ملايين في أراض، واحتفظ بها كقطع أراض خام، والثاني استثمر في مشروع صناعي بالمبلغ نفسه، اليوم كلاهما حقق ثروة تقدر بـ100 مليون ريال، لكن ماذا أسهم كل منهما في الاقتصاد خلال تكوين هذه الثروة؟ الأول (مستثمر الأراضي البيضاء) لم يستحدث خلال الـ30 عاما أي وظيفة، ولم يساعد قطاعات اقتصادية أخرى بالعمل معها، ولكن نمت ثروته بشكل فردي فقط، وبدون التفاعل مع أي قطاع آخر، بينما الثاني (مستثمر المصنع) أوجد وظائف مباشرة في مصنعه، وأوجد حركة تجارية مع الموردين ومع شركات الصيانة والنقل، واستحدث وظائف غير مباشرة في القطاعات التي عملت معه طوال هذه السنين، بل طور قدرات بشرية متدربة تستطع العمل في مصانع أخرى، وأسهم في توفير منتجات للسوق، استفاد منها التاجر المحلي، وكل هؤلاء نمت أعمالهم مع نمو هذا المصنع، ولا ننسى مصلحة الزكاة والبنوك. لذلك فإن مساهمة مثل هذه الاستثمارات هي إضافة متضاعفة وكبيرة للاقتصاد، عكس مستثمر الأرض البيضاء رغم تحقيقهما الثروة نفسها.

بهذا المثال، تتضح خطورة تركُّز الاستثمارات في العقار بهذه الطريقة، وعلى مدى زمني طويل، الذي أدى إلى تشوه صناعة العقار اليوم، وعجز المطور العقاري عن تقديم منتج مناسب للمستهلك؛ بسبب ارتفاع أسعار قطع الأراضي، وبالتالي معاناة الجميع منها، بالتأكيد أن السبب الأكبر لاتجاه المستثمرين إلى هذا النوع من الاستثمارات يعود بشكل رئيس إلى عدم وجود تكاليف من أي نوع عليهم، سواء من ناحية رسوم أو زكاة أو صيانة، ساعدهم بذلك عدم تقنين هذه السلعة بالضوابط التي تهدف إلى حث الملاك لتطويرها ومنع احتكارها أو الاحتفاظ بها مدة طويلة.

وضع الضوابط وإقرار الرسوم على الأراضي البيضاء سيحد من جاذبية تملك هذه العقارات، وبالتالي الضغط على الملاك لبيعها أو تطويرها، وهو ما سيزيد من المعروض في السوق بشكل حتمي، ويتم استغلال المساحات الفارغة وسط المدن، ويحد من الحاجة إلى زيادة النطاق العمراني للمدن المتضخمة أساسا، ونستطيع الاستفادة من تجارب الكثير من الدول في الحد من تملك العقار كمساحة فارغة غير مستغلة داخل النطاق العمراني للمدن.

أؤكد مرة أخرى أن هذه المشكلة إنما هي جزء من مشكلات أخرى في صناعة العقار. على سبيل المثال، المشكلات ناجمة من سوء التخطيط للمدن، والتوزيع السكاني غير المتوازن، أو مشكلات من تشريعات وأنظمة بناء للبلديات، أو مشكلات من ضعف التمويل أو عدم القدرة على توفير البنية التحتية للمخططات الجديدة، لكن يظل في نظري أن احتكار الأراضي بهذا الشكل والمضاربة غير الجيدة بها فاقم الأزمة، وكحلول لها فإن الرسوم (وإن كانت متأخرة جدا في إقرارها) ستضغط على الملاك لبيعها، والرسوم على عمليات البيع والشراء ستخفف من المضاربة مستقبلا عند عودة النشاط للسوق مرة أخرى، والذي سوف يأخذ وقتا ليس بالقصير حتى يتعافى من أغلب مشكلاته المتراكمة عبر السنين.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 14 ديسمبر 2016 7:42 ص

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020