عقار

د. أحمد الزهراني: التحليل الاقتصادي للسوق العقارية

د.أحمد الزهراني

من أكثر الاحاديث انتشارا بين أوساط الناس هو موضوع العقار فلا يكاد أي مجلس او اجتماع الا ويبدأ الحوار عن حرارة الجو أو حرارة الأسعار وأنها مرتفعة جدا ويبدا الموضوع أولا بالاندهاش من الارتفاع الجنوني للأسعار في السنوات السابقة. ومن ثم يتجه الحوار الى المقارنات مع بعض الدول ويبدأ البعض بالجزم حول التوقعات المستقبلية للأسعار وأنها سوف تنهار وحتى بعضهم يعطي نسب محددة 70% وزمن محدد.

ولم يتوقف الموضوع الى الحوارات الاجتماعية والتي بطبيعتها أحاديث ليست مقترنه بأدلة وشواهد علمية، لكن انتقل الموضوع والحوارات الى الصحف والمقالات وبدأ بعض الكتاب في نشر مقالات اقتصادية في ظاهرها لكنها مختلطه بالكثير من الأخطاء المنهجية والبعيدة كل البعد عن التحليل الاقتصادي السليم حيث ان المقدمات واليات الاستدلال لا تتفق مع النتائج والتوقعات حول التوجهات المستقبلية في أسعار العقار، إذ لا يمكن الحديث عن قطاع اقتصادي هام بدون التأسيس العلمي الصحيح للتحليل الاقتصادي، لذا أحببت في هذا المقال أن ادرج نقاش هادئ عن الأسس الاقتصادية للعقار لكي يمكن ان نوجد أرضية مشتركه للفهم والتحليل الاقتصادي.

وأحب ان أنوه هنا ان هذا المقال ليس توقعا او تحليلا ولا يقدم توصيات حول السوق العقاري وانما فقط يتطرق الى المفاهيم الأساسية وإطار التحليل المفترض استخدامه لفهم السوق العقاري وقوى العرض والطلب مع اسقاط تلك المفاهيم قدر الإمكان حول السوق المحلية. ويجب التوقف هنا قليلا والتنبيه على أن نقص البيانات بالذات في السوق العقارية حول الطلب والعرض من شانه أن يعطي تصورا وتحليلا دقيقا للوضع الراهن.

معظم النقاشات المتعلقة بهذا الموضوع تدور حول عدالة الأسعار وسوء توزيع الثروة وأن اتجاه الأسواق في هبوط كبير او انهيار وهذا الحديث وان كان به من الصحة في مسالة العدالة الاجتماعية الا إن ذلك لا يعطينا الجزم بانهيار الأسعار لذا هو نقاش يختلط فيه الاقتصاد مع البعد الاجتماعي. ومن أسوأ المحللين من ينتهز مثل هذه الأوضاع لتجييش القراء والمتابعين واستخدام عبارات عاطفية لتغطية الخلل في التحليل الاقتصادي المتوازن وليس بالضرورة ان الأسعارسوف تنزل لكي تتحقق العدالة الاجتماعية فقط لأننا نرغب بذلك. علما بان ارتفاع الأسعار يعتبر ظاهره عالمية في المدن الكبرى عالميا، وعلى الكثير أن يحاول التكيف مع الوضع الحالي ومعطياته مثل تغير التفضيلات في الطلب، مساحة المباني، نوع الوحدات السكنية بدلا من المراهنة على أمور عاطفية وعوامل اقتصادية غير معلومة بالضرورة مثل أسعار البترول والفائدة والمتغيرات الاقتصادية الأخرى.

لا شك أن تهدئة الأسواق وتوازنها مطلوب وصحي لكن تذكر بأنك في دولة نموها السكاني عالي جدا ورتم انشاء المرافق التحتية فيها لا يتناسب مع هذا النمو كحال الكثير من الدول ذات النمو السكاني العالي، ولا يمكن تغطية المساحات الهائلة بالخدمات والمرافق الأساسية بسهولة ولا تعني مساحة المملكة الكبيرة بان العرض متوفر فالعبرة بالمناطق المخدومة بالبنية التحتية الملائمة والموقع المناسب.

وفي الغالب يحكم أسعار الأصول العقارية الاطار العام للعرض والطلب والمؤثرات المتعلقة بهما وكذلك التوقعات للأسعار المستقبلية، لذا فان أي تحليل اقتصادي لسوق العقار يجب ان ينطلق من هذا الاطار، بدلا من التحليل النمطي أو الحدس والامنيات لان في ذلك تبعات كثيره مؤثره على قرارات الافراد وعلى السوق بشكل عام لكن قبل الدخول في موضوع المقال الرئيسي ومفهوم العرض والطلب في السوق العقارية أحب ان اشير للنقاط التالية:

• القطاع العقاري نشاط اقتصادي فيه نوع من الخصوصية من ناحية الأسس الاقتصادية التي تحكمه لكنه يظل في المجمل يتبع للمبادئ الاقتصادية الأساسية للعرض والطلب.

