عقار

د. محمد آل عباس: الصندوق العقاري .. ولغز محافظ الإقراض

د. محمد آل عباس

للحقيقة، فإن الخطوة التي سيقدم عليها صندوق التنمية العقارية لشراء محافظ الإقراض في المصارف خطوة محيرة إلى حد بعيد، ومنذ إعلان وزارة الإسكان عن ذلك وما تبعه من تصريحات للوزير وللمشرف العام على الصندوق وأنا أحاول فهم هذه الخطوة، ومع ذلك لم أفهم حتى الآن، وكان بودي أن تقوم الوزارة والصندوق بشرح واف وكاف في مؤتمر صحافي موسع عن هذه الخطة المهمة جدا، فالمسألة ليست مجرد اختصاصات الصندوق والوزارة، بل هي أموال مخصصة للمواطنين وحق لهم لحل مشكلة الإسكان، سيتم دفعها للمصارف بدلا عنهم، فكيف يمكن لهذه الخطوة الغريبة جدا أن تسهم في حل مشكلة الإسكان؟

قلت في مقالات عدة إن أخطر ما تورطت فيه وزارة الإسكان هو ضياع الهدف الأساس، في وسط مجموعة كبيرة من المبادرات، حتى أصبحت المبادرات هي الهدف وتحقيقها هو الإنجاز، حتى لو كانت طريقة إنجازها تبعدنا عن حل مشكلة الإسكان التي تتأزم.

خلال الأشهر الماضية تحدثت وزارة الإسكان عن هذا المشروع كجزء من إعادة هيكلة الصندوق العقاري، وتحويل أعماله إلى مؤسسة تمويلية، ووفقا لتصريح المشرف العام على صندوق التنمية العقارية، فإن الهدف من شراء محافظ الإقراض في المصارف، هو توفير أكبر قدر من السيولة المالية، وذلك من خلال تسلم القروض المقرر تقديمها إلى المواطنين من المصارف بنسب فائدة أقل، ما يعود بالنفع على المواطنين المقترضين من طالبي السكن، “هكذا جاء التصريح الذي لم أفهمه”. كيف يتحول الصندوق إلى مؤسسة تمويلية، فما حاله الآن؟ وهل التمويل سوى منح القروض؟ فهل كان الصندوق يقوم بشيء غير هذا طوال عمره المديد؟ من المعروف أن الصندوق يقدم القرض الحسن، وليس مجرد الدعم. فعلى المقترضين إعادة السداد مرة أخرى، لكن دون فائدة. فالفرق بين عمل المصارف وعمل الصندوق هو الفائدة فقط، لكنهما معا يمثلان مؤسسات تمويلية، فهل يجادل المشرف على الصندوق في هذا؟ فعن أي هيكلة تتحدث الوزارة؟
الجميع يعرف معنى محافظ الإقراض، فالمحفظة تعني الأموال التي يخصصها المصرف من أجل استثمارها في القروض، حيث توفر هذه المحفظة عائدا سنويا يستهدفه المصرف، وأيضا تحافظ على رأس المال المستثمر فيها، فهي محافظ آمنة إلى حد بعيد خاصة في المملكة التي يعتمد فيها المصرف على رهن الراتب. هل هناك معنى للمحافظ غير هذا يقصده الصندوق العقاري؟ ونلاحظ في التصريح عدم تعريف المحافظ بالعقارية أو الأسهم أو غيرها بل عممها هكذا. إذاً فمحافظ الإقراض هي ما يستهدفه الصندوق، حيث سيقوم بشرائها من المصارف، ونحن نعرف الشراء أن يدفع الصندوق من أمواله السائلة في مقابل هذه المحافظ. ولأن المصارف رأسمالية بطبعها تهدف إلى تعظيم الربح، فمن المتوقع أن يتم بيع هذه المحافظ وفقا لطريقة تسعير الأصول الرأسمالية، حيث يضمن المصرف حصوله على القيمة الحالية لجميع العوائد المستقبلية المتوقعة من هذه المحافظ. يعني يبيع المحفظة برأسمالها الآن ويبيع جميع الأرباح المستقبلية بقيمتها الحالية اليوم وفقا لطريقة معينة في الحساب. وهذا يعني أن نعطي المصرف اليوم جميع أرباحه المستقبلية ونريحه من همها. فكيف بالله أفهم تصريح المشرف العام على صندوق التنمية العقارية لـ”الاقتصادية”، بأن الهدف من شراء محافظ الإقراض، توفير أكبر قدر من السيولة المالية، وكيف يكون الهدف توفير أكبر سيولة إذا كان الصندوق سيقوم بشراء المحافظ باستخدام السيولة المتوافرة له؟ فهل سيقوم الصندوق بشراء هذه المحافظ بالتسديد المؤجل مثلا؟ وإذا كانت هذه هي الطريقة فلماذا لم يصرح بها الصندوق؟ وكيف نقتنع بأن الفائدة ستكون أقل؟ وهل تحول الصندوق العقاري إلى مؤسسة للنقد يقوم بشراء القروض من المصرف ليعود المصرف ليأخذها منه ليقرضها مرة أخرى، في لعبة كرسي الفائدة بين المصارف؟

