عقار

د. صالح السلطان: أسعار العقار بين مرجفين ومطبلين وكلاهما غير ناصح أمين

د. صالح السلطان

من السهل الانتقاء بهدف التضليل. وللتشبيه، امثل بمن يعرض صورة احسن شارع أو حي في عاصمة دولة ما وصورة أسوا شارع أو حي في الرياض، ليوهم القراء او المشاهدين أن شوارع أو أحياء هذه المدينة أفضل من مثيلتها في الرياض. او العكس يعرض صورة أسوا شارع وحي في عاصمة دولة وصورة أحسن شارع وحي في الرياض ليوهم القراء او المشاهدين بالعكس.

روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “أول ما تفقدون من دينكم الأمانة”، وقد صحح الحديث علامة الحديث الشيخ الألباني رحمه الله.

هذا الحديث وتلك المقارنات يمكن تطبيقها على كثير من المقالات والتعليقات التي تصدر حول أسعار العقار. كيف؟ مما يوجد في السوق كلام فريقين متطرفين في توضيح وتفسير أسعار العقار والأراضي خاصة. والجامع بين الفريقين الانتقاء وغلبة الهوى وضعف الأمانة والنزاهة في تصوير الوضع. بل يمكن القول بان في هذا الاسلوب درجة من الفجور في الخصومة. وأكرر بعض وليس الجميع، فالأمة لا تجمع على باطل.

هناك فريق مرجف يهول الموضوع أمام الناس، وينذرهم صباح مساء بأن أسعار العقار في طريقها أن تنهار أو تطيح. وهذا الفريق لن يعدم من ضرب أمثلة واختيار عوامل منتقاة ليدعم بها رأيه.

العوامل والأمثلة موجودة، لكنها منتقاة، سواء كان الانتقاء عمدا، أو صادف هوى في نفس صاحبه. وهذه أمثلة عوامل:
– أوضاع الاقتصاد الصعبة التي يعرفها القاصي والداني
– الانخفاض الحاد في أسعار النفط
– زيادة إيرادات الحكومة غير النفطية ومصدر نسبة كبيرة منها الرسوم الجديدة
– ارتفاع أسعار العقار مقارنة بقدرات غالبية الناس
– انخفاض متوسط دخول الناس مع الإجراءات الحكومية
– تأثير الرسوم على الأراضي البيضاء
– مديونيات الناس للبنوك
– مغادرة بعض الوافدين
– تقييد الحد الأعلى من التمويل البنكي.

بالمقابل، هناك فريق مطبل. يصور أوضاع الاقتصاد والعقار وكأننا مازلنا في طفرة. وهذا الفريق أيضا لن يعدم من ضرب أمثلة وذكر عوامل على تماسك الأسعار.

الأمثلة والعوامل موجودة، وكل ما في الأمر انتقاء ما يتفق مع الهوى، هؤلاء يركزون على عوامل عكسية التأثير على أسعار الأراضي. وهذه أمثلة:
تزايد السكان
– تفاؤل ببرامج الرؤية وتحسن مناخ الاستثمار
– تحسن نسبي في إيرادات الدولة وفي إنفاقها مقارنة بالعام الماضي
– برامج وزارة الأسكان
– الضغوط تجاه توظيف السعوديين في القطاع الخاص
– كون غالبية كبار ملاك الأراضي في الغالب ليسوا مدينين للبنوك وليسوا تحت ضغوط شديدة للبيع
– تكاليف باهظة للتطوير وتوصيل الخدمات للمخططات الجديدة، خاصة مع وضع الدولة المالي الذي يعني بطئا في اعتماد وتنفيذ مشاريع للمخططات الجديدة
-تحسن أسعار النفط
– ارتفاع أسعار العقارات أكثر من الدخول مشكلة موجودة في الدول الأخرى

المرجفون يرون أنفسهم يفعلون بالناس خيرا. فهم يرون أو بالأحرى يتوهمون أو يزعمون أنهم يحاولون كشف ما يرونه طمعا وجشعا ممن يسمونهم “تجار تراب”،. يرون إرجافهم يسهم في خفض أسعار العقار، وهي أسعار مرتفعة لا شك في ذلك. عند هؤلاء الغاية تبرر الوسيلة. طالما أن الغاية نبيلة فكل وسيلة للوصول إليها حلال في نظر هؤلاء. طبعا هم لا يقولون ذلك صراحة، لكنهم يقولونه سلوكا.

