معدل النمو في رخص البناء السكنية، التي تصدر سنوياً من الأمانات والبلديات، هو أحد أهم المؤشرات في قياس أداء قطاع الإسكان، فهذا المعدل في ازدياده أو تراجعه، يعكس مدى استجابة سوق الإسكان للتغير في عدد السكان، وبالتالي تلبية احتياج هذا التغير من الوحدات السكنية النظامية “المرخصة”، أو ربما أيضاً من غير النظامية “غير المرخصة”، المتمثلة في المساكن التي يطلق على العديد منها تجاوزاً ذلك، وتنشأ في الغالب بعيداً عن عين الرقابة، ضمن العشوائيات، أو القرى النائية، أو داخل المزارع.
أشير إلى ذلك تعليقاً على ما نشر في بعض الصحف المحلية، عن تسجيل تراجع في أعداد رخص البناء السكنية في مدن المملكة بنسبة (9%) خلال النصف الأول من العام الهجري الجاري 1437هـ، مقارنة بالفترة نفسها من العام الهجري الماضي، حيث يوضح الخبر أن اجمالي تراخيص البناء السكنية في نصف العام الحالي بلغ نحو (54957) رخصة بناء، في حين وصل عدد رخص البناء السكنية في الفترة ذاتها من العام الماضي نحو (59869) رخصة بناء، بفارق يبلغ نحو (5912) رخصة بناء، مضيفاً الخبر في استناده لآراء بعض المحللين في هذا المجال، إلى أن هذا التراجع يعزا إلى عوامل عدة، أبرزها بدء تطبيق نظام رسوم الأراضي البيضاء، وعدم رغبة المواطنين في الاستعجال لشراء الأراضي، والحصول على ترخيص بناء ترقباً لانخفاض الأسعار، علاوة على تأخر صرف القروض العقارية، وإعلان وزارة الإسكان عن التوجه لتوزيع عدد من المنتجات السكنية المتوفرة لديها، وتراجع التمويل العقاري من المصارف، إضافة إلى شراء المواطنين للمنازل الجاهزة.
ومع التقدير الشديد لآراء أولئك المحللين، في تبريرهم لهذا التراجع، الذي لا يخلو البعض منه إلى الوجاهة إلا أن الحقيقة تشير إلى أن هذا التراجع في اعداد رخص البناء السكنية ليس وليد هذا العام، بل منذ عقد أو يزيد من السنوات، فالمتتبع لهذا الجانب على مدى الخمسة عشرة سنة الماضية، يجد أن رخص البناء للمنشآت السكنية في كافة مناطق المملكة، كانت تنمو في العقد الماضي، بمعدل سنوي يبلغ نحو (13%)، لتنخفض إلى النصف تقريباً في العقد الحالي، فتصل إلى (7.5%) وتكون بذلك مؤشراً واضحاً على نشوء أزمة الإسكان في المملكة منذ وقت مبكر، لذا ينبغي علينا الحرص دوماً على رصد هذا المؤشر، والحذر من حدة التراجع في هـذا النمـو، لأنــه ينبئ في أحـد جوانبــه إلى عـدم كــفاءة بعض السـياســات التي نتبعهــا في معالجــة
مشكلة الإسكان، والأمر الأشد مرارة، هو الخوف من أن يكون هذا التراجع في النمو لعدد رخص البناء السكنية النظامية، يقابله ازدياد في نقيضها، أي المساكن غير النظامية، التي تفاجئنا في لحظة ما بنشوء نواة لبيئة سكنية عشوائية، ترهق كاهلنا في معالجة تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية لعقود من السنوات.