لقد قلبت رأسي في هذا الموضوع، وقلت لعل الهدف من الشراء هو التغلب على نظام الصندوق الذي لا يجيز له الإقراض بفائدة، فإذا قام بشراء المحافظ في المصارف التي ستقوم بالإقراض نيابة عنه وفق نظامها ومن ثم تحقيق عوائد مستمرة يستطيع من خلالها الصندوق توفير سيولة دائمة تمكنه من تنفيذ سياسته. وإذا كانت هذه هي الفكرة، فهل هذا هو الحل؟ نأخذ السيولة الآن، لنعطي المصارف، وننتظر العوائد من هذه الأموال لندفع إلى المواطنين قروضا حسنة بلا فوائد. لكن كيف أفهم نص التصريح الذي قال فيه المشرف على الصندوق إنه يتم تسلم القروض المقرر تقديمها إلى المواطنين من المصارف بنسب فائدة أقل؟ يعني ندفع إلى المصارف كل فوائده حالا ثم نعدل سعر الفائدة بأقل منه، “يعني نخسر” ثم نستخدم هذا العائد من المحافظ “الخاسرة” في توفير سيولة لنقرض بها المواطنين مرة أخرى بلا فائدة.

أنا مع مشروع توفير موارد دائمة للصندوق، موارد ذاتية تتصف بالاستدامة، وهو أمر مهم بأي طريقة، لكن لماذا “بدلا من هذه الطريقة العقيمة في نظري” لا يقوم الصندوق بتعديل نظامه ليتمكن من الإقراض بفائدة بشكل مباشر دون وساطة المصارف، ووفقا لنظام الصكوك الإسلامية بدلا من هذه الدورة الطويلة من العمل، خاصة أن المصارف حتما ستستخدم طريقة القيمة الحالية في تسعير الفوائد المستقبلية وستبيع المحافظ بربح، لكن يتمكن الصندوق من استرداده. لكن على أي حال فإن التصريحات التي أعلن عنها الصندوق عن هذا المشروع تحتاج إلى مزيد من الشفافية خاصة عن الآلية الفعلية التي سيستفيد منها المواطن، وستبقى مسألة توفير أكبر سيولة للصندوق من خلال شراء هذه المحافظ لغزا يحتاج إلى توضيح.

عندي أي طريقة تنتهي بدعم المواطن في مسألة السكن هي طريقة مقبولة رغم البراجماتية التي يحملها هذا النص. فحاجة المواطنين إلى السكن تتزايد يوما بعد يوم، ومع تزايد الضغوط على موارد الصندوق فإن تحول الصندوق الهيكلي لحل هذه المشكلة خطوة مهمة جدا وتحتاج إلى دعم. لكن المهم وضوح الرؤية تماما للمواطنين، لأنهم أهل الحق في هذه الأموال التي خصصتها الدولة لهم، والصندوق فقط يقوم على إدارتها، فالشفافية في الآليات والاتساق في التصريحات، هو أمر في غاية الأهمية، وتحول الصندوق إلى مؤسسات تمويلية مستقلة ذات ميزانية منشورة للعموم هو أيضا مطلب.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 26 فبراير 2017 9:14 ص

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020