الاقسام: عقار

طفرة حضرية وعقارية في دول الخليج تصاحبها أزمة سكن

يمثل قطاع الإسكان في منطقة الخليج العربي، المعروفة بالتمدن السريع والتحول المدهش على مدى العشريتين السابقتين، أولوية وطنية، خاصة وأن المؤشرات تحذّر من تحول القضية الإسكانية إلى أزمة ضاغطة وقنبلة موقوتة.

تشير دراسة أعدّها دافيد أ. سميث وأنغوس فريمان، صدرت عن مركز الخليج للأبحاث (قسم جامعة كامبريدج)، إلى أن قضية السكن باتت تشكّل موضوعا شديد الأهمية بالنسبة إلى منطقة الخليج العربي التي تشهد تغييرات ديموغرافية واجتماعية وحضرية متواصلة.

تركّز الدراسة، التي حملت عنوان “سوق الإسكان ووضع السياسات في منطقة الخليج العربي”، على قضية العرض والطلب في سوق العقارات الخليجية والسياسات المتّبعة لتجنّب تحول هذا التطوّر الذي تشهده عواصم الخليج إلى أزمة.

ماهو المسكن؟

يقدّم الباحثان البريطانيان تعريفا مميزا للمسكن باعتباره التعبير المكاني لقيم مجتمع ما وأخلاقه والتزامه بتحقيق معادلة مجتمع يسع الجميع. والمساكن وفق سميث وفريمان هي ما يخلق المدن ويحددها. والمساكن ذات الأسعار المعقولة هي ما يجعل المدن ناجحة وقابلة للتوسع.

ويعتبر الإسكان الميسر من الأهم الأولويات التي تركز عليها حكومات دول الخليج، وقد كان هذا الموضوع محور بحث وزراء الإسكان ووكلاء الوزارات المعنية بالإسكان في دول مجلس التعاون خلال اجتماعهم بالكويت، في الفترة من 7 إلى 11 من شهر سبتمبر الجار

لماذا تتفاقم أزمة الإسكان في الخليج؟

كلما كبرت المدينة وازدادت ثراء أصبحت المساكن أكثر تكلفة، وهذا الأمر يجعل من المسكن أمرا بعيد المنال بالنسبة إلى فئة عريضة من المجتمع. وقد أصبحت القدرة على شراء المساكن في تراجع إذ ترتفع أسعار المساكن الحضرية بالتوازي مع ارتفاع أسعار الأراضي. وقد ينتج عن هذا الاختلال في العرض والطلب مشاكل اجتماعية.

ويشير دافيد أ. سميث وأنغوس فريما إلى أن مخاطر الإخفاق في معالجة قدرة شراء المواطنين للمساكن في مدينة تشهد نسقا سريعا من التمدن يمكن أن تتجلى في العنف الحضري والقلاقل الاجتماعية. إذن هناك رابط مباشر بين توفير المساكن بأثمان معقولة وإحداث فئة سكانية من الشباب غير المتزوج والفاقد للجذور.

وعندما يعجز المواطنون الشباب على الزواج ولا يستطيعون بناء أسرة خاصة بهم هناك مخاطر في حصول أعمال عنف حضري مفاجئ. لقد ظهرت أعمال الشغب والإرهاب الداخلي على مدى تاريخ التمدن مثلما شاهدنا في روما (سنة 75 قبل الميلاد) وباريس (1848) والولايات المتحدة (1967) والمغرب (2003) ولندن (2011).

يكمن الحلّ وفق الباحثان البريطانيان في العمل على إنشاء مساكن بأسعار معقولة، وهذه المساكن إضافة إلى دورها الاجتماعي والأمني، تساعد أيضا على تطوير البنية التحتية الحضرية من مرافق وطرق سيارة ونقل عمومي تساهم بشكل مباشر في خلق وظائف جديدة بما في ذلك الوظائف عالية الدخل والمعتمدة على قطاع المعلومات. وفي ذات الوقت كل وظيفة تحدث تعني في الوقت ذاته إحداث طلب لوحدة سكنية جديدة. وباختصار المساكن ذات الأسعار المعقولة هو ما يجعل المدن قابلة للتوسع، ويجعل المدن القابلة للتوسع ناجحة.

ويستشهد الباحثان بالتجربة الإماراتية في هذا السياق. حيث يقول دافيد أ. سميث وأنغوس فريما إن المثال التصويري الحي للتحدي المتعلق بالإسكان والمساكن ذات الأثمان المناسبة نجده في أبو ظبي ودبي حيث خلق التمدن التحويلي قوة عاملة متنقلة تجمع معا ثلاث أسواق فرعية مميزة: المواطنون، والعمال الأجانب ذوي الدخل المرتفع، والعمال الأجانب ذوي الدخل المنخفض. وبالرغم من أن السياسات السكنية لدى الإمارات العربية المتحدة تحدد المواطنين فقط كحرفائها الأساسيين تبقى الحقيقة المتمثلة في أن كل شخص يبحث عن مسكن في بلد معين يؤثر على ثمن كل أنواع المساكن وتوفرها بالنسبة إلى كل مجموعات الحرفاء.