الفريق الآخر المطبلون يرون أنهم يفعلون بالاقتصاد خيرا. يرون الأولين ورقيين لا يفقهون حقيقة أوضاع السوق، بل مجرد كتبة وأصحاب سواليف يبتغون شهرة وشعبية أمام الناس. يرون أن العقاريين ليسوا هم السبب الأكبر في ارتفاع الأسعار. يرون الإرجاف يزيد الاقتصاد ضعفا على ضعف.

يرون من يدعون الناس الى تأجيل الشراء أو المقاطعة يرونهم يغررون بالناس بتزيين بقائهم مستأجرين، ويرونها سياسة تسهم في زيادة معاناة الناس برفع الإيجارات عليهم وطرد المستثمرين والمطورين من سوق العقار.

للاولين تبريراتهم ولهؤلاء تبريراتهم. ونحن شعب نحب التبرير.
المطلوب ترك العناد. من خصال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان وقافا عند الحق. مطلوب اتباع منهج أساسه محاولة نقل وتصوير الاوضاع كما هي، بغض النظر عن الميول والاهواء. طبعا هذا المنهج ليس من السهل تطبيقه، لأن  المجتمع لم يعتد هذا النمط من التفكير والتحليل، المسمى في أدبيات علم الاقتصاد positive economics أي محاولة وصف وشرح وتفسير الأوضاع كما هي، بمعزل عن ميول النفس تجاه هذه الأوضاع. تعود غالب الناس على أن وصف الأشياء ينطلق من هوى.

من يحترم عقول الناس ويريد أن ينفعهم بما آتاه الله من علم فعليه أن يترك سياسة الانتقاء. يترك سياسة إظهار ونشر معلومات وأخباريحبها وإخفاء معلومات وأخبار لا يحبها.

عليه أن يطلع الناس على المعلومات والأخبار بغض النظر عن كونها حسنة أو سيئة في نظره. معروف وجود أخبار عن عقارات نزلت أسعارها بقوة وعقارات نزلت بضعف، وعقارات لم تنزل أو نزلت نزولا لا اعتبار له.

مثلا، قد يباع عقار بسعر مرتفع أو يبدو مرتفعا او بسعر منخفض أو يبدو منخفضا لظرف خاص بالبائع أو المشتري.

وبين هاتين الحالتين حالات واحتمالات نظرا لأن العقار سلعة غير متجانسة. من يرغب في نفع الناس بمعزل عن مصالحه، عليه الأ ينتقي في نشر الأخبار، بل يقول ما يسره وما لا يسره من أخبار عن أسعار وصفقات العقار. يطلع الناس على ما يعرف من معلومات بدون تدليس أو إخفاء، ويترك للناس حرية اتخاذ القرار.

وإن أراد إعطاء مرئيات ونصائح تتصف بالأمانة والموضوعية، فعليه أن يحاول وبنزاهة وحياد قدر المستطاع أن يوازن بين تأثير مجموعة العوامل الأولى المخفضة للأسعار ومجموعة العوامل الاخرى المعاكسة في التأثير، وعند المقارنة بالأوضاع في الدول الأخرى، عليه أن يدرس تطورات أسعار العقار في العالم ويخبر عنها بأمانة علمية.

المصدر

آخر تعديل تم نشره 5 فبراير 2017 10:28 ص

عرض التعليقات

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020