هذان المصطلحان ( فلل الكراتين..وبراد التلقيمة ) لا أعلم أيهما لعبد الحميد العمري وأيهما لعسكر بن سلطان الميموني..ومهما يكن..فإنني أقدم التحية لهذين المواطنين الشريفين المخلصين لوطننا..واللذين يقومان بحملة عبر تويتر لتوعية الناس وتحذيرهم من أطماع تجار التراب وسماسرتهم..ومقاطعة منتجاتهم وإغراءاتهم التي قاربت على إهداء المشتري عروساً ( بعفشها ).
عموماً..ما دفعني للكتابة اليوم هو القرار الأخير المسمى ( بالرهن الميسر )..الذي خرجت به لنا وزارة العقاريين المسماة خطأ بوزارة الإسكان..وفحواه تخفيض الدفعة الأولى المقررة لشراء العقارات من أراض وشقق وفلل كرتونية من 30% إلى 15%..مما يعني ظاهرياً التيسير على المشتري..ولكن باطنه يعني تصريف بضاعة ( الحبايب ) المغشوشة التي ( نشبت ) في حلوقهم..وتوريط المواطن برهن دخله الشهري لسنوات بل لعقود لصالح البنوك مقابل شراء سلعة لا تساوي ربع ثمنها.
إن ما يحز في النفس أن تجد جهة حكومية تراعي مصالح الأقلية على حساب الأغلبية..وهو ما تقوم به وزارة الإسكان تماماُ للأسف بعد أن تحولت إلى مكتب عقار لأصحاب ( براد التلقيمة )..فهي تهتم أولاً وثانياً وثالثاً بمصالح مجموعة قليلة من رجال الأعمال ( البطرانين ) من العقاريين والمقاولين بحجة أنهم مواطنون..وتترك ملايين المواطنين الفقراء المسحوقين المسجلين على لوائحها انتظاراً للإسكان المزعوم منذ سنين.
وقد رأينا البرامج تلو البرامج التي تصب جميعها باتجاه تخلي هذه الوزارة عن مسؤولياتها..وتحميل المواطن ما لا يطيق إرضاءً لتجار التراب..وتعطيل المبادرة إلى قيادة زمام السوق العقارية وترك ( الجمل بما حمل ) ليكون هدية للعقاري ولرجل الأعمال والمقاول..يحقق من خلاله الأرباح من الطرفين ( المواطن والدولة ).
وما القرض المعجل والرهن الميسر والشراكة مع القطاع الخاص( وتمطيط ) الوقت في موضوع رسوم الأراضي البيضاء والنسبة الهزيلة التي تم إقرارها والاستثناءات الكثيرة التي لا تنطبق عليها الرسوم والتفاهمات الدولية واتفاقيات التعاون التي لم نرَ منها شيئاً وتقليص عدد الأمتار بل وتفصيلها على الموجود في السوق وإطالة عمر العقار وتحويل الصندوق العقاري إلى بنك والقرض من إعانة بإعفاءات وبدون فوائد إلى قرض بنكي بفوائد..ما كل ذلك إلا دفعاً بالمواطن نحو الخضوع لإملاءات العقاري وسحباً له ( برقبته ) إلى مقصلة تجار التراب..وتخلياً واضحاً من الوزارة عن مسؤولياتها التي أنشئت لأجلها.
لقد قال أجدادنا قديماً : ( طيّاب نفس خير من مقضى حاجة ) ومعناه باختصار..إن قولك لي من البداية : لا أستطيع قضاء حاجتك أهون على نفسي من الوعود التي لا طائل من ورائها..وليت وزارة الإسكان تفصح لنا عن الحقيقة..ولماذا لم تقم بعمل يذكر حتى الآن رغم وجود مئات المليارات المرصودة لها في الميزانية..فإن لم يكن هناك ( دراهم ) لتنفيذ مشروعات الإسكان..وتصرفت الدولة بها في أمور أخرى فإن المواطن مع الدولة من قبل ومن بعد وسيصبر حباً لوطنه وثقة فيه وفداءً له..وعلى وزارة الإسكان أن تغير إستراتيجيتها لتعمل على منح الأراضي وتخفيض قيمتها ومحاربة احتكارها وتخفيض أسعار مواد البناء وتسهيل دخول شركات المقاولات الأجنبية ليتمكن المواطن من امتلاك منزله بنفسه..وتعلن ذلك بوضوح.
أما أن تبقى الأموال محبوسة أو تتم بعثرتها في المجهول بينما المشاريع الحقيقية معطلة من أجل عيني ألف أو ألفين أو عشرة آلاف عقاري ليفوزوا بأكبر قدر من الكعكة عبر فتح النوافذ لهم إلى تلك الأموال وخنق المواطن المحتاج للسكن..فإن هذا عبث واضح بأحلام المواطنين وانعدام تام للمسؤولية وعمل صريح ضد الدولة وضد المواطن الذي ستتحول ورود الأمل في صدره شوكاً من اليأس والحنق..وكان يجب على وزير الأفكار العقاري العتيد أن يدرك هذه الفكرة.
أخيراً..أوجه تحذيراً لأخوتي من شراء شقق ( حق الصلصة ) وفلل الكراتين التي تضافر على الغش فيها المقاول والمهندس والعقاري دون أية رقابة من الجهات المسؤولة..واعلموا أن خسائرهم إلى الآن ما زالت تحز في اللحم..ولم تصل إلى العظم بعد..إنهم يخسرون نعم..ولكن خسارتهم ما زالت من الأرباح وليست من رأس المال..والفيلا الدوبلكس التي كانوا يبيعونها بمليون ونصف لم تكلفهم حتى 700 ألف..وهم يعرضونها اليوم عليك بمليون ومائتي ألف..أي ما زال مكسبهم فيها 500 ألف..فاحذر أن تشتري هذه الكراتين حتى لو عرضوها عليك مجاناً..ولا ترهن راتبك للبنك لعشرين سنة في بضاعة لا تستحق ربع ثمنها وعلى حساب رفاهية أبنائك وتعليمهم ومستقبلهم..ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراُ..ولكل من يقول بأن العقاري هو مواطن أيضاً ولا يجوز الإضرار بمصالحه..أقول له ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس منا ).