عندما تزور كثيرا من المدن الصغيرة والمحافظات في أرجاء المملكة تتزاحم أمامك مساحات من الإبداع الملون بالخضرة والزراعة، والمجسمات التي تعكس في الغالب تراث تلك المدينة، فضلاً عن بساطة الحياة، ومحبة الناس التي لم يثقل نفوسها شكوى الزحام، وتأمين متطلبات الحياة.. أو البحث في غوغل عن أفخم المطاعم، وأحدث المقاهي.
ليس هذا فحسب بل إن مستوى التطوير، والطرق، والحدائق، والخدمات والبنى التحتية أعلى جودة في الغالب من تلك المكونة للمدن الكبرى، وهذا يرجع إلى حرص شديد من مسؤولي قطاعات تنموية، ومستوى تكلفة تلك المشروعات نظراً لمستوى المعيشة والتنقل والسكن فيها.
لم أقابل أحدا يتحدث بحماس وشغف وحرص يلونه حب عميق للمنطقة والمدينة كما كان ياسر الدخيل، وهو يشرح لمجموعة من الشباب القادمين لزيارة القصيم، بدعوة كريمة من رجل الأعمال ماجد العُمري، عن منطقة الغضا، التي تجاوزت أن تكون مساحة برية تتزين بأشجار الغضا، في أطراف عنيزة.. إلى مكون اجتماعي حضاري ترفيهي وترويحي لأهل المدينة وزوارها.
إن التنمية الحقيقية هي تلك التي تبدأ بالناس، ومشاركتهم.. فعندما يكون الناس محور التنمية أساسها وهدفها.. تصل إلى نتيجة واحدة، وهي أن المدن تسكن الناس، وليس الناس من يسكنوها.
حسناً كيف يمكن ترجمة ذلك من ناحية اقتصادية، تتوافق مع رؤيتنا؟
كثير من مسؤولي القطاعات التنموية الأساسية؛ لا يدرك حجم التباين الكبير بين مناطق المملكة ومدنها في الجوانب الاجتماعية والثقافية، وللأسف أن الحلول لمشكلات التنمية توضع دون مراعاة لتلك الفوارق والاختلافات التي أدركها برنامج التنمية الريفية الذي دشنته وزراة البيئة والزراعة مؤخراً.
خذ على سبيل المثال قطاعي السياحة والترفيه؛ مجالان خصبان جداً لاستثمار التباين في مكونات المناطق، ومن ذلك المهرجانات البرية، والريفية الزراعية، والأكلات الشعبية والحرف اليدوية لكل منطقة، واستثمار ذلك عند إقامة المباريات والمناسبات الرياضية بالإعلان والترويج لها، للتعريف بثقافات تلك المدن، وبالتالي مهرجاناتها.
تفاجأت بمهرجانات المدن في زيارة مدن القصيم الأسبوع المنصرم، مهرجانات لا بد أن تدرج ضمن أجندة وطنية متاحة للجميع، وهو أمر يبدو لي ميسرا في ظل التقنيات الحديثة، ومن خلال نشر وانتشار هذه المهرجانات الموسمية نستطيع أن نخلق اقتصادا مناطقيا نشطا، ويحقق متطلبات الأسر المنتجة، والشباب من الجنسين.
التنمية المناطقية ليست مفهوما جديدا، لكن أعتقد أننا بحاجة إليه.. هيئة تطوير الرياض طورت مؤشرات قياس جيدة في قياس وتحليل واقتراح استراتيجيات عمل واضحة، أعتقد أنها تستحق التعميم، ولكن يكون ذلك دون تعميم تجربة هيئة التطوير ليكون لدينا في كل منطقة هيئة تطوير تتولى الإشراف ومتابعة التنفيذ والقراءة والتحليل لجميع مكونات التنمية الإدارية والبشرية والعمرانية.
عوائد ضخمة للتنمية المناطقية؛ منها خفض الهجرة العكسية، التوطين الوظيفي، التنشيط السياحي الداخلي الذي يترتب عليه نشاط في قطاعات مختلفة، ويمكن تحفيز القطاع الخاص للإقبال على هذ الاستثمار من خلال منحه إعفاءات وأراضٍ للاستثمار في تلك المناطق.