الاقسام: عقار

صعوبات تنفيذ قرار رسوم الأراضي البيضاء

د. محمد آل عباس

سيظل موضوع رسوم الأراضي الفضاء يشغل الرأي العام لسنوات مقبلة، فقرار مجلس الوزراء هذا له ما بعده. لكن الملاحظ أن الكثير منا قد انشغل بدراسة أثر القرار أكثر من القرار نفسه، فهناك أسئلة حول أثره في أسعار العقار الآن، وتأثيره في الإسكان في المستقبل، ما انعكاساته على أسعار الأسهم؟ وكل هذه الأسئلة مشروعة تماما، فالجميع يريد أن يبني محفظته الاقتصادية ويحدد تفضيلات بناء على الأثر المحتمل للقرار، لا أحد يريد أن يصل متأخرا. لكن كما قلت إن هذه النقاشات طغت على أهم المسائل المتعلقة بالقرار نفسه وبتنفيذ القرار.

لقد قضى مجلس الوزراء بأن تتولى وزارة الإسكان تنفيذ القرار، وهذا فيه من الرسائل الكثير، فالمسألة هي مسألة العقار وليست مسألة المال نفسه، ليست مشكلتنا مع الإسكان والعقار مشكلة جمع الأموال اللازمة لتنفيذ المشاريع، فهناك المليارات المرصودة للسكن، لكن المسألة هي تحول العقار إلى ملاذ آمن ومخزون للثروة على أساس نظرية الولد البار، وهذا تسبب في ظاهرة الاحتكارات الضخمة التي شهدتها السوق خلال السنوات الماضية. وللحقيقة فإن هذه المشكلة كانت متوقعة بعد انهيار سوق الأسهم السعودية عام 2006، وقد حذرت منها في مقالات عدة في ذلك الحين، وحذرت كثيرا من فخ العقار. لكن من الصعب أن تقنع شخصا بالطريق المسدود، وهو يرى من يسير في نفس الاتجاه بسرعة جنونية، لقد سار الناس بسرعة هائلة نحو العقار حتى تعطلت فرص الخروج من المسار، القرار الذي أصدره مجلس الوزراء هو آخر الطب، وآخر أمل في نزع الاقتصاد من فخ العقار. يجب أن ينجح القرار في صنع تحول جذري في رغبة الناس في الاحتفاظ بالعقار. لهذا بالذات ولأن الخيارات معدومة فيما لو فشل القرار في خلخلة السوق العقارية، فإن على وزارة الإسكان أن تدرس اللائحة التنفيذية بدقة، وأن تعمل على تنفيذها بحذر أيضا.

لقد كان القرار سابقة في السياسة المالية في المملكة، فتحولت وزارة الإسكان بهذا القرار إلى شبه مؤسسة عامة، حيث لها مخصصات مالية في الميزانية العامة وفيما يخص مصروفاتها، بينما لها إيراداتها التي تودع في حساب مالي خاص في وزارة المالية، فهي مؤسسة خدمية، وفي نفس الوقت هي مؤسسة إيرادية، ولهذا الوضع الجديد آثاره بلا شك في هيكل الوزارة، إلا إذا تعاملت الوزارة بحكمة مع اللائحة التنفيذية، فلا بد للوزارة أن تستخدم أدواتها بشكل جيد، فمسألة تحصيل رسوم الأراضي الفضاء مسألة معقدة جدا، وهناك كثير من العقبات والمتاهات في الطريق، ليست مجرد 2.5 في المائة. هناك مشكلات تتعلق بتحديد نقطة تحصيل الرسوم، وهل هي عند نقل الملكيات “المنبع”، أو هناك طريقة أخرى، وما هي؟ كيف سيتم تحديد الوعاء إذا كانت نقطة التحصيل هي نقل الملكيات، ومن يحدد هذا الوعاء وكيف؟ وما دور المثمنين، وكيف نعالج السنوات التي لم يتم السداد عنها، هل ستعتبر تهربا، ومن يتحمل هذا، وهل هناك غرامات؟ وهذا سيجرنا إلى سؤال: كيف سيتم تعريف التهرب، ومن هو المتهرب؟ فالتهرب مرتبط تماما بنقطة تحصيل الرسم والوعاء، كم ومتى وأين؟ وإذا كان هناك رسم ووعاء وتهمة هرب وغرامات فإنه لا بد إذاً من حدوث مشكلة الاعتراض، وهذا يعني لجان اعتراض، وهذه اللجان لها متطلبات ونظام وأحكام، وقد نغرق في السنوات الأولى في بحر من الاعتراض، خاصة إذا لم يتم الدفع إلا بعد استنفاد فرص الاعتراض، وكم هي مدة صدور الأحكام النهائية، وكيف تسترد الأموال إذا نجح الاعتراض؟ وفي هذا كله لا بد لمن يطور اللائحة التنفيذية أن يستنير برأي مصلحة الزكاة والدخل.

وإذا تجاوزنا كل هذا فإننا أمام قضية المال نفسه، وما آليات الصرف، ومن الآمر بالصرف منه، وما مخصصاته؟ فالمال يخضع لنظرية الأموال المخصصة التي تتطلب تحديدا واضحا لمصادر جمع المال، وتحديدا واضحا ودقيقا للمهام التي سيصرف عليها، لقد حدد القرار مصادر جمع المال وهي متحصلات رسوم الأراضي الفضاء وغراماتها، وقلنا إن هناك مشكلة في تحديد المنبع وفي تحديد الوعاء و الغرامة، لكن القرار أيضا تحدث عن أوجه الصرف التي خصصتها لمشاريع الإسكان ومشاريع إيصال المرافق العامة إليها، وتوفير الخدمات العامة فيها، وهنا تداخل واضح على اللائحة التنفيذية أن تعالجه، فالخدمات بشكل عام هي من اختصاصات وزارة الشؤون البلدية والقروية، بينما الإسكان من مسؤوليات وزارة الإسكان، فمن سيكون المسؤول عن الصرف من مال رسوم الأراضي وكيف سيتم توزيع هذا المال وتخصيصه على هذه المنافع؟ هنا مشكلة واضحة يجب على اللائحة معالجتها بدقة متناهية، لأن تنازع الصلاحيات بين الوزارتين مشكلة ستهدد بشكل صارخ كل منافع هذا القرار. هناك كثير من الحلول بلا شك، لكن إثارة هذا النقاش الآن أولى من إثارته بعد أن تظهر لائحة ليست على مستوى التطلعات، ولم تراعِ كل هذه الإشكاليات.

وإذا أخذنا في الاعتبار كل ما ذكر أعلاه، والتغير الكبير الذي أحدثه القرار على الوضع النظامي لوزارة الإسكان، فإن على الوزارة أن تتفهم دورها جيدا، وألا تنسى مهمتها في توفير مساكن وبشكل عاجل، يجب ألا تتحول تحت ضغوط تحصيل الرسوم ومشكلات التهرب من مهمة بناء المساكن وحل مشكلة الإسكان إلى مؤسسة ضريبية، يقاس نجاحها بحجم ما جمعته من رسوم. لا نريد أن تظهر وزارة الإسكان في كل عام وهي تتباهي بحجم ما حصلته من رسوم، بينما لا تشير إلى ما بنته من مساكن. ولهذا أكرر قولي، يجب أن تبذل الوزارة جهدا كبيرا في بناء اللائحة، وألا تغرق نفسها – كوزارة في مسألة التحصيل. والحلول كثيرة، لكن من المهم وضوح المفاهيم في هذه المرحلة.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 28 نوفمبر 2015 11:26 م

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020