عقار

د. مشاري النعيم: تحديات الثقافة والعمارة العربية

مشاري عبدالله النعيم

التجارب التي يقدمها المعماريون العرب شكلانية وسطحية، ولا تضيف شيئا كبيرا للعمارة العالمية، وأرى أن السبب هو انفصالهم عن العمق التاريخي والمحلي، وتقليدهم العمارة الغربية، وابتعاد التعليم المعماري عن التجارب التقنية التي تهمنا..

قبل كتابة هذه المقالة بسويعات، كنت في اجتماع مع الاتحاد الدولي للمعماريين في باريس، وكان الاجتماع حول جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد، وإمكانية مشاركة الاتحاد في وضع الجائزة على الخريطة الدولية. يجب أن أقول إن حضورنا الدولي العربي محدود، رغم كل ما نبذله من جهد، وهذا ناتج عن عقم ثقافي عميق، وشعور بالنقص، يجعل ثقتنا بأنفسنا مهتزة بشكل واضح أمام الآخر، فمنذ جيل الرواد، وأقصد هنا المعماري المصري حسن فتحي، لم يعد لنا حضور حقيقي على الساحة الثقافية المعمارية العالمية، ولم يعد أحد يأخذ أعمالنا بجد، بل إن جل ما ينتج من عمارة ذات قيمة في الوطن العربي صار ينتجها معماريون أجانب. لا بد أن نسأل أنفسنا لماذ؟ فما يحدث هو استمرار لتراجع سياسي واقتصادي وثقافي، نتج عن ظروف متراكمة، بدأت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتصاعد مع الهزائم العسكرية والفكرية المتكررة التي منيت بها منطقتنا خلال العقود السبعة الأخيرة.

هناك محاولات تبعث على الأمل، بدأت تظهر وتتصاعد أخيرا، خصوصا من قبل المعماريين والمثقفين الشباب. على الأقل هذا ما لاحظته لدينا في المملكة، لكن هذا الاهتمام يفتقر إلى وجود القيادات الثقافية والمعمارية الملهمة. يبدو أن الشعور بالمسؤلية للجيل السابق تراجع في فترة مبكرة، فأنا أذكر مثلا أن بعض المعماريين السعوديين في مطلع التسعينيات بدأوا بعمل مختبر مهني، استقطبوا فيه عددا من الشباب المعماريين، لكن هذه الفكرة لم تستمر طويلا، وتفرق الجمع دون نتائج. منذ تلك التجربة وأنا أسأل نفسي: لماذا لا تنجح عندنا الأفكار «التوريثية» للخبرات والأفكار؟ ولماذا لا تتكون ثقافة المعلم والتلميذ في مجالات قائمة أصلا على هذه الثقافة؟

هذه الأسئلة ليست لها إجابات جاهزة؛ لأنها تحتاج إلى تشريح المجتمع العربي، وفهم العوامل التي تمنع ظهور توارث الخبرات والأفكار.

الأسبوع الفائت كنت في بيروت عضوا في لجنة تحكيم جائزة المعماريين العرب، وهي جائزة تتبع هيئة المعماريين العرب، التي أنا على يقين أنه لم يسمع بها أحد رغم أنها موجودة منذ سنوات طويلة، ولعل هذا أحد عوامل الإخفاق الثقافي؛ كوننا ننشئ مؤسسات لا تتواصل مع من يفترض أن تخدمهم وتقدمهم للعالم. لكن ما يحسب لهيئة المعماريين أنها تحاول بضراوة، وهذه الجائزة التي تعتبر الأولى في العالم العربي، سيكون لها أثر مهم في تحديد التوجهات الفكرية والمهنية للمعماريين العرب الشباب، وقد تسهم، إذا ما تم توظيفها منهجيا، في توجيه العمل الثقافي المعماري لإعادة اكتشاف المخزون الثقافي العربي وتقديمه للعالم. هذه ليست نظرة مفرطة في التفاؤل، لكنها محاولة لجعل الواقع أكثر قدرة على صناعة الأفكار البناءة. الجائزة محاولة جادة ورصينة وتستحق التقدير.

التحديات التي تواجه الثقافة والعمارة العربية المعاصرة تبدأ من قناعة المثقفين والمعماريين بأن مشاركتهم وتفاعلهم هو الذي يصنع الفرق، ويجب أن يعوا أن احترامهم للمؤسسات المحلية والعربية التي تجمعهم هي التي ستقدمهم للعالم. التفاعل مع جائزة المعماريين العرب لم تكن بالشكل المطلوب، الذي يبدو لي أن المعماري العربي لديه ترسبات تاريخية وقناعة عميقة بأنه لن يصبح معروفا إلا عن طريق مؤسسات أجنبية تتبناه.

في اعتقادي أن هذه الترسبات والقناعات عائق أساس أمام بناء هوية معمارية واضحة في منطقتنا العربية، ويفترض أن نواجه هذه القناعات السلبية وتقديم أمثلة إيجابية لتغييرها.

التحدي الآخر أمام العمارة العربية هو أن التجارب التي يقدمها المعماريون العرب شكلانية وسطحية، ولا تضيف شيئا كبيرا للعمارة العالمية، وأرى أن السبب هو انفصالهم عن العمق التاريخي والمحلي، وتقليدهم العمارة الغربية، وابتعاد التعليم المعماري عن التجارب التقنية التي تهمنا. هذا التحدي مرتبط بالوعي التعليمي والمهني، وتقبل جمهور العمارة للتجريب والتجديد. والحقيقة التي يجب أن أتوقف عندها أننا بحاجة إلى التوازن بين المحلي والإقليمي والعالمي، وأن تقوم مؤسسات كبيرة بتحقيق هذا التوازن، وهذا ما تحاول أن تحققه جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد، التي تسعى إلى تحقيق روابط معرفية وبحثية ومهنية تجمع المهتمين في المنطقة العربية بالتجارب العالمية.

المصدر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020