هل يمكن تطوير مساكن عالية الجودة ورخيصة في نفس الوقت؟

تحقيق معادلة مساكن جيدة سعرا وجودة أمر ممكن في دول الخليج العربي، وفق سميث وفريمان، وذلك لأن بمنطقة الخليج عددا كبيرا من الخصائص المميزة والفريدة التي تجعل من تطوير مساكن مناسبة الثمن وذات جودة العالية تحديا ليس له مثيل، وواضح في أماكن أخرى في العالم. وفيما يلي بعض من هذه الخصائص:

* التمويل الإسلامي واستخدام الأرض: التمويل الخاضع لأحكام الشريعة (عن طريق الإيجارة، والمرابحة، والمشاركة) وأنماط استخدام الأراضي (بما في ذلك نظام الوقف) يتطوران بوتيرة مختلفة داخل منطقة الخليج، وفي حين أن هذه الأشكال موجودة في عدة أماكن في مختلف أنحاء العالم الإسلامي فهي جديدة نسبيا في منطقة الخليج.

* التحضر السريع الخاضع للتكنولوجيا: الكثير من البلدان التي تشهد عملية تحضر سريعة لديها مناخات تمكّن الناس من بناء مناطق شبه حضرية سريعة التوسع بمواد تتطلب خبرات وتكنولوجيات وتكاليف منخفضة، مما يؤدي إلى انتشار مدن الصفيح والمدن والمستوطنات غير الرسمية التي تحيط بالمدن الكبرى. أما منطقة الخليج العربي فلديها مناخات قاحلة تجعل من انتشار الضواحي شبه الحضرية أمرا متعذرا بسبب نقص الماء الصالح للشرب وتكنولوجيا التبريد.

* نسبة مرتفعة من العمال والمقيمين الأجانب: تستضيف كل البلدان الخليجية أعدادا كبيرة من العمال الأجانب على مستوى اليد العاملة أو مستوى الإدارة. على سبيل المثال يشكل الأجانب 67 بالمئة من سكان الكويت و80 بالمئة من القوة العاملة في المملكة العربية السعودية وأكثر من 90 بالمئة من القوة العاملة في دبي.

* أسواق سكن متعددة المستويات يفصلها القانون والمواصفات والموقع: عدة أسواق سكنية خليجية هي في الواقع عوالم موازية: إحداها لمواطني البلد، وأخرى للأجانب الميسورين، وثالثة لليد العاملة. وكل سوق لديها المواقع والمواصفات والمخططات ونماذج الملكية المفضلة الخاصة بها. وكل هذه الأشياء يمكن أن يتم تدعيمها ذاتيا عبر القوانين (مثل وضع حدود لامتلاك الأجانب للعقارات) والأعراف والانتظارات.

نتيجة لكل ما تم ذكره، بالإضافة إلى النمو السريع في التعداد السكاني لدول الخليج العربي، تتعرض المنطقة إلى مجموعة من التحديات الفريدة من نوعها الخاصة بخلق سياسات إسكان مناسبة لكل فئة مجتمعية مع ضرورة مراعاة قضية المساكن ذات الأسعار المناسبة. وستتطلب هذه التحديات حلولا تقوم على التجديد في القطاعين الخاص والحكومي وخلق استراتيجيات عمل مشترك بينهما. ويتطلّب توفير الإسكان معقول الكلفة مساهمةً حكومية، إلا أن الحكومة لن تكون قادرةً على مواجهة هذا التحدّي لوحدها. وبإمكان استراتيجيات توفير وطلب الإسكان تحريك القطاع الخاص وبالتالي دعم موارد الحكومة

وكان تقرير صادر عن الأمم المتحدة توقّع أن يسجّل التعداد السكاني في المدن الخليجية نموّا بمعدل 2.1 بالمئة سنويا مع توقعات بأن يصل تعداد سكّان دول مجلس التعاون الخليجي إلى 52.9 مليون نسمة بحلول العام 2020.

وسيشكّل هذا الارتفاع، حسب الخبراء، ضغطا على سوق الإسكان، التي تحوّل فيها المنزل من كونه بضاعة مادية إلى بضاعة مالية. والبضائع المادية هي البيوت التي يبنيها الناس من عملهم الخاص أو بيوت موجودة من قبل أصلية أو تم إنشاؤها دون أن تكلف أية سيولة نقدية. أما البضائع المالية فهي البيوت التي يدفع ساكنها المال لاستعمال الأرض سواء بشرائها أو تأجيرها. ومتى أصبحت المساكن بضائع مالية يتطلب تسليمها التمويلات سواء للمستهلك أو الساكن أو المالك المحتمل أو لعملية التطوير.

أي دور للحكومات في تجنب أزمة السكن؟

يؤكد دافيد أ. سميث وأنغوس فريمان على أن عملية التمدّن في دول الخليج العربي تعتمد على التكنولوجيا والبنى التحتية وذلك يعني أن هذا النمو الحضري مرتبط بالحكومة بصفة مباشرة أكثر من أي مكان آخر. وقد قامت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي حتى الآن بتوفير الأراضي أو المنازل مجانا أو تقديم الدعم المالي.

لكن على ضوء النمو السكاني في منطقة الخليج فإن الحكومات تتعرض لمزيد من الضغط لتوفير الإسكان بأسعار معقولة في ظل قائمات الانتظار التي تمتد في بعض البلدان لأكثر من 10 سنوات.

المصدر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020