عقار

د. محمد آل عباس: القضايا الاقتصادية السعودية الخمس .. السكن

د. محمد آل عباس

في هذه السلسلة المقالية تحدثت عن خمس قضايا اقتصادية تمس الواقع السعودي، وحلها اليوم يعد ضرورة حتمية، وقد بدأت بمسألة فجوة الرواتب وأحسب أنني قد استكملت هذه النقطة وشرحت وجهة نظري حيالها، كنت أخطط أن تكون المنافسة في سوق العمل هي القضية التالية لارتباطها بموضوع الراتب، لكنني رأيت أن أقدم موضوع الإسكان، لارتباطه بموضوع الساعة وهو الرسوم على الأراضي البيضاء.

ما مشكلتنا مع السكن؟ معدل التضخم في أسعار السكن يصل إلى 5.2 في المائة، وارتفع الرقم القياسي من عام 1988 وحتى عام 2007 (20 عام) 27 نقطة بينما ارتفع من عام 2007 وحتى عام 2015 (ثمانية أعوام) 64 نقطة. وإذا قارنا ذلك بالتغيير في قطاعات أخرى مثل النقل لوجدنا أن التغيير محدود جدا في باقي القطاعات، ولا يقترب من التغيير الذي حصل في قطاع السكن إلا التغيير في أسعار التبغ، ونحن نعرف أن هذه السلعة تواجه سياسة حكومية للحد من استهلاكها وأسعارها سترتفع مجددا. ماذا يعني هذا؟ يعني أن السكن وما يترتب عليه من مصاريف مثل الكهرباء وغيرها، يستهلك جزءا كبيرا من ميزانية الأسرة، وإذا كان الرقم القياسي للأسعار قد تغير بما يقارب 33 نقطة من عام 2007 وحتى عام 2015 فإن معظم هذه التغيير قد جاء من التغير في أسعار السكن. وترى بعض الدراسات أن يصل الطلب على المساكن الجديدة للمملكة خلال العشرين عاما المقبلة إلى 9.2 مليون وحدة سكنية بمعدل متوسط سنوي يبلغ نحو 145 ألف وحدة وذلك قبل حلول عام 2025، وأن هناك فجوة في البناء تصل إلى 1.1 مليون وحدة سكنية. وإذا كان أفضل رقم قدمته وزارة الإسكان للوحدات التي ستبنيها يصل إلى 100 ألف وحدة، فإننا أمام مشكلة اقتصادية حقيقية.

لفهم المشكلة، نحن نعرف أن متوسط الراتب في القطاع الخاص للسعوديين يصل إلى 5.5 ألف ريال، ويقدر بـ 1.8 ألف ريال للوافدين وفي المقابل فإن متوسط الراتب في القطاع الحكومي بلغ عشرة آلاف ريال وللوافد ثمانية آلاف ريال (وهذه صورة واضحة من فجوات الراتب التي تحدثت عنها في مقالات سابقة)، وإذا كان سعر الإيجار للشقة السكنية الصغيرة للأسرة الصغيرة قد بدأ يتجاوز 20 ألف ريال، فإن ذلك يعني أن يستهلك السكن ما يقرب من 1700 ريال تقريبا (وذلك بخلاف متطلبات السكن مثل الأثاث والمصروفات المرتبطة كالكهرباء والماء والصيانة)، وهذا يقارب 30 في المائة من راتب الموظف في القطاع الخاص السعودي، و100 في المائة من راتب الموظف الوافد، وهو ما يعادل 17 في المائة من راتب الموظف في القطاع الحكومي. فالسكن على هذا الواقع الذي نعيش فيه اليوم يجعل من الصعب على أي موطن القبول بالعمل في القطاع الخاص، ويضع تساؤلا حول معيشة الوافدين الذين يعملون في القطاع الخاص وما طريقة معيشتهم وأين؟ كما يضعنا المقال أمام تساؤل مهم بعد كل هذه المعلومات. ماذا لو ارتفعت أسعار السكن بشكل جنوني خلال السنوات المقبلة؟

أسعار السكن سترتفع لا محالة (من وجهة نظري) لا يمكننا أن نبني كل هذه المساكن خلال السنوات المقبلة، نحن نواجه تحديا كبيرا لمقابلة الطفرة السكانية في المملكة، خاصة في سن الشباب، وباستعراض رقم الخريجين من الجامعات السعودية، الذين سينضمون إلى سوق العمل في هذه السنة 2016، نجد أن عددهم بلغ 45 ألف طالب وطالبة في أربع جامعات فقط، وإذا قلنا إن نصف هذه العدد فقط سيجد فرصة عمل وإن نصفهم سيجد طريقه إلى الحياة الزوجية ويبدأ الطلب على السكن فإننا أمام 11200 طلب إضافي خلال عام واحد من خريجي أربع جامعات فقط. وإذا كنا سنضيف باقي الجامعات السعودية وغيرها من الجهات التي مثل القطاعات العسكرية والدبلومات بأنواعها والجامعات والكليات الأهلية وخريجي بعثات خادم الحرمين الشريفين فإننا أمام ما لا يقل عن 30 ألف طلب جديد للسكن في كل عام.

وهكذا، فإن مشكلة السكن مركبة من عدة قضايا، أولها التضخم المستمر في أسعار السكن وارتفاع نصيبه من تكلفة المعيشة، قلة المعروض من السكن، تفاوت مستويات الرواتب ونصيب السكن من الراتب، استمرار وتيرة الطلب المتزايد على السكن. وفي مقابل كل هذا هناك إحجام عن تلبية الطلب من قبل المستثمرين القادرين على البناء بسبب تراجع العائد مقابل تكلفة التطوير، والسبب في ارتفاع تكلفة التطوير والبناء هو ارتفاع سعر الأراضي، الذي أصبح يشكل أكثر من نصف قيمة الاستثمار، وهذا بدوره جعل الاستثمار في العقار أقل عائدا من غيره من القنوات، خاصة المضاربة في الأراضي دون بناء. وهكذا أصبح الحال، فلا الاستثمار مجد بسبب ارتفاع تكلفة الاستثمار “وصلت بعض المباني الاستثمارية في الأحياء إلى أسعار وصلت إلى أربعة ملايين ريال وهي مكونة من ست وحدات فقط” والتزايد مستمر في وتيرة الطلب كل عام، فماذا نتوقع أن يحدث؟

سيتباطأ الاستثمار في العقار كلما استمرت ظاهر ضعف العوائد بسبب ارتفاع تكلفة الأراضي والبناء، ومع استمرار النمو السكاني والطلب من الشباب على السكن، ستعود العوائد إلى الارتفاع “عوائد الإيجارات” حتى حدود تحفز الاستثمارات مرة أخرى. وهنا تظهر القضية الاقتصادية الثانية التي أتحدث عنها، وبعبارة أخرى فإنني أرى أن أسعار السكن لن تتراجع في المستقبل ولن يتحسن الاستثمار في العقار في القريب حتى نصل إلى مرحلة لا يجد فيها الشباب سكنا متاحا ولا يجد أصحاب المحال التجارية محال جديدة لهم وسيؤدي الأمر في النهاية إلى ارتفاع حاد جدا في الإيجارات “لقلة المعروض وزيادة الطلب” بشكل يجعل من العوائد على العقار ترتفع إلى أكثر من 10 في المائة، وهذا سيرفع من الإيجارات بمعدلات غير مسبوقة قد تستهلك أكثر من 60 في المائة من الراتب، وإذا حصل هذا فإننا أمام وضع يصعب التنبؤ به.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 19 يونيو 2016 6:07 م

نشر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020