ما الذي یمكن استنباطه من الخبر الذي نشرتھ جرائدنا مؤخراً، عن قیام ٤ مقیمین عرب، ٣ رجال وامرأة واحدة، خطف ُمقیم عربي آخر من منزله وجمیعھم یعملون كمقاولي بناء، ووضعه داخل كیس كما تفعل عصابات المافیا في أمریكا وإیطالیا، ونقْله لشقّة أحدھم وحبسه فیھا، ثم طلبھم فدیة من ذویه قیمتھا ملیونا ریال للإفراج عنه، على خلفیة نزاع في المقاولة التي عملوا فیھا معاً، قبل أن تتمكن الشرطة من تحریر المخطوف وتحویل الخاطفین للنیابة العامة؟
أنا شخصیاً أستنبط أن لدینا فوضى عارمة في قطاع البناء، خصوصاً قطاع المقاولات الصغیرة، أو ما یُطلق علیھا مجازاً المقاولات الشعبیة
والمقاولون الوافدون ھم بالطبع أحد أسباب حصول الفوضى، لعدم أھلیة كثیر منھم مھنیاً وسلوكیاً، لكنّھم كما أسلفْت أحد الأسباب، إذ ھناك المواطنون الذین یتستّرون علیھم، ومن یتستَّر تجاریاً على وافد في المقاولات ھو في واد والوطنیة في واد ِ آخر، ولم تعاني دولة في العالم من التستّر المھني مثلما عانت المملكة ومواطنوھا، ویبدو أن المعاناة مستمرة، والدلیل ھو ھذه المقاولة التي عالج ھؤلاء المقاولون ما شابھا ّمن نزاع بأنفسھم، وبأیدیھم، وبأرجلھم، وبالقیود، وبالخطف، والحمد لله على عدم تطور الخطف لأسوأ منه، كالقتل مثلاً، وكل ذلك بعیداً عن كفلائھم المواطنین، وعن الجھات التي یُشتكى إلیھا عادةً عند حصول النزاعات، وكأنّھم یعیشون في غابة متوحشة لا في بلد آمن فیه أنظمة وقوانین، ومثل ھؤلاء ھم الغرباء حقاً، لكن ینقصھم الأدب الذي یُوصى به الغریب في بلاد غربت!.
وھناك الجھات المعنیة بقطاع البناء، التشریعیة منھا والتنفیذیة، التي للأسف لم تسع لتأسیس قاعدة واسعة من
المقاولین الوطنیین للمشروعات الشعبیة، بل أنّھا وقفت حجر عثرة بطریقة غیر مباشرة أمام شریحة المھندسین الموظفین والتقنیین السعودیین للانطلاق بالمقاولات الشعبیة نحو العمل الحر إلى جانب وظائفھم، وبتعسیر إجراءات العمل والتصریح واستقدام العمالة لغیر الموظّفین، وكانت العاقبة ھي احتكار المقاولین الوافدین للسوق من تحت الطاولة!..
دعونا نُنظّم المقاولات الشعبیة، بتوطین مھنھا ولو بالتدریج، ومكافحة التستّر الكامن فیھا، وبألا یأمن العقوبة من تستّر، وألا یأمن العقوبة من أساء الأدب.