• يتميز الأصل العقاري بالعمر الطويل فالمبنى يدوم لعشرات السنين والأرض التي تحته تدوم للابد ( لذا هي سلعة خاصة والكثير من الأشخاص يعتبر العقار اكثر سلعة مكلفة اشتروها بحياتهم والوضع الطبيعي ان الحصول عليها يحتاج زمن من الادخار والتخطيط المالي وطلب التمويل).

• الأصول العقارية غير متجانسة فكل قطعة ارض او منزل هي فريدة من نوعها من حيث المبنى او الموقع او المواصفات وهذا يصعب عملية التسعير ويزيد من تكاليف البحث ويخلق مشكلة عدم تماثل المعلومات بين المتداولين information asymmetry ويصعب عملية إيجاد البديل (ارض في موقع مميز صعب إيجاد سلعة بديله لها )

• تكاليف التداول (الشراء والبيع) عالية وتتمثل في تكاليف البحث والرسوم والضرائب الحكومية والتي قد تصل في بعض الدول الى 10% ,أما محليا فقد ساهم انخفاض تكاليف التداول في شيوع التداول في العقار بشكل كبير مما جعل الطلب لا يعكس الاحتياج الحقيقي دائما وانما انعكاسا لرغبة الافراد في تنويع استثماراتهم والحصول على مكاسب رأسمالية .

• العامل الزمني الطويل التغيرات في السوق العقاري عادة ما تتسم بأنها بطيئة نظرا لطول الوقت الذي يستغرقه التطوير ومراحله المتعددة للتمويل وتصميم وبناء امدادات جديدة ، و أيضا بسبب بطء وتيرة التغير في الطلب لذا آليات التكيف في القطاع العقاري تميل إلى أن تكون بطيئة نسبة إلى أسواق أكثر مرونة مثل سوق الأسهم .

جانب الطلب

يشمل الطلب كمية المساحات المطلوبة او عدد الوحدات المطلوبة عند مستويات سعرية متعددة والقاعدة الاقتصادية العامة تقول بأن الكمية المطلوبة لها علاقة عكسية مع السعر أي ان ارتفاع السعر يؤدي الى انخفاض عدد الوحدات أو المساحات المطلوبة و جزءلا يتجزأ من تعريف الطلب هو مفهوم الطلب الفعلي أيالطلب المرتبط بقوة شرائية لذا في التحليل العقاري قد نحتاج ان نفرق بين الطلب المسبق وهذا يشير إلى مجموع المطلوب قبل تفاعل المستهلكين مع السوق.

بعد التفاعل مع السوق يبرز طلب آخر وهو الطلب اللاحق والذي قد يختلف عن الطلب المسبق لأسباب عديدة مثل القيود على العرض وعدم توفر الوحدات الملائمة او ارتفاع الأسعار بشكل كبير. والطلب غير المتحقق يسمى الطلب المكبوت pent up demand وهذا عادة يحصل اذا تراكمت احتياجات اسكانية عبر مدى زمني متوسط الى طويل أو عندما يقوم المستهلكون بتأجيل طلبهم لفترات مستقبلية، عادة الطلب المكبوت يرجع الأسعار الى الأعلى بشكل سريع جدا وهو ظاهره معروفه خصوصا في أسواق العقار حول العالم. وحقيقة من اسوأ ما يمكن ان تتصف به السوق العقاري بان يكون هناك عرض محدود وطلب مكبوت (حالة مثالية لتوقع ارتفاع كبير في الأسعارمستقبلا).

ويخضع جانب الطلب لعوامل أخرى متعددة بجانب السعر مثل المتغيرات الاقتصادية كالدخل والعوامل الديموغرافية والعادات الاجتماعية والنمو السكاني وحجم التمويل المتاح ، و لكنه لا يخضع دوما للعوامل التقليدية مثلا ارتفاع الأسعار قد يؤدي على العكس بارتفاع الطلب (عوامل مضاربيه والاعتقاد ان هذه موجه صعود للعقار ) مرونة الطلب أيضا عامل مهم جدا في تحديد اتجاه الطلب ويعتمد بشكل أساسي على توفر السلع البديلة.

كمثال اذا كنت ترغب بوحدة سكنية في منطقة محددة لقربها من مكان عملك او سكن والديك فقد تكون مستعدا لانفاق مبلغ اكبر مقابل شراء الأصل العقاري وهذا يفسر سبب هبوط أسعارالأراضي في اطراف المدن وخارج النطاق العمراني وتماسكه في المركز والاحياء المتميزة وذلك لعدم وجود البديل المناسب. لكن لا يمكن الحديث عن الطلب بدون اعتبار لمفهوم المرونة في الطلب (التغير في الكميات المطلوبة نسبة الى التغير في الأسعار)، حيث ان تحديد منحنى الطلب غير كافي وانما يجب دراسة سمة هذا المنحنى أي مرونة وحساسية الكمية المطلوبة للتغيرات في الأسعار. وتعتبر المرونة عاليا اذا زادت او قلت الكمية المطلوبة بأعلى أو اقل من التغير في الأسعار تباعا . فاذا ارتفعت الأسعار على سبيل المثال 10% وانخفض الطلب ب 5% فقط فهنا يمكننا القول ان مرونة الطلب قليله جدا أي لم يؤثر ارتفاع الأسعاربشكل كبير على طلبات المستهلكين.

و تعتبر مرونة الطلب مبدأ هام جدا في معرفة كيفية تفاعل الأسعار وتفضيلات المستهلكين وخياراتهم ووضع سياسات اسكانية وعقارية معينة. وفي المتوسط يعتبر الطلب على العقار غير مرن أي لا يستجيب كثيرا للتغيرات السعرية لأسباب عديدة منها انه احتياجحقيقي فيما يخص الوحدات السكنية و لصعوبة إيجادالسلعة البديلة خصوصا في مواقع معينة او احياء معينة -كم مستعد ان تدفع مقابل السكن قريبا من والديك أو مدارس ابنائك؟ .

لماذا مفهوم مرونة الطلب السعرية ذا صلة بالتحليل العقاري على المستويين الكلي أو الجزئي؟ علىالمستوى الكلي، حيث يمكن أن يساعد في قياس تأثيرالتغيرات في أسعار السوق أو الإيجارات على الطلب وبشكل أكثر تحديدا على مقدار المساحة و / أو عدد الوحدات المطلوبة. أما على المستوى الجزئي، فإنه يمكن أن يساعد المستثمرين والمطورين في تقييم أثرارتفاع الأسعار على الإيرادات والخطط المستقبليةكما انهم يفصلون بلا شك طلب غير مرن لان ارتفاعالأسعار / الإيجارات في هذه الحالة يؤدي الى زيادة الإيرادات لعدم وجود نقص كبير في الطلب .

ومن المهم أن نميز بين الزيادة الفعلية والتوقعات بزيادة الأسعار عند تحليل تأثير التغيرات في الأسعار .هل هناك أي سيناريوهات تخالف القانون الاساسي للطلب بحيث تظهر النظرية خطأ او لا تنطبق ؟ على سبيل المثال، بعض المراقبين في السوق قد يتابع زيادة الطلب على المساكن خلال فترات ارتفاع الأسعار ومن ثم يستنتج أن قانون الطلب لا ينطبق في سوقنا او ان يستخدم بعض الجمل مثل “سوقنا لا يخضع للنظريات ” بينما في الواقع يتبع النظريات الاقتصادية التي تفرق بين الزيادة الفعلية او التوقعات بالزيادات المستقبلي وتأثير ذلك على الطلب المستقبلي .

جانب العرض

يقصد بالعرض العقاري كمية الوحدات الفضاء السكنية والتجارية المعروضة على مستويات سعرية مختلفة ويجب التفريق بين الاجلين القصير والطويل كما يخضع جانب العرض لمفهوم (المخزون / التدفق) حيث ان العقار اما مخزون حالي او مخزون جديد اضيف الى السوق من خلال التطوير وتجهيز البنية التحتية لمناطق جديدة وتصل النسبة في بعض الأحيانالى 98/ 2 أي ان 98% من المعروض يكون من المخزون الحالي بينما المعروض الجديد لا يتعدى 2% ( تختلف النسبة بحسب القوانين والعوامل الاقتصادية الأخرى في كل دولة) والمأمول أن رسوم الأراضي سوف تزيد المعروض الجديد مما يخلق سوقا توازنيه أفضل ويساعد في زيادة نسبة المعروض الجديد الى العرض الكلي.

و يتأثر العرض بعدة عوامل مثل هامش الربحية والتشريعات المنظمة لاستخدامات الأراضي والمحفزات الموجودة بالقطاع مثل سهولة الحصول على التمويل ومعايير البناء ، وفي حالة العرض تبرز أهمية مرونة العرض كعنصر اساسي في فهم اتجاهات السوق العقارية ومستوى التطوير وتوقعات الأسعار. ويمكن القول ان العرض غير مرن في حال ارتفاع الأسعارب 30% على سبيل المثال لكن تجاوب العرض مع هذاالارتفاع بزيادة 10% فقط وذلك لعدة اسباب أهمها التشريعات التنظيمية وكفاءة السوق والمطورين .ويمكن القول بأن السوق المحلي يعاني من عدم الكفاءة في المعلومات وعدم المرونة في توفير منتجات سكنية مختلفة وكذلك مرونة الاستثمار العقاري وتعدد اوعيته . علما بان هذه مشكلة دولية حيث تعاني الكثير من البلدان في العالم من انخفاض مرونة العرض وعدم قدرته على استيعاب الطلب المتزايد .

ويبرز هذا المفهوم كعامل هام في صياغة سياسات اسكانية تساعد في زيادة المعروض وموازنة السوق ودخول وحدات ومشاريع جديدة في السوق حيث ان بطء مشاريع التطوير يحد من كمية العرض ويلبي الطلب بشكل محدود جدا وفي هذه الحالة أي أناضعف مرونة العرض يصبح الطلب هو المحرك الأساس للأسعار ويشكل عامل ضغط على الأسعارطبعا باتجاه تصاعدي .

الخلاصة:

تحليل سوق العقار يتطلب المام وجمع بيانات وافية عن عدة متغيرات اقتصادية ويجب البدء دوما في اطار العرض والطلب والمرونة المتعلقة بهما و يجب تحليل الطلب بعناية ومعرفة تفضيلات وشرائح الاسر بدقة ويجب التفريق بين الطلب الفعلي وبين الطلب بناء على التوقعات المستقبلية وتقدير مرونة الطلب تساعد في معرفة التوقعات المستقبلية للطلب عند مستويات سعرية مختلفة. كما يجب التركيز على الطلب غير المتحقق او ما يسمى “الطلب المكبوت” خصوصا اذا تراكم لفترات طويله لأنه عامل مهم في توجيه الأسعار في حالات نقص المعروض.

كما يجب فهم العرض ومحدداته ومستوى مرونة العرض في السوق لفهم اتجاهات الأسعار ومستوى التوان في السوق وقدرة القطاع في زيادة عدد الوحدات المطورة وتلبية الطلب الحاصل في السوق .هذه العوامل مجتمعة تعتبر الأرضية الأساسية في فهم إيقاع السوق وتوازناته وعمل تحليل اقتصادي شامل للسوق العقاري . فلا يمكن تحديد اتجاهات الأسعار بناء على ارقام مجتزأة وبدون فهم مرونة الطلب والعرض مثل النمو السكاني والقدرة على تطوير البنية التحتية والخدمات السياسية وإمكانات القطاع في تطوير وبناء وحدات جديدة.

في حالة نمو العرض البطيء يصبح الطلب هو المحرك الأساس للأسعار ويشكل عامل ضغط على الأسعارطبعا باتجاه تصاعدي . إن من أخطر التحليلات تلك التي تأخذ ارقام او مؤشرات محدودة لكي تبني عليها التحليل او تختزل المشكلة في رسوم او مؤشر القدرة ومن ثم تبني تصورات وتصل الى نتائج وتوقعات منقوصة بشان السوق العقاري.

المصدر

جديد الاخبار

خلال 96 ساعة من طرحها؛ “رتال” للتطوير العمراني تبيع 700 وحدة سكنية

إنجاز جديد ورقم قياسي حققته شركة "رتال" للتطوير العمراني في مبيعاتها لمشروع "نساج تاون الرياض"…

19 أكتوبر 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها 100 ألف متر مربع في العرفاء

أزالت أمانة الطائف، تعديات على أراضي حكومية تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع، كانت بلدية…

31 يوليو 2020

إزالة تعديات على أراضي حكومية في المدينة المنورة مساحتها 650 ألف متر مربع

تمكنت البلديات الفرعية والضواحي التابعة لأمانة المدينة المنورة، من إزالة تعديات على أراضي حكومية مساحتها…

31 يوليو 2020

حامد السهيل: «شايلوك» واحتكار العقار!

في المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي الأشهر وليام شيكسبير والتي كتبها في عام 1596،…

31 يوليو 2020

طرح 850 قطعة سكنية وتجارية بمخطط المنار شرق عنيزة بالمزاد العلني

تطرح الجود للاستثمار والتطوير العقاري، أكثر من 850 قطعة سكنية وتجارية في المزاد العلني في…

31 يوليو 2020

بدر الحمدان: العنصرية العمرانية

في بداية حياتي الجامعية، وبعد السنة الأولى سألت معيداً مصرياً درّسنا الرسم الهندسي ليساعدني في…

31 يوليو